الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فسامحها سوأتها وهو قادرٌ
…
رأى الصفح والأعراض أرجى فيسرا
وقام لأمر المسلمين برأيه
…
لحاملها التأييد إن سار أو سرا
يجر الخميس الزحف أن ناب نائب
…
كدفاع موج البحر لما تزخرا
تراه في الأطوال كل طمرةٍ
…
وكل كميت صادق العدو أحمرا
عليها من الفتيان صبح مفارها
…
سلالة أمجادٍ وساداتٍ حسرا
وهي طويلة فلنقتصر منه على ذلك.
وكان الأمير عجلان قد تجبر وعزم على أن يزيد في الضرائب على أهل الرياض، ولقد اطلع قبل قتله من مكان شامخ على سوق الرياض وإلى جانبه جليس له فقال لجليسه: هؤلاء قد كثرت أموالهم وقوي شأنهم فأريد أن أزيد في القدر الذي يؤخذ منهم، ولما أن أشار عليه جليسه بعدم الظلم، جعل كلما أشار في نقص الضريبة يزيد هو، فذا يقول كثيرًا ما أضعفت وهذا يزيد الضعف حتى سكت المناصح لئلا يكون سببًا في ظلمهم إذا كان يستكثر عشرة آلاف فيقال خمسة عشر ألفًا فما كان إلا قاب قوسين أو أدنى، حتى أخذه الله وأراح منه الخلق، فلله الحمد على فضله.
ذكر مخاطرات جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود أدام الله توفيقه
فنقول: قام هذا الشاب لما تم له عشرون سنة يطلب ملك أبائه وأجداده، فغامر مغامرة تنطوي على كثير من الجرأة والشجاعة، ولم يطر إذ ذاك عارضاه، وصمم على الملك أو الموت في طلبه، فسطا في الرياض بأولئك الفوارس المجربين الذين ألفوا الأخطار، فقتل عجلان واستولى على الرياض ولقي الأهوال في ابتداء الأمر، وذلك لأنه تقلد السيف ولم يضعه من يده حتى أخضع نجدًا كلها، وكان يقول إنه لا يوجد في داخل جزيرة العرب شبر أرض لم يقاتل عليه ولولا ذلك لما حصل المقصود وجميع الأشياء بأمر الرب المعبود.
المخاطرة الثانية ملاقاته لابن رشيد، وقد جرأ عليه الدولة العثمانية وما زال يدافع حتى قتله وفرق الأعداء شذر مذر وآخر ذلك أن طرد الدولة عن القصيم.
المخاطرة الثالثة خروج عبد الله بن محمد أبا الخيل عليه بعد ما أمره في بريده فدخل عليه البلد في ساعة حرجه وكانت مخوفة عليه.
المخاطرة الرابعة فتح الأحساء وطرده الدولة عنها ولما فرغ من نجد مد يده للحجاز حتى استولى عليه ونريد أن نعرف بالرياض عاصمة الملك، فنقول: هي مدينة من بلاد العارض اليمامة وهي عاصمة ملك آل سعود بعد خراب الدرعية تبعد عنها ثلاث ساعات للراجل دخلت في حوزة آل سعود بعد أن هرب منها دهام بن دواس، وبعد ظهور الإمام تركي جعلها عاصمة لملكه، وما زالت كذلك حتى جعلها عبد العزيز عاصمة للملك وقد تقدم التعريف بها.
رجعنا إلى ذكر ابن رشيد فنقول: كان عبد العزيز بن متعب فارسًا شجاعًا وبطلًا مغوارًا، وله من الشجاعة حظ جسيم ومن الغلظة والفظاظة قدر عظيم يقتل ذكره الرجال، وتتلاشى دون وثبته العظماء الأبطال، ولما بلغه ما صنعه هذا الأسد الصائل الضرغام، وهذا الجرئ الشاب المقدام وفتح الرياض، وقتل عجلان لم يكترث وجعل يستهزء على أن متى ما أراد جاء وطرده وكانت كلمته لما بلغه الخبر أن قال (أرنب مجحرة وأهلها مقيمون يكفي ابن سعود أن انفض عليه عباءتي فيفر) وكان إذ ذاك نازل على الحفر يريد احتلال الكويت وما همه ابن سعود، ولا تحرك عن الحفر بل كان يكاتب الدولة العثمانية ويماطلونه ويطاولونه.
والسبب في ذلك أن مباركًا احتمى بالإنكليز ضرورة كما تقدمت الإشارة إليه، ولما طلب ذلك أمن من الأتراك، غير أن بريطانيا العظمى كان لها بذلك الحظ الحسن فقد أصبح الكويت ملكًا لها بلا شريك، ولما رست الباخرة البريطانية لنصرة ابن صباح، وقد رفعت العلم البريطاني ما كان للدولة العثمانية بها قبل، بل كانوا يظهرون لابن رشيد الولاء ويماطلونه ويأمرونه بأن يفاوضهم في محاربة ابن صباح فآخر ما نقول عن مبارك أنه قد احتمى من جهة البحر ببريطانيا، وحماه من جهة البر ابن سعود.
ولما بلغ مباركًا فتح الرياض بعث إلى عبد العزيز بن عبد الرحمن يهنيه بفتح الرياض الذي قد أثلج صدره ويدعو له بالبركة، وجعل ينخاه على خصمه ويدعو له يا ولدي تولاك الله وعافاك وقواك وجعل النصر أخاك، وكان لا يدعوه إلا يا ولدي يا عبد العزيز وطلب منه النجدة.
ثم إن صاحب الكويت أمدّ عبد العزيز فبعث أخاه سعد بن عبد الرحمن بالنجدة التي طلبها، ومشى بنفسه إلى غرضه، فشن الغارة على قبائل ابن رشيد حتى استولى على النواحي الجنوبية مثل الخرج والحوطة والحريق والأفلاج ووادي الدواسر، وكاتبته البلدان الشمالية بالطاعة سرًا، وهذه كالمحمل والوشم وسدير والشعيب فهي موالية لابن سعود وإن كانت في حوزة ابن رشيد.
وهذه نبذة من ترجمة الملك عبد العزيز، أما نسبه فتقدم في سنة ولادته.
وأما صفته فإنه كان قوي البنية طويل القامة براق العينين طاهر العرض نظيفًا وقد بلغ في الشجاعة مبلغًا عظيمًا فكان يقابل في ميادين النزال عديدًا من الفرسان الأشداء وهو وحده ويحيطون به وكلهم شجاع قوي فيمزق شملهم ويضطرهم إلى الفرار، وقد كان من شجاعته ألا يضع لنفسه حارسًا، وبهذه المخاطرات فإنه يرى عليه علامات الافتراس كما يرى في رقاب السباع أثار الدماء، وقد ملأ جسمه بجراحات بعضها خطره، ولكن شفاه الله منها وبعض إصاباته من السيف، وبعضها من الرصاص وبعضها من شظايا القنابل، وهي أعظم شهادة تدل على الشجاعة والبطولة والإقدام، وإذا كان بدر بن عمار يكرم سيفه عن الليث ويجعل له سوطه كما قال عنه أبو الطيب المتنبي يمتدحه بهذا البيت:
أمعفر الليث الهزبر بسوطه
…
لمن ادخرت الصارم المصقولا
فإن ابن سعود صارع من هو أقوى من الليث حتى صار اسمه اليوم أعظم من الجيش، فمن شجاعته النادرة أنه قهر عبد العزيز بن متعب الذي كان هو الشجاع المعلم الذي تنفست عنه الجزيرة في القرن الرابع عشر، ويعترف له أبطال نجد