الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القبض عليه وفتشه وجد الساعة لا يعرفونها إلا أنها صنم، وذلك لأنه لا يوجد ساعات في نجد إذ ذاك، وكان لأهل نجد عادات وأخبار عجيبة.
ومن أبلغ مشروباتهم القهوة البن فإنهم يتغالون في تقديمها وعملها، ولهم أشعار رائعة في القهوة لأنهم كانوا يرون فيها رجولةً وتقدمًا، فهي أعظم ما عندهم من الحشمة يقدمونها على اللحم والألبان وسائر المأكولات ويستنشقون رائحتها إذا حمصت أبلغ من استنشاق العود والبخور والطيب والعطر، ولا سيما إذا صبت كنقاعة الحنا، فمن لهم سمرًا بصفتها، ويرون إكرام الضيف وحسن الجوار وتزيج الأكفاء وإن كان المهر قليلًا ولم يفش فيهم الترف والمدنية إنما يخشوشنون في بعض الأحيان تأدبًا مع الشريعة، ولكل زمان دولة ورجال.
وبالجملة فإنا إذا نظرنا إلى حالة الزمانين نجد بونًا بعيدًا كان الدنيا التي نعيش فيها ليست كدنياهم مع قرب الزمن ووحدة الدين والله المستعان وعليه التكلان.
ذكر بلاد العرب وإماراتها
كان على مكة أمراء من الأشراف لأن الإمارة فيهم وراثية وبإزاء كل أمير من أمراء مكة يكون والٍ من قبل الدولة العثمانية يكون على النظام والقوة ويحصل بسبب ذلك منافسات ومشاغبات بين الوالي والأمير لأنها لا تستقيم بلدة فيها سلطتان وحدوث هذه الوظيفة جديد وهي تابعة للدولة العثمانية، وكان الحاكم على نجد على العموم فيصل بن تركي بن عبد الله بن سعود وامتدت فتوحاته إلى عمان، وكان على البصرة وبغداد ولاة من قبل الأتراك، كذلك الشام تحت نفوذ العثمانيين، كما أن البحرين تحت حكم آل خليفة والكويت حكامه آل صباح المشهورون.
أما اليمن فمنه يتنازعه العثمانيون بنفوذ ضعيف وأئمة الزيود وكثر النزاع فيها بين الأتراك وبين أئمة الزيدية إلى إبان العرب العظمى حتى تغلب عليها الإمام يحيى.
فعبارة يقال عن العراق إنه تحت نفوذ الأتراك وحكمهم إلى أن أعلنت الثورة
لأنهم طردوا عنه الفرس، كما أن الشام تحت حكم الأتراك بعد إخراجهم لجيوش محمد على صاحب مصر.
وكانت هذه الأمصار في ذلك الزمان لا يزال غالب أهلها يتمسكون باسم الإسلام، وغالب المساجد تقام فيها الصلوات الخمس ويتقيدون بمشاريع الدين، ولإن كان فيها شرك وضلال فإن فيهم من لا يزال يتعصب، ولم يحدث هذا الانحلال وضعف الديانات وتقرير القوانين إلا بعد ذلك لأن الاختلاط بالدول الأجنبية التي دخلت بلاد العرب كالأنجليز وفرنسا هو الذي صبغ الأمة بصبغة جديدة لأن الأديان وإن كانت بعيدة العهد من الرسل فلا بد أن يوجد من يثبت على رسومها من اليهود والمسيحيين، وما زالت تتضاعف الأديان وتضمحل حتى كانت الأمم الأخرى دهرية كلها إلا من شاء الله وقليل ما هم، وذلك لقلة الداعي وعدم الاعتناء بأمور الديانات وللإكباب على الدنيا واتساع الرقعة فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وإذا كان هناك من الأسبانين والإفريقيين، والأوربيين وغيرهم من ينتمي إلى دين الإسلام ويدين بالشريعة المحمدية لأنها لا تخلو الأرض من بقايا فإنهم ضعفاء قليلون بالنسبة إلى غيرهم فتعتبر بلاد العرب مركز الدائرة لدين الإسلام وتختص نجد بالديانة والثبات على الإسلام لقوة الاعتناء وبث الدعاة وتشجيع المتدينين، وما زالت الحكومة السعودية بعد النهضة الأخيرة العزيزية تدأب في قمع الفساد وتنشر الدعاية في مصر والسودان والهند والسند، وتوطد الصلات في العراق والشام واليمن، حتى أصبح الحجاز أحد أقاليم المملكة مطهرًا من القباب والتوسلات الشركية، ويعيش أهله في رغد العيش والثبات على الإسلام وحسن التمسك بقواعده العظام.
أن بلاد العرب والحق يقال لها مستقبل زاهر كما يشاهد في بيروت ولبنان وبغداد، وتطورت الحياة وتأثرت بحياة الشعوب ونهضت نهوضًا باهرًا وأصبح العرب بعد اللبن والطين في العمارة تلك الأزمان يبنون بالحجر والإسمنت المسلح
والرخام والزينات، ورفعوا البيوت ونجدوها، غير أننا نريد منهم أن يشاطرونا في قوة الدين والتمسك بالإسلام وشعائره لنفوز وننجح جميعًا، وإذا كان لهم تقدم في الحياة فنرجوا أن يكون لهم تقدم في الدين وفقهه لأنه لا عز إلا بالدين ولا منعة إلا بتقاليد الإسلام وشعائره.
وأضرب لذلك مثلًا وإن كان المقام ضيقًا فنقول هذه الدولة العثمانية لا تغيب الشمس عن ممالكها كما بينا ووضحنا في هذه النبذة اليسيرة.
فلما قام داعية الخير وإمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أجزل الله له الأجر والثواب لنشر الدين وتجديده في الأرض لأن الله تعالى يبعث من يجدد لهذه الأمة دينها قامت هذه الدولة وضادت دعوته أعظم مضاده وصادمتها أشد مصادمة وبذلت نفسها ونفيسها، وآخر ذلك أعلنت الدستور، فقال بعض الموتورين بابنته لما رسمت نفسها بغيًا، وقررت الدولة لها تقريرها والله لا تستقيم دولة بعد القرآن الحكيم يكون شرعها الدستور ودأب في خلاص ابنته حتى أنقذها منهم، وذلك في سنة 1327 هـ، فانظر إلى ما أحله الله بها بعد ذلك من الهوان الذي آخرته سلب ممالكها واقتسامها وإني لآسف جد الأسف على أن تكون الشام ومصر والعراق واليمن مسرح الفتن والزلازل والمحن بعد أن كانت معدن العلماء والأولياء والقضاة والمفتين والأئمة الربانيين كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير وابن رجب وابن مفلح وأعلى منهم مثل الشافعي وأحمد بن حنبل وأبى حنيفة وإسحاق بن راهوية والموفق بن قدامة وابن عبد الهادي الجهابذة هؤلاء الأخلاف، أما الخلفاء الأمويون والعباسيون والقواد والزعماء إذ ذاك فنرجوا من أمتنا أن يوجدوا ويبرزوا لنا رجالًا مثقفين يحامون على البلاد ويقهرون الأضداد كهؤلاء الرجال فهم رجال ونحن رجال.
أما القضاء في ذلك الوقت فكان القاضي إذ ذاك يجلس للخصمين ويسمع إلى حجتيهما فإذا فرغا وتبين له حكم القضية قضى بينهما فيقومان راضيين خالصين، وما تعرف عندهم المحاكم، وأخص بذلك أهل نجد، وإذا جرى بيع عقار وإثبات صك ونحو ذلك من القضايا الكبار فإنه يوقع القاضي عليه بالختم.
وكان القاضي في بلد بريدة فضيلة الشيخ سليمان بن علي بن مقبل، وهذه أقضيته وتصديراته لا ترى فيها شيئًا مما يستعمل في هذه الأزمنة من حسن الإنشاء وتنميق الكلام والتقعر في الفصاحة وتشقيق العبارات وتحليتها، كما نشاهد من أقضية الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم والشيخ عبد الله بن سليمان بن بليهد قاضي بلدة حائل.
أما الشيخ سليمان فكان يجري في مجلس خصومته عجائب من تحمله للعثرات وفراسته الغريبة، منها أنه حضر لديه خصومة فأكثروا اللجاجة والترديد، فلما أتعبوه قام موليًا يقول: أنتم يا أهل العيون لا تفهمون ولا تخلصون، فلحقه بعضهم يقول بعدما جبذه بردائه اجلس رحمك الله يا شيخ فإنما جعلت لمن لا يفهم ولا يخلص، أما من يفهم ويسمع فلا يصلك، اجلس فإنما نصبت للأعوج تقيمه.
ومن فراسته أن عجوزًا ذهبت إلى دار قوم في وقته كان عندهم مائدة عشاء فتقدمت العجوز عند فراغها تطرق الباب كأنها رسول سلطان كعادة الثقلاء، ومن قل حيائه من الطفيلية والأغبياء، فجاءت ربة البيت وعنفت الكلام لهذه الجراءة، فأجابت عجوز السوء للمرأة تشفيًا بقولها لم أجيء نحوكم للطعام وإنما أمانة في عنقي كلفت أدائها بأن زوجك أخوك من الرضاعة والسلام، وذهبت كالريح العاصفة، فلما ألقت هذه المقالة كان جوابها إرسال العبرات من المرأة المسكينة، واجتمع عليها بثها وحزنها وترك الطعام في المواعين، وأهان الداعي للمدعوين فما كان ليلة أطول من ليلتهما، وانبعث الزوج مسارعًا لما طلع الفجر إلى الشيخ سليمان ليكشف هذه الغمة، فلما جاءه وقص عليه القصص، قال ائتني بها إن كنت تعرفها، فدعى الرجل بالعجوز وأجلسها بين يدي الحاكم ليأخذ المسألة من فيها وكلمها مخاطبًا؟ نريد يا أمة الله الفرق بين هذا وزوجه، فإن كنت على يقين فتكلمي وإلا فحققي، أجابت العجوز أيها الشيخ إني لست بأمير ولا قاضي إنما أخبر عن الواقع، ومن اهتدى فلنفسه ومن أساء فعليها، وما لدي سلطة على أحد، فقال لها: يا هذه اتق الله فبين يديك هول المطلع وهول