الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم دخلت سنة 1276 ه
ـ
ففيها جهز الإمام فيصل بن تركي ابنه عبد الله وجمع معه جيشًا عرمرمًا كثيفًا ضخمًا في العدد والعدة من نجد كلها، وأمره أن يزحف به لقتال العجمان، وذلك لأنهم طالما أكثروا الغارات وأظهروا العصيان والمحاربة للمسلمين، ونشير هنا إلى العجمان وإن كان تعريفهم يأتي بعد ذلك.
فنقول لما كان في أيام الإمام تركي بن عبد الله جعل رؤساؤهم يحضرون عنده ويتملقون له بالسنة حداد، فبذل فيهم الإحسان وجمعهم على رئيسهم فلاح بن حثلين، وأنزلهم الإمام بلاد بني خالد وأجزل لهم العطاء، فصار لهم بعد ذلك شوكة عظيمة وعظم شأنهم.
ولما تولى فيصل بن تركي عاملهم أيضًا بالإحسان غير أنه ما كان ليفيد فيهم الإحسان والرأفة، لأن اللئيم يتمرد مع الإحسان بل أبطرتهم النعمة؛ فقد رصد فلاح هذا بالعجمان لحجاج الأحساء وفارس والبحرين وغيرهم بالقرب من الدهناء فاستأصل أولئك الحجاج أخذًا وسلبًا، ومعهم أموال كثيرة، وهلك من الحاج خلق كثير عطشًا، وكان ذلك في سنة 1261 هـ، هذا وحزام بن حثلين أخو فلاح مع الحجاج.
ثم إن الله تعالى لم يمهل فلاحًا بعد هذه الفعلة الشنيعة، ولا جرم أن فرس الباغي عثور، بل عجل الله له العقوبة بعدها بسنة بأن ظفر به الإمام فيصل وقيده وأرسله إلى الأحساء مقيدًا، فطيف به في الأسواق في بلد الأحساء ثم ضربت عنقه، قفام راكان ابنه رئيسًا بعده في العجمان، وجعل يكتب إلى الإمام فيصل ويتودد ويطلب العفو، وأن يجعله عوضًا عن أبيه، وجعل يردد الرسل ويبعث الهدايا إلى الإمام من الخيل والنجائب وأكثر حتى صفح عنه الإمام، وحضر بين يديه وبايعه على السمع والطاعة.
ثم بعد ذلك عظم أمره وصار شرًا من أبيه، فأغار في هذه السنة على إبل
الإمام فيصل وأخذ طرفًا منها، ثم ارتحل بعدها من بلاد بني خالد هو ومن معه من العربان إلى جهة الشمال، ونزلوا على الصبيحية بقرب الكويت.
فلما كان في شعبان من هذه السنة أمر الإمام فيصل على جمع رعاياه من البادية والحاضرة بقتال هذا العدو الألد وجهاده، فزحف القائد الشهم عبد الله بن الإمام في آخر شعبان بغزو أهل الرياض والخرج واستنفر من حوله من البادية من سبيع والسهول وقحطان، وكان قد واعد غزوا أهل الوشم وسدير والمحمل الماء المعروف بالدجاني، فلما وصل إليه وجدهم قد اجتمعوا هناك، فأقام ثلاثة أيام ثم ارتحل منه واستنفر عربان مطير فتبعه منهم جم غفير وخلق كثير فقصدوا الوفراء الماء المعروف وعليها عربان من العجمان، فهجدهم بياتًا وأخذهم وانهزمت شرائدهم إلى الصبيحية وعليها آل سليمان وابن سريعة من العجمان.
ثم ارتحل ابن الإمام بتلك الجنود التي كقطع الليل المظلم، وسار من الوفراء حتى صبح العربان على الصبيحية فأخذهم وانهزمت شرائدهم، ونزلوا على بن حثلين ومن معه وهم على الجهراء.
ثم ارتحل عبد الله بن الإمام ونزل على ملح الموضع المعروف بقرب الكويت فجرت وقعة ملح التي رن ذكرها في الأقطار، ولما نزل ابن الإمام في هذا الموضع استبسل العجمان، وقام رؤسائهم يشجع بعضهم بعضًا وعمدوا إلى سبعة جمال فجعلوا عليهن الهوادج، وأركبوا في كل هودج من تلك الهوادج بنتًا جميلة من بنات الرؤوساء محلاة بالزينة، وقد كانوا في جاهليتهم يستصحبون النساء الخرائد في وسط جموع الحرب ليشجعن الفتيان وينخين الفرسان والشجعان فتثير هذه النخوة الغيرة والحمية عن العار ليقاتلوا قتال المتهالك فقرنوا الجمال وساقوها أمامهم وتوجهوا لقتال عبد الله ومن معه من المسلمين، فلما وصلوا إليهم نهض عليهم المسلمون وثاروا ثورة الأسود من غابها، فأظلم الجو وحصل بين الفريقين قتال شديد وجلاد أكيد، يشيب من هوله الوليد، وثبت المسلمون فانهزم العجمان هزيمة شنيعة، وولوا الأدبار لا يلوى أحد على أحد، وتركوا الهوادج والإبل وجميع أموالهم، وقتل منهم
سبعمائة مقاتل، وغنم المسلمون منهم الإبل والأموال، وانهزمت شرائدهم إلى الكويت، وذلك يوم سابع عشر من رمضان، وأقام عبد الله بمن معه من الجنود على الجهراء أيامًا، وبعث الرسل إلى أبيه بالبشارة، وإلى بلدان المسلمين فحصل بذلك الفرح والسرور، فلله الحمد لا يحصى ثناء عليه.
ولما وصل الخبر إلى الزبير والبصرة سروا بذلك، لأن العجمان قد أكثروا بشن الغارات على أطرافهم، وأرسل باشا البصرة إلى عبد الله بن الإمام هدايا كثيرة صحبة النقيب محمد سعيد، وأرسل إليه رئيس بلد الزبير سليمان بن عبد الرزاق بن زهير هدية سنية، ثم إنه ارتحل عبد الله من الجهراء وقفل راجعًا إلى الرياض، فلما وصل الحفنة المعروفة في العرمة وهي الخبراء أذن لمن معه من أهل النواحي بالرجوع إلى أوطانهم، وتوجه إلى الرياض مؤيدًا منصورًا، ولما بلغت البشارة بهذه الوقعة إلى الأحساء أنشأ الشيخ أحمد بن علي بن مشرف قصيدة فريدة تهنئة للإمام بهذا النصر على أعدائه المفسدين وهي هذه:
لك الحمد اللهم ما نزل القطر
…
وما نسخ الديجور من ليلنا الفجر
وما هبت النكباء رخاء وزعزعت
…
على نعم لا يستطاع لها حصر
فمن ذلك الفتح المبين الذي له
…
تهلل وجه الدين وابتسم الثغر
تفتح أبواب السماء لمثله
…
ويعلو بسيط الأرض أثوابها الخضر
فناهيك أمن فتح به من الغلا
…
وأسفرت البلدان وابتهج العصر
تسامى به نجد إلى ذروة العلاء
…
وأسفر وجه الحظ وافتخرت هجر
لقد سرنا ما جاءنا من بشارة
…
فزالت هموم النفس وانشرح الصدر
لدن قيل عبد الله أقبل عاديًا
…
يقود أسودًا في الحروب لها زأر
رئيس به سيما الخلافة قد بدت
…
وفي وجهه الإكبار والعز والنصر
فصبح قومًا في الصبيحة اعتدوا
…
وقادهم للبغي من شأنه الغدر
فروى حدود المرهفات من الدماء
…
كما قد روت منه المثقفة السمر
فغادر قتلى يعصب الطير حولها
…
ويشبع منها النسر والذئب والنمر
قبائل عجمان ومنهم شوامر
…
ومن لحسين ينتمون وما بروا
وطائفة مرية غير عذبة
…
خلائقها بل كل أفعالها مر
أساؤوا جميعًا في الإمام ظنونهم
…
فقالوا ضعيف الجند في عزمه حصر
نغير على بلدانه ونخيفها
…
ليعرفنا الوالي وينمو لنا الوفر
فإن لم نصب ما قد أردنا فإنه
…
صفوح عن الجاني ومن طبعه الصبر
وما أنكروا في الحرب شدة بأسه
…
ولكن بتسويل النفوس لها غروا
وقد قسموا الأحساء جهلًا بزعمهم
…
لعجمانهم شطر وللخالدي شطر
أماني غرور كالسراب بقيعةً
…
يرى في الفلا وقت الضحى إنه بحر
كذبتم فهجر سورها الخيل والقنا
…
ومن دونه ضرب القماحد والأسر
ومن دونها يوم به الجو مظلم
…
أسنتنا والبيض أنجمه الزهر
فقل للبوادي قد نكثتم عهودكم
…
وذقتم وبال النكث وانكشف الأمر
فعودوا إلى الإسلام واجتنبوا الردى
…
ولا فلا يؤيكم السهل والوعر
وننذركم من بعدها إن من عصى
…
فأفسد أو شق العصا دمه هدر
فمن لم يكن عن غيه الوحي زاجرًا
…
له كان في ماضي الحديد له زجر
تهنا بهذا النصر يا فيصل الندى
…
فقد تم للإسلام والحسب الفخر
وهذا هو الفتح الذي قد بني لكم
…
مكارم يبقى ذكرها ما بقي الدهر
وهذا هو الفتح الذي جل قدره
…
وقد كل عن إحصائه النظم والنثر
فقابل بحمد الله جدواه مثنيًا
…
على الله بالنعما فقد وجب الشكر
ولما تبن للأعراب مجدًا فإنهم
…
كما قيل أصنام لها الهدم والكسر
إذا أودعوا النعماء لم يشكروا لها
…
وإن رمت نفعًا منهمو بدا الضر
فوضع الندى في البدو مطغٍ ومفسد
…
فأصلحهمو بالسيف كي يصلح الأمر
وبالعكس أسس أمر الرعية واحمهم
…
عن الظلم كي ينمو لك الخير والأجر
وألف بني الأحرار في زمن الرخا
…
تجدهم إذا الهيجاء شدلها الأمر
وما الذخر جمع المال بالسلم للوغي
…
ولكن أحرار الرجال هم الذخر