الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودونك نظما بالنصائح قد زها
…
كما أن نظم العقد يزهو به الدر
وأختم نظمي بالصلاة مسلمًا
…
على المصطفى ما هل من مزنة القطر
كذا الآل والصحب الأولى بجهادهم
…
سما وعلى الإسلام وانخفض الكفر
ذكر قتل أمير بريدة عبد الله بن عبد العزيز بن عدوان
لما كان في صفر من هذه السنة تذامر رجال من آل أبي عليان على قتل الأمير المذكور وجعل أولئك الأعداء يرتقبون الفرص للفتك به فكان ذات يوم عنده محمد بن صالح الضبيعي في قصره، فجعل يمزح عليه يقول يا أبا ضبعان ألا تدعونا إلى بيتك فتهيء لنا القهوة، فاعتذر قائلًا له: أيها الأمير لا آلة عندي للقهوة ولما لدي مجلس وما كان هذا عذره، بل قد علم بما قد تذامر به أولئك الأعداء فخشي أن يقتل في بيته، وفي رواية أخرى أنه جاء بنفسه لدعوة الأمير وأنه ممن يعين على قتله وأنه ندم فالله أعلم.
ولما ألح عليه الأمير عبد الله جعل يتلوم حتى قال أنه لا بن عندي ولا بهار، فقال له قم فالبن والبهار يأتيك في أرداني يا أبا ضبعان فقام محمد ليهيء القهوة للأمير، فانتهز أعدائه هذه الفرصة، وذهب الأمير من قصره إلى حتفه، وما علم بما بيته له الأعداء، فلما دخل بيت الضبيعي وجلس تسور أعدائه المحنقون عليه الجدر يريدون الفتك به، فلما أحس بالشر سلّ سيفه الذي كان يسمى رحيان وقام دونه على باب المجلس حارس له شجاع يدعى عبد الله بن جار الله الفضلي قد انتضى سيفه، فلما عجزوا عن الدخول عليه صعد بعضهم إلى السطح فرماه بسهم فوقع الأمير على الأرض وهو يقول: سالم .. سالم، ثم تقدم شاهرًا سيفه يحبو حبوًا لأن السهم كسر فخذه، فإذا بسهم آخر أصاب الحارس الشجاع عبد الله فوقع إلى الأرض يجود بنفسه، وتقدم الأمير إلى باب المجلس حبوًا فهوى بسيفه نحو فارس من أعدائه فأصابه السيف مع خشبة من سقف الباب فقطعها وقسم الفارس نصفين، فوقع الفارس إلى جانب حارس الأمير، وكان في هؤلاء الأعداء رجل يدعى خرشه يقال أنه دعى، فضرب الأمير حتى قضى عليه، وكان في هؤلاء الأعداء رجال من
عشيرة ابن عدوان وهم عبد الله الغانم؛ وأخوه محمد؛ وحسن آل عبد المحسن المحمد، وأخوه عبد الله، وعبد الله بن عرفج.
ولما جاء الخبر إلى الإمام فيصل غضب على عبد العزيز بن محمد وأمر بحبسه وجعل محمد الغانم أميرًا في بريدة مكان بن عدوان وكان محمد ممن قتلوه وكثر القيل والقال، وجعل عبد العزيز بن محمد وهو في الحبس يكتب إلى الإمام فيصل ويحلف له إيمانًا مغلظة أنه ليس له علم بذلك الأمر ولم يرض به.
وقال في خطابه للإمام ولو أذنت لي بالمسير إلى بريدة لأصلحت ذلك الأمر ولأمسكت الرجال الذين قتلوه وأرسلتهم إليك مقيدين بالحديد أو أنفيهم عن البلاد، فأمر الإمام بإطلاقه من الحبس وأحضره بين يديه وجعل يحلف للإمام ويتعلق، فأخذ الإمام عليه العهود والمواثيق على ذلك، فكساه الإمام ومن معه، وأجازه وأكرمه وأذن له بالرجوع على بريدة، واستعمله أميرًا عليها، وعزل محمد الغانم عن الإمارة فتوجه إلى بريدة.
وأمر الإمام فيصل على عبد الله بن عبد العزيز المحمد بالمقام عنده في الرياض، ولما وصل عبد العزيز إلى بريدة قرب الذين قتلوا ابن عدوان وأدناهم وألقى بعهوده ومواثيقه عرض الحائط، وكان وصوله إليها في جمادى الأولى من هذه السنة جعل يكتب للإمام فيصل بأشياء مكرًا وكذبًا، فحاق به مكره والعياذ بالله، وجرى عليه ما سيأتي في السنة التي بعدها، وكان عبد العزيز هذا كثيرًا ما يجري منه الخلاف للإمام فيصل فيصفح عنه، وكان قد جرى بينه وبين محمد العلي العرفج الشاعر المشهور خلافًا ومنافسات يطول ذكرها.
ولقد جاد عليه الإمام تركي لما جعله أميرًا في بريدة لأول مرة وذلك في سنة 1243 هـ بأنه لما جعله أميرًا وخاف عليه من محمد العلي المذكور لأنه أميرًا كان قبله فيها، فأرسل الإمام إلى محمد وجعله عنده في الرياض ولم يأذن له بالرجوع إلى بريدة حتى قويت شوكة عبد العزيز بن محمد ثم أذن له.
ولما لم تصلح الحال بينه وبين عبد العزيز، وحصل نزاع وشقاق قام أهل الإنصاف من ساكني بريدة وقالوا: لما يستقيم الخلاف بينكما والمرجع فيصل في الرياض، فكتبوا إليه بعد وفاة أبيه يؤيدون عبد العزيز، وكان قد أتى لهم الإمام على ما يطلبون فأقر عبد العزيز وقال لابن عرفج يا محمد إن هنا بلاد أحسن من بريدة وهي الجوف، هوائها طيب وجوها معتدل إذا كنت ترغب في الإمارة، وإنما أشار عليه الإمام بها ليبعده عنه لأنه شاعر وله دهاء ولعله أن يقتل بها لأن أهل الجوف إذ ذلك كانوا إذا لم يوافقهم الأمير قتلوه، فذهب بن عرفج أميرًا على الجوف من قبل الإمام، ولكنه على أمر عجيب بحيث أنه لما قدم إلى الجوف أميرًا خطب فيهم خطبةً ظريفة قال فيها يا أهل الجوف لقد علمتم بأنه لم يبعثني الإمام إليكم إلا رغبةً في قتلي إن لم أوافيكم، فأنا الذي لا أخالف رأيكم، بل أكون تبعًا لما تطلبون، فإن شئتم تسجدون وتهللون فأنا زاهدكم، وإن أحببتم الغنا واللهو فأنا رئيسكم، وإن قمتم ترقصون وتصفقون فأنا صاحب الدف أحمله أمامكم، ففرحوا به وسروا، وقالوا هذا الأمير أحسنت فلا نبغي سواك، فاستقام عندهم، وله نكت عجيبة لكنه لا يزال يلهج بذكر بريدة ويقول فيها الأشعار يمتدحها وأهلها بعدم الخلاف لمن تأمر عليهم.
ومن نكته أنه خطب جارية من أهلها وكانت حسناء جميلة، وأهلها لا يزوجونها إلا بإذنها، فأجابت بشرط أن تراه، وكان محمد دميمًا فواعدهم أن يمر من عند بيتهم لتشاهده، فإن بن عرفج ذكره يملأ المسامع غير أن صورته لا تعجب النساء، فالمرأة تميل إلى الجميل كما أن الرجال يميلون إلى الجميلة، فأخذ بن عرفج بيد عبد المحسن آل سديري وذهبا يمشيان حتى مرا من أسفل البيت وهي تنظر فتكلمت جارية من الطاق تدعو ابن عرفج باسمه ليتمز فتنظره، فقال لصاحبه التفت إلى نحو هذا الذي يدعونا ففطن لها عبد المحسن وعلم مقصده، وأبى أن يلتفت إلا بعباءة ثمينة كانت على محمد، فأجابه بذلك فلما التفت السديري وكان فتى نضيرًا عشقته ظنًا منها أنه صاحبها فأجابت إلى زواجه، وتزوجها وبعد الدخول لم تتمكن من الخلاص لإذنها وإجابتها.