الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالقوات التي لا تغلب إذا جارت الدولة العثمانية بقهرها علينا، فهنا دولة أعظم منها وهي إنكلترا، فلما سار المركب البحري الحربي لنصرة ابن صباح، لم يطلق مدفعًا إلا أن مدير أعمال الحرب في هذا المركب إذن ببعض المدافع الرشاشة، فأنزلت في الزوارق إلى البر ومعها ضباط، ثم أطلقت الأسهم النارية على ابن رشيد وجنوده في الليل على الفضا فكان لها التأثير المطلوب، فعند ذلك فرّ ابن رشيد وجنوده عندما رأوا النيران انطلقت من الأطواب قد اشتعلت في السماء، وبعد هذا الحادث علم الشمري أنه بدون مساعدة الدولة مباشرةً لا يستطيع الاستيلاء على الكويت، فعاد بجيشه إلى الحفر وشرع يفاوض الترك في بغداد، فلما علم مبارك بذلك اغتنم أن يشغله بنجد وراء الدهنا، وكان عبد العزيز بن عبد الرحمن يلح على والده ليستأذن مباركًا بإعادة الكرة على الرياض، وذلك بالمبالغة منه، ولقد كان السعد في وجود آل سعود خادمًا لمبارك بن صباح، فعند ذلك أجاب مبارك قائلًا حبًا وكرامة.
ذكر فتح الرياض في هذه السنة على يدي صاحب الجلالة عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود
ففيها نهض الشاب عبد العزيز وعمره إحدى وعشرون سنة، وقد كانت حالة لا تساعده على المخاطرة بغزو يكون من الجماعة وهم أربعون رجلًا من عائلة آل سعود ومواليهم المخلصين لهم السابقين، وأعطى مبارك بن صباح عبد العزيز بن عبد الرحمن أربعين ذلولًا وثلاثين بندقًا ومئتي ريال وبعض الزاد فكانت الحملة مؤلفة من أربعين رجلًا وأربعين بعيرًا ولا ريب أنها حملة ضعيفة وعبرة للمعتبرين، وقد قال الله تعالى:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249]، نهض هذا الشاب يقود هذه الحملة معتمدًا على إيمانه الصادق بالفوز المطلوب، غير يائس معتمدًا على الله، فلله من هذه الجراءة العظيمة التي لم ينلها سواه، وقد كان يجمل بمبارك بن صباح أن يقوي هذا الجيش ويشد
عزمه ويساعده بكل ما يؤمن، ولكنه خرج بنفسه ليشيعه ويهيجه: يا ولدي داو جراحي وخذ لي بالثأر من عدونا، يا وليدي أشف صدري من هذا العدو العنيد، وجعل يدعو له بالنصر والظفر.
ونهض هذا الشاب نهوض الليث يلقي بنفسه ولا يهاب الموت، وفي كلام الحكمة من طلب المخاطر تحمل الأخطار.
نهض يطلب ملك آبائه وأجداده ونار عزمه تأجج، وكان قد رأى في منامه وهو مقبل لفتح الرياض كأنه نفخ سراجًا فانطفأ، فشد ذلك عزمه وزحف متفائلًا مصممًا لا يثني عزمه شيء.
ثم إنه لما زحف بهذه القافلة يؤم الرياض، استفز القبائل والبوادي فأتاه شراذم من العجمان، وأنضم إليه بني مرة وسبيع والسهول وغيرهم.
ولما أن بلغ حرض، كان قد اجتمع إليه ألف وأربعمائة مقاتل منها أربعمائة خيال وألف ذلول، فاشتد عزمه وذهب يقطع الصمان والدهنا إلى أن وصل إلى موضع في نجد يسمى العرض فغزا هناك عرب قحطان الذين هم تبعًا لابن رشيد، فأصاب منهما مغنمًا كبيرًا، وعاد إلى ناحية الأحساء، فعندما علم ابن رشيد بهذه الغزوة هجم في أطراف الكويت على قبائل عريبدار ليظهر أنه لا يبالي بمثل هذا العدو الذي ليس له بكفؤ، ولمأمون عبد العزيز بن عبد الرحمن جيشه في الحسا، خرج غازيًا مرةً أخرى فوصل إلى سدير وشن الغارة على قبائل الدواسر ومطير وغيرها كقحطان في موضع يسمى عشيرة، فأخذها ورجع بالغنائم فنزل ثانيةً في الأحساء وكان جيشه يزيد، فأصبح معه ألف وخمسمائة ذلول وستمائة خيال.
فلما جرى ذلك عاد ابن رشيد بجيشه إلى الحفر وبعث رسولًا وهو الحازمي إلى أمير قطر قاسم بن ثاني يستنهضه على هذا العدو الجديد، ثم كتب أيضًا إلى حكومة البصرة لتحرض حكومة الأحساء بطرد ابن سعود، ومن تلك النواحي تحريض البوادي عليه.
فلما أن أعمل الحيلة وأجابته الدولة، فمنعت ابن سعود وعشائره عن الميرة منها والقدوم إليها شرد، خوفًا من ابن رشيد وقومه أكثر من ألف ذلول ومائة خيال من قوم ابن سعود، غير أن ابن سعود لم يكن ليبالي بهم لأنه لم يعتمد إلا على من كانوا معه من الرجال الأربعين، ثم غزا عبد العزيز في جنوب نجد وأغار هناك على قبائل من الدواسر ولم يصب كبير مغنم ولكنه عاد إلى ناحية الأحساء، وكان ذلك في الشتاء، فتفرق البدو طالبين المرعى لمواشيهم، وما كان يربطهم بابن سعود إلا حب الكسب فمن أين يمكنه أن يلزمهم على البقاء.
ولما أن تفرق من معه بسبب امتناع بعض قواد الأعراب عن مساعدته لأجل تضييق الدولة عليه، بعث إليه والده والأمير مبارك بن صباح بكتاب يسألانه فيه الرجوع إلى الكويت، فخالف هذه الفكرة، وأبى ذلك، وسار برجاله جنوبًا إلى مكان حرض وواحة يبرين، فأقام به شهرًا.
وواحة يبرين هذه قرية كانت حول الأحساء تبعد عنها مسافة، وكانت ذات عمران واسع وشهرة كبيرة تدل عليها بقية آثارها الكثيرة ونخيلها الكثيفة الملتفة، وهي الآن من مساكن بني مرة، وما زال ابن رشيد في الحفر يستنجد الأتراك ويستحثهم على عدوه الجديد بل على آل سعود حتى قطعت الدولة معاش كبيرهم وسدت أبواب الأحساء على صغيرهم فتشتت جيش عبد العزيز.
فلما تحقق ما عمله ابن رشيد من الحيلة وتعذر الوصول إلى بعض تلك الأقطار للامتياز، وصعب عليه تموين جيوشه حتى تفرقت عنه خوفًا من أعدائه المتألبة، وهذا شأن البدو في كل زمان ومكان، ولم يبق معه سوى ستين رجلًا من الجيش الذي بلغ عدده ألفين إلا عشرين عند ذلك نهض لما أراد ابن رشيد حصره إلى جهة الربع الخالي وصمم على المضي إلى الرياض ليضرب ضربةً قاضية إما عليه أو على خصمه، وعزم على الهجوم على الرياض ليستولي عليها أو يقتل في سبيلها، فزحف بهؤلاء الستين البسلاء ويمم جهة الرياض وذلك في خامس شهر رمضان، فلما كان ليلة عيد الفطر إذا قد بلغوا أبا جفان.