المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر تعزيز مقام الأمر بالمعروف - تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الله الواحد الديان وذكر حوادث الزمان - جـ ١

[إبراهيم بن عبيد آل عبد المحسن]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم الناشر "علي الحمد الصالحي

- ‌ترجمة المؤلف:بقلم تلميذه: سليمان العبد العزيز التويجري

- ‌فصلويا ويل كل مؤرخ

- ‌فصلوقد كانت الأمم الأخرى تشجع المؤلفين

- ‌فصلفدونك كتابًا يصلح للدنيا والدين

- ‌ذكر ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌أخلاقه وسجاياه

- ‌ذكر ما كان في زمانه من الشرك والبدع

- ‌ذكر علو قدره وإسناد الأمور إليه

- ‌ذكر مؤلفات الشيخ

- ‌وذكر مشايخه وتلامذته

- ‌ذكر القبول الذي جرى على الدرعية

- ‌الوشم وضواحيه

- ‌المحمل

- ‌الحمادة

- ‌العارض وضواحيه

- ‌التعريف بالعارض وتلك الضواحي

- ‌ذكر الرياض عاصمة المملكة السعودية

- ‌ذكر تعزيز مقام الأمر بالمعروف

- ‌ثم دخلت سنة 1268 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1269 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1270 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1271 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1272 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1273 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1274 ه

- ‌ذكر قانون أبي نمي

- ‌ثم دخلت سنة 1275 ه

- ‌ذكر عزل أمير بريدة

- ‌ثم دخلت سنة 1276 ه

- ‌ذكر قتل أمير بريدة عبد الله بن عبد العزيز بن عدوان

- ‌ذكر برجس بن مجلاد

- ‌ثم دخلت 1277 ه

- ‌ذكر واقعة الطبعة

- ‌ذكر قتل الأمير عبد العزيز المحمد سنة 1277 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1278 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1279 ه

- ‌ذكر وقعة المطر

- ‌ثم دخلت سنة 1280 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1281 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1282

- ‌ذكر نكت تتعلق في ذلك الزمان

- ‌ذكر بلاد العرب وإماراتها

- ‌ذكر تأسيس بيت آل رشيد

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌ذكر شيء من سياسته

- ‌ذكر ما جرى عليه من المحن والأخطار وثقته بالعزيز الجبار

- ‌ذكر مشائخه الذين أخذ عنهم

- ‌ذكر الوظائف التي نالها

- ‌ذكر مؤلفاته وسعة علمه

- ‌ثم دخلت سنة 1283 ه

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌ذكر إمامة عبد الله بن فيصل وما جرى فيها

- ‌ذكر الأمور التي عارضت استقامة أمره وكان أمر الله قدرًا مقدورا

- ‌ذكر واقعة المعتلا

- ‌ثم دخلت سنة 1284 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1285 ه

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

- ‌وفاة الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله وهذه ترجمته

- ‌ذكر مؤلفاته وسعة علمه

- ‌ثم دخلت سنة 1286 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1287 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1288 ه

- ‌ذكر واقعة البره

- ‌ذكر قدوم العساكر العثمانية والجنود التركية

- ‌ذكر وقعة الخويرة

- ‌ثم دخلت سنة 1289 ه

- ‌ذكر ما حل ودهى وما حصل وجرى

- ‌فصل فيما جرى من مفاسد العساكر والبوادي

- ‌ثم دخلت سنة 1290 ه

- ‌ذكر قيام عبد الرحمن بن فيصل يريد الملك لنفسه وهذا أصغر أبناء فيصل

- ‌ثم دخلت 1291 ه

- ‌ذكر شيء من أذكار عبد الرحمن بن فيصل

- ‌ثم دخلت سنة 1292 ه

- ‌ذكر قتل مهنا الصالح أمير بريدة رحمه الله تعالى

- ‌ثم دخلت سنة 1293 ه

- ‌ذكر تلامذته والآخذين عنه

- ‌ذكر مؤلفات الشيخ الملحوظ بعين التشريف الحبر الإمام عبد اللطيف

- ‌ثم دخلت سنة 1294 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1295 ه

- ‌ذكر الفظائع التي فعلتها روسيا والأعمال الوحشية

- ‌ثم دخلت سنة 1296 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1297 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1298 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1299 ه

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

- ‌ثم دخلت سنة 1300 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1301 ه

- ‌ذكر وفاة الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله تعالى وهذه ترجمته

- ‌الوظائف التي نالها

- ‌ثم دخلت سنة 1302 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1303 ه

- ‌ذكر إمارة سالم بن سبهان على الرياض 1303 هـ وشيء من عدله

- ‌ثم دخلت سنة 1304 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1305 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1306 ه

- ‌ذكر شيء من أخبار الشيخ محمد عبده

- ‌ثم دخلت سنة 1307 ه

- ‌ الإمام عبد الله بن فيصل

- ‌هذه ترجمته:

- ‌ثم دخلت سنة 1308 ه

- ‌ الشيخ محمد بن عمر آل سليم

- ‌هذه ترجمته:

- ‌ذكر واقعة المليداء سنة 1308 ه

- ‌ذكر أزواج حسن وأبنائه

- ‌ذكر من قتل فيها من الأعيان

- ‌ثم دخلت سنة 1309 ه

- ‌ذكر إمامة محمد بن رشيد في نجد

- ‌ثم دخلت سنة 1310 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1311 ه

- ‌ذكر شيء من النشاط الديني في ذلك الزمان

- ‌ثم دخلت سنة 1312 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1313 ه

- ‌ذكر سفر الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى حائل

- ‌ثم دخلت سنة 1314 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1315 ه

- ‌ذكر إمارة عبد العزيز بن متعب بن رشيد

- ‌ثم دخلت سنة 1316 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1317 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1318 ه

- ‌ذكر واقعة الطرفية سنة 1318 ه

- ‌ذكر قتل الأسراء بعد الوقعة وما جرى من ابن رشيد من الظلم والجراءة التي سيجازيه الله عليها وقد قتل وما بلغ مراده

- ‌غريبة عجيبة

- ‌ثم دخلت سنة 1319 ه

- ‌ذكر فتح الرياض في هذه السنة على يدي صاحب الجلالة عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود

- ‌صفة حراسة الرياض

- ‌ذكر مخاطرات جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود أدام الله توفيقه

- ‌أخلاقه ونشأته

- ‌سياسته ومقدرته

- ‌ذكر أمراء آل رشيد وقضاتهم

- ‌تنبيه

الفصل: ‌ذكر تعزيز مقام الأمر بالمعروف

‌ذكر تعزيز مقام الأمر بالمعروف

لما كان في حكمة الله أنه لا قوام للدين ولا الدنيا بل ولا للعالم إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ به تستقيم البلاد وتصلح العباد، ويرتدع أهل الفسق والفساد، اقتضت إرادة صاحب الجلالة أن يجعل في كل بلد أمةً يأمرون المعروف وينهون عن المنكر، امتثالًا لأوامر الله ورسوله، وإذا كان الأمر كذلك فمن أولى بهذه المهمة من مدينة عظمى امتلأت بالسكنى والجنود واختلط فيها الشامي باليمني والعراق بالحجازي، والعربي بالأعجمي، والأحرار بالعبيد، فجمع الملك أيدّه الله لذلك العلماء والزعماء والكبراء، وباح بما لديه من جهة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنه لا بد من جعل هيئات تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وبعد سؤال وجواب انتدب صاحب الجلالة لهذه الخطة صاحب الفضيلة الشيخ عمر بن حسن بن حسين آل الشيخ رئيسًا لهذه الهيئات، ذلك لما قام بهذا الشخص من المؤهلات التي قضت له بأن يكون موضع الثقة والأمانة لهذه البضاعة، ولما أن عيّنه في هذا المقام تعهد له بالمساعدات الفعلية سواء ثبت الأمر على شريف أو وضيع مع تأمين معيشته، ومن كان في معيته من الأعضاء؛ وضم إليهم جنودًا وقوة، فقام الشيخ بما وسد إليه خير قيام، وانبعثت تلك الأعضاء، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويصلحون في الأرض، {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} ؛ وناهيك بهذه الخطة شرفًا، وكان الشيخ عمر يقيم الحدود ويجلد ويسجن ويعزر؛ ولو ذكر ما يقاسيه لضاق الموسع، ومن كلام صاحب الجلالة له أن قال يميني هذه وأشار بها معك مسلولًا بها سيف للشرع فتوكل على الله.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لتأخذن على يد السفيه ولتأطرنة على الحق أطرًا أو ليوشكن الله أن يعمكم بعقوبة من عنده"، وما ضعفت القوة ولا سقطت الدول وخربت البيوت ودمرت الأمم إلا بسبب التغافل عن المعاصي وأهلها، وعدم

ص: 83

الأخذ على أيدي السفهاء ومنعهم من الرذائل، وإن الله تعالى لما أوجد هذا الملك ووسع في ملكه حفظ التوحيد وأقام شعائر الدين، وهذه هي السر في عزه واتساع ملكه لأن هذه الدولة الإسلامية لا يستقيم لها أمر إلا بحماية دينها والتمسك به.

فنسأل الله تعالى أن يقيم لنا رجال أكفاء يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لهم علم ودراية ومعرفة وبصيرة أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، وأن يشد أزرهم ويقوي عزائمهم ويمنحهم التوفيق.

وقد نشر الملك عبد العزيز العلم وطبع الكتب وفي بكتب أهل السنة والجماعة وبذل أسبابًا كافية لطلاب العلم وحملته والقضاة والمفتين والمدرسين؛ فجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرًا.

وقد اتخذ أئمة من العميان للبيوت السعودية يتلون القرآن ويؤمون فيها بصلاة التراويح في شهر رمضان، فأصبح أولئك الأئمة أغنياء أعزة بعد أن كانوا فقراء ضائعين جائعين، وكانوا محشومين لديه يلبسون الكسوة الفاخرة ويركبون من أحسن السيارات، ذلك لأنهم قراء للقرآن يتلون كتاب الله في البيوت السعودية آناء الليل والنهار.

ولقد شاهدت من إكرامهم وحشمتهم ما لا تبلغه العبارة، بحيث كان الأعمى لا يصده عن الملك أحد من الحجاب إذا احتاج شيء من الأغراض؛ لا يقل عددهم عن مائة وخمسين مطوعًا.

أما البيوت التي تصرف عليها الحكومة مجانًا من آل سعود وآل رشيد واللاجئين فإنها تبلغ أربعمائة بيت، وكلها تفرش بالنمارق والمياثر والزل الجميل وتضاء بالكهرباء وما يلتحق بذلك من الثلاجات والغسالات والمراوح والدفائات وغيرها.

وقد اختط الملك عبد العزيز موضع المربع لآل سعود وموضعه في زاويته الشمالية ومليء بالقصور، وفيه مساجد تقام فيها صلاة الجمعة وكانت تلك القصور شامخة في الجو حسنة البناية متسعة الأركان إذا تجولت في المربع تظن أن أهلها ليسوا ممن يسكن القبور.

ص: 84

وقد زينت الرياض بالزينات حتى أصبحت جنة الدنيا، وفيها حارات تعتبر كل حارة كمدينة عظيمة، ومنها محلة القصمان، ودخنة ومعكال وغميتة والشميسي وغيرها.

أما ما كان عن محلة المربع الذي تسكنه الأسرة المالكة والبطحاء فحدث ولا حرج، وكان فيها حدائق ربيت فيها الوحوش، ولقد استمرت الرياض في تقدمها وتطورت في عهد الملك سعود وبعد وفاة والده الملك، وكانت حديقة الناصرية التي اتخذها الملك الحالي منتزهًا عظيمًا، وقد بني ذلك القصر على أحدث البناية الحديثة وملئ من عجائب الدنيا، وفيه أزواج من الوحوش كالأسود والنمور والفيلة والنعام وغير ذلك من ذئب وضبع وغير ذلك، ويوجد في بقية الحدائق كذلك كالفاخرية.

وكانت مدينة الرياض واسعة الأرجاء، مترامية الأطراف، ويفد إليها من الأحساء والحجاز واليمن والشام، والكويت، والعراق، والقصيم، والهند، والسند، والجاوه، والأوربيتين والأمريكتين خلق كثير، ومن قدم إليها فإنه يجد من الأعمال ما يستغرق وقته، فمن هؤلاء من يقدم إليها للتكسب والبيع والشراء.

ومنهم من يفد لطلب العلم؛ وآخرون ضيوف ووفود أضف إلى ذلك ما جعل فيها من الضيافة، والمطابخ، والنعمة، والسرور، والزينة، والبهجة والحبرة، بحيث يقدم إليها الصعاليك لا يملكون شيئًا فما تمر عليهم الأيام القلائل حتى يصبحوا أغنياء وعلى أهلها سيماء النضرة والترف، وفاخر اللباس، فلا إله إلا الله ما تسمع فيها بأذن جلبة البيع والشراء والأخذ والإعطاء وأصوات السيارات ودوي الطائرات والعساكر والجنود قد احتشدت في الشوارع والأمكنة، ولكل نجل من أنجال الملك عبد العزيز خدم وعبيد وجنود وسيارات سواء في ذلك الكبير والصغير.

وقد غرقت الجنود بالأسلحة الحديثة من بنادق ومسدسات ومدافع رشاشة وغير ذلك من السيوف والخناجر.

ص: 85

ولقد أحسن الشاعر محمد بن عثيمين في قوله:

قوم إذا ذكرت أفعالهم فخرت

بهم ربيعة من فاس إلى الصين

وحين خفيت رسوم الدين وانطمست

وسيم أهل التقى بالخسف والهون

اختارك الله للأمر الذي سيقت

به السعادة للدنيا والدين

فكنت في هذه الدنيا القوام لهم

وكنت للدين قسطاس الموازين

أعطوا بسعدك خطامًا توهمه

فكر ولم يك في الدنيا بمظنون

قال العزيز الذي أفت العزيز به

قم واستعن بي فإني ناصر ديني

أجبت حظك إذ ناداك معتزما

بالمرهفات وجرد كالسراحين

إذا سرين بالليل خلت أنجمه

من قد جهر الحصى يشعلن في الطين

ولقد ساعدت الظروف بأسباب المواصلات بين مدن المملكة السعودية، وذلك بالسيارات والطائرات والقطار بين العاصمة والظهران، كذلك عن طريق التلغرافات اللاسلكية والتلفونات وغيرها.

ويلتحق بالعارض قرى كثيرة كالدرعية التي تقع شمالًا عن الرياض وعزره وأبو كباش التي كانت مسكنًا لآل سعود الأقدمين قبل تأسيس الدرعية، ومثل العمارية والجهيلة واليمامة مسكن مسيلمة قديمًا؛ والعيينة بلد آل معمر، وأما ما كان عن العاصمة جنوبًا فالمصانع ومنفوحة وحائر وسبيع، وعنها غربًا ضرمة المتقدمة، وهي مؤلفة من قصور ومزارع عديدة وجنوبي ضرمة الغطغط هجرة الأخوان المشهورين.

وكانت منفوحة هذه هي بلدة الشاعر ميمون بن قيس الأعشى الشاعر المشهور قال صاحب الأغاني أخبرنا أبو الحسن الأسدي حدثنا علي بن سليمان النوفلي قال: أتيت اليمامة واليًا عليها فمررت بمنفوحة التي يقول فيها: "بسفح منفوحة فالحاجر"، فقلت: هذي قرية الأعشى، قالوا: نعم، قلت: فأين منزله، فقالوا: ذاك وأشاروا إليه، قلت: فأين قبره، قالوا: بفناء بيته، والشطر المذكور من قصيدته التي أولها:

ص: 86

شاقتك من قتلة أوطانها

بالشط فالوتر إلى الحاجر

فركن مهراس إلى مارد

فقاع منفوحة فالحائر

ومنفوحة قد أمست اليوم منفوحتين القديمة، والجديدة على رمية سهم منها لكن القديمة لا تزال خرائبها بادية للعيان.

وأما الحائر فإنه على مسافة خمسة وعشرين ميلًا من الرياض وتدعى حائر سبيع لأن سكانها من عرب هذه القبيلة النازحين من الغرب، وفيها أيضًا السهول حلفاء سبيع، ولقد كانت الأودية مثل وادي الرمة ووادي حنيفة لا تستقيم البلدان فيها، فانظر إلى اليمامة ومنفوحة وما ذاك إلا انقطاع المطر أعوامًا متوالية عنهم فتجف العيون والآبار فينزح أهلها، أو يكون ذلك لهطول الأمطار والسيول التي إذا كثرت دمرت ما مرت به من العمران خرابًا يبابًا.

الخرج وضواحيه

أما الخرج فقد كانت ناحية خصبة التربة غزيرة الياه جدًا، وتزرع في أرضها الحبوب وفي بساتينها الثمار على أنواعها من مشمش ودراق وتين وعنب وتربى فيها أحسن الجمال والإبل على العموم كذلك البقر والدواجن على اختلاف أنواعها وقد أوجد فيها الملك عبد العزيز المياه الغزيرة والزروع الكثيرة والمباني الشاهقة وهناك روضة فيه واقعة بين الخرج والسهبا يقال لها روضة البجادية قد مد إليها شطر من مياه تلك الناحية فجرت كالنهر التيار وطافت بها وزرعت على تلك المياه وغرست فيها النخيل فأصبح الخرج بهمة صاحب الجلالة قد تحسن تحسنًا عجيبًا وفيه جهات يتنزهون فيها طيبة الهواء ويأتي إليه الملك عبد العزيز في بعض الأحيان فيسكن في تلك القصور التي عمرت على الطراز الحديث فجرت من بينها الأنهار، وأحاطت بها الحدائق والجنان، فلكون أرضه خصبة كثيرًا ما يتردد إليه الملك إذا أراد تغيير الهواء، وإن الخرج يعتبر الآن أصلح أرض للإبل وحديثي عنه طويل وسيمر في حوادث هذا التاريخ بقية ذكر لما جلب إليه من العجائب.

ص: 87

أما قاعدة الخرج فهي الدلم على ثلاث مراحل من الرياض وأهم بلدانها زميقة، ونعجان، واليمامة، والسلمية؛ في طرفها الشمالي والعذار، وفيه مواضع بعثت في هذا العهد الحديث وهي الهياثم وكانت بلدًا لآل عاصم بطن من قحطان يرأسهم ابن حشر؛ والضبيعة وهذا الاسم جاهلي بقي إلى هذا العهد، ويقال أنها قرية لبني قيس بن ثعلبة سميت بالضبيعة لأنه سكنها ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، وسكانها اليوم بطن من سبيع بن عامر يقال لهم عجمان الرخم يرأسهم بن هديهد، ثم وادي الفرع إلى الجنوب، وفيه بلدان وسط جبل اليمامة أكبرها الحوطة التي تبعد عن الدلم جنوبًا بثمانية وأربعين ميلًا، وفي أعلى الوادي الحريق على مسافة أربعة وعشرين ميلًا من الحوطة، أما أهل هذين البلدين فمن بني تميم الأشداء، ومن اتباع الحنابلة المحافظين على تقاليدهم وعزلتهم الغيورين على استقلالهم.

ولما أن دانت بلاد نجد لابن رشيد ظل أهل الحوطة التي تدعى بحوطة بني تميم خارجين متمردين، وكان لهم شأن عظيم من جهة التمسك، فلما عاد ابن سعود ونازعه السيادة ابن عمه سعود العرافة نصر أهل الحوطة والحريق سعود على جلالة الملك عبد العزيز، ولما أن انتصر عبد العزيز على من نازعه ضمن لأهل هذه الناحية بالأمن على شريطة أن يعترفوا بسيادته ويدفعوا الزكاة ويلبوا دعوة الجهاد معه.

ومن البلدان في الخرج السيح الذي كان ماؤه عظيم القدر بحيث يعتبر كوادي عظيم وكان يخرج من مواضع قريبة التناول باستخدام المكائن المائية الضخمة جدًا.

ومن البلدان في الخرج أيضًا نعام ومضيفر والحلوة التي غالب سكانها من عنزة أما وادي الخرج المنخفض الذي تصعد منه جنوبًا إلى الأفلاج وشمالًا إلى الرياض فإنك إذا ذهبت جنوبًا فهناك.

ص: 88

الأفلاج

وهو أكبر النواحي الجنوبية وأخصبها وتكثر فيه الآبار والعيون والنخيل وتزرع في تلك الناحية الحبوب والثمار وشيء من القطن، قاعدتها لبلى على سبع مراحل من الرياض، وما كان في العارض الجنوبي من برك إلى وادي الهدار فهذا كله يقال له الأفلاج، وهي بلد الحمر، والهدار والستارة والخرفة، وفي تلك الناحية بقعة تدعى السيح من العيون السائحة بل فيها بحيرات عدة، هي من مياه جبل طويق التي تصب غربًا بجنوب تحت أرض الوشم، وفي وادي حنيفة ثم تظهر على وجه الأرض بصورة دائمة في الأفلاج، ومن بلدانه الفعل والعمار وحراضة وواسط ووسيلا ومروان والزريقية والروضة والبديعية وسويدان، أما العرب الذين كانوا يقطنون هذه الناحية فهم من قحطان والدواسر وسبيع قال رجل من بني هزان:

سلوا فلج الأفلاج عنا وعنكم

وأكمة إذا سألت سرارتها دمًا

عشية لو شئنا سبينا نسائكم

ولكن صفحنا عزة وتكرما

عشية جاءت من عقيل عصابة

تقدم من أبطالها من تقدما

أما وادي الدواسر

فإنه يقع عن الأفلاج إلى الجنوب الغربي وسكان هذا الوادي أغلبهم من عرب الدواسر الأوشاش البدو منهم؛ والحضر وفي ناحيته الشمالية موضع يدعى السليل وفيها من القرى حنابج ورويسة وفرعه وغيرها وفي طرفه الجنوبي ناحية تثليث ومن قراها العمق ومطيلة وخريفة وبعد الوادي جنوبًا على ثلاث مراحل منه.

نجران

لبني يام الذين كانوا في الماضي خارجين على كل سلطة مشروعة فما دانوا لأحد غير شيوخهم ولكنهم منذ ثلاث وثلاثين سنة دخلوا في الرعاية السعودية فصاروا يدفعون الزكاة طائعين.

ص: 89

إن أكبر قرى نجران مخلاف وحبونه.

أما المنطقة الشرقية وتعرف بالأحساء فتحد شمالًا بالكويت وجنوبًا بقطر وشرقًا بالخليج العربي وغربًا بنجد الذي فيه السهول والجبال والصحاري المليئة بالرمال التي تكثر فيها المراعي كالدهناء ونحوها من مواضع الرمال والرياض الطيبة وفيه الأودية والشعاب والواحات والقفار وهناك الأراضي المنبسطة الفسيحة التي لا كلاء فيها ولا ماء كالصمان وهي أرض فيا غلظ وارتفاع وفيها قيعان واسعة وخباري تنبت السدر وإذا خصبت ربعت العرب جميعًا والصحان متاخم للدهناء وكانت الصمان مفاوز في أيام القيظ لا يجوزها إلا الإبل التي تحمل الماء لكنها استخرجت فيها المياه الكثيرة العذبة في جهتين منها بالآلات الحديثة في روضة الحنى وفي روضة الشملول وذلك في عهد الملك عبد العزيز.

أما الدهناء فتمد وتقصر، وسميت بهذا الاسم لاختلاف النبت والأزهار في عراصها وطيب نباتها وهوائها.

أما الأحساء

فهو أكبر النواحي وأخصبها ولا يفوق عليه في كثرة العيون وخصبة التربة سوى القصيم، وكان في صفة أرضه أنها رمل تحته صلابة فإذا أمطرت السماء على ذلك الرمل نزل الماء فمنعته الصلابة أن يفيض، ومنع الرمل السمائم أن تنشفه، فإذا بحث ذلك الرمل أصيب الماء.

وفي الأحساء واحات متفرقة أهمها الحساء والقطيف، وبينهما أرض رملية مثل التي ذكرنا وفيها المياه الجارية والعيون العذبة والبساتين والأرض التي تصلح للحراثة فتزرع فيها الحنطة والشعير والسمسم والذرة والأرز.

وفي الأحساء قرب الهفوف عيون معدنية متنوعة مياهها حارة وباردة أهما عين نجم المشهورة قرب المبرز التي يتغنى الشعراء بمائها العجيب.

وقد كانت الحساء في أيام القرامطة عاصمة مقاطعة هجر، لهذا لما زحف

ص: 90

القرامطة إلى مكة وقتلوا الحجاج، واقتلعوا الحجر الأسود ورجعوا به إلى هجر، ثم استولى على الأحساء الأمراء العيونيون، وقد استولى عليها بنو خالد إلى حين ظهور آل سعود الذين أدخلوا بني خالد في طاعتهم.

وعلى أثر الشقاق الذي حدث بين أبناء الإمام فيصل سنة 1287 هـ عادت الدولة العثمانية إلى الأحساء فاحتلتها كما دخلت في حوزتهم سنة 926 هـ قبل بني خالد، وكان مناخه حارًا رطبًا، وظهرت شهرته في العالم بعد ظهور البترول في أراضيه، وكان بدء استخراج البترول سنة 1357 هـ بواسطة شركة أمريكية، ولا تزال تزداد كمية استخراجه يومًا عن يوم، مما يبشر بمستقبل زاهر، وعلى ذلك فإنه يحصل منه على مال وفير، واتخذت مدينة الظهران قاعدة رئيسية لحصوله.

وفي سنة 1366 هـ مدت أنابيب من أبقيق إلما ميناء صيداء بالبنان تسهيلًا للنقل حتى بلغ طول هذه الأنابيب 752 ميلًا، وحقول البترول المنتجة هي السفانية؛ وأبو حدريد، والفاضلي، والقطيف، والدمام؛ والبقة، وأبقيق وعين دارد والعثمانية وحرض، وكلها تقع في المنطقة الشرقية، وكانت مشتقات البترول هي الكيروسين الذي يستخدم في الإضاءة، والوقود والبنزين والديزل الذي هو للقاطرات والآلات والشحم والإسفلت الذي يستخدم في رصف الطرق، ومن المدن في هذه المقاطعة مدينة الظهران والدمام والخبر ورحيمة ورأس تنورة، وقد أقيمت البيوت الحجرية هناك ونصبت القضاة وأصبح يبلغ عدد العمال في الشركة هناك زهاء عشرين ألف عامل، وتواصلت بالرياض بالقطار والطائرات والسيارات، وإن إقليمًا يكون بهذه المثابة لجدير بأن يكون موضع الإعجاب، وحديثي عن المقاطعة الشرقية طويل لا تتسع له هذه الأوراق وإن بروزها بتلك الصفة تركها مسرج الأفكار ومزار السائحين.

وإذا دفعنا إلى شمال المملكة فإنه يحاد القصيم جبل شمر أي جبلا طي أجا وسلمى وما يتبعهما من السهول والجبال وعاصمة تلك المقاطعة هي حائل التي

ص: 91

أميرها عبد العزيز بن مساعد بن جلوي، وكانت مدينة من أكبر المدن العربية وأجملها، ويقدر سكانها بثمانين ألفًا، وكان أهل تلك الجهات مثل أهل القصيم يكثرون الأسفار والإتجار، ويبارون بالرفاهية أهل الأمصار، وبالبسالة والشجاعة أهل القفار، وهناك قرى عديدة منها قفار، وقبة وبقعاء وسميرا والكهفة وكلها تابعة لحائل.

وإذا سرنا منها شمالًا بغرب واجتزنا النفود الكبرى نصل إلى الجوف جوف آل عمروا، ووادي السرحان التي كانت لعرب الرولة من عنزة، فاستولى عليها ابن رشيد ثم بعد سقوط حائل دخلت في حوزة ابن سعود وقاعدتها الجوف، وأهم قراها سكاكا وكادة وقريات الملح وأثره، وقراقر، وهناك عند الطرف الشمالي من وادي السرحان قريبا من حدود المملكة العربية السعودية الشمالية.

أما ما كان عن عسير وجهاته فنقول:

عسير

يقع أقليمه في الجهة الغربية من المملكة ويحد شمالًا بالحجاز، وجنوبًا باليمن، وشرقًا بنجد، وغربًا بالبحر الأحمر ومساحته خمسون ألف ميل، وسطحه ينقسم قسمين سهول ساحلية تعرف بتهامة عسير فيها أودية خصبة تنبت الحبوب والسمسم والقطن والبن وغير ذلك، ومناخها حار، والقسم الثاني جبلي بعرف بعسير السراة تنحدر من جبالها سيول كثيرة تكسب الأرض خصوبة ومناخها معتدل.

أما أشهر مدن عسير فجيزان على ساحل البحر، وتقع أمامها جزائر فرسان، ومنها صبيا، وكانت بلدة قديمة ومياهها كثيرة ومزارعها واسعة.

أما أبها فهي قاعدة عسير وكانت تعد مركزًا هامًا للمواصلات وطرق القوافل، وقد أقيمت على تل في وسط عسير وجوها معتدل صيفًا وبارد شتاءً.

أما القنفذة فهي أشهر ميناء على الساحل لأقليم عسير، وبينها وبين جده مائتا

ص: 92

ميل جنوبًا، وكذلك بارق وكان واديًا بين بلد القنفذة وبين جبل السراة سكنته بطون من بني بارق بعد خراب السد، وكان غالب قبائل عسير بنو مالك وشهران وبام وبالحرث وسيأتي له بقية تعريف.

أما الحجاز

فإنه أقليم تكثر فيه الحرات وسطحة جبل على العموم والجزء الغربي منه سهول ساحلية ممتدة على ساحل البحر الأحمر ومناخه يختلف باختلاف جهاته ففي الجهات الساحلية حار رطب، وفي المناطق البعيدة عن الساحل حار جاف.

وفي المناطق الجبلية معتدل صيفًا بارد شتاء، وتبلغ مساحته نحوًا من مائة وخمسين ألف ميل مربع، وأغلب القبائل التي تسكنه ثقيف وقريش وجهينة، وحرب وبنو شهر، وبنو سعد وبنو حرث وبنو مالك وغمدان وزهران، وفي الحجاز جميع الموانئ الغربية كميناء جدة وميناء ينبع، والجزء الشمالي والشرقي سهول تكثر فيه الحرات، وفي الوسط بالقرب من ساحل البحر الأحمر تمتد سلسلة جبال السروات، ويتخللها سهول تقع فيها مكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف.

أما مكة المكرمة فإنها عاصمة الحجاز وبلد الله الأمين وحرم الله وخيرته من بين سائر بقاع الأرض شرفها الله تعالى وعظمها، وكانت مهاجر إسماعيل وأمه، وتحتوي على بيت الله المعظم وفيها ولد الرسول الأمين وخاتم المرسلين، وفيها المشاعر المعظمة ويقع حواليها جبل حراء وغار ثور.

وقد كفينا ذكر تاريخها القديم، ولقد كان فتحها على يدي جلالة الملك عبد العزيز آل سعود يعتبر من أكبر نعم الله تعالى على المسلمين.

ولقد كان الحجاج قبل ولايته عليها يقاسون من النهب والسلب، والأذى ما يقلق راحتهم، ويشتت شملهم وبقضي على الأمن والطمأنينة هناك، فشاءت قدرة الله عز وجل أن يتولاها آل سعود لما قام بهم من العدل والإنصاف والتأمين.

ص: 93

ولما كان الحجاج قبل ذلك تسرق آنيتهم من بين أيديهم وهم ينظرون، وتعبث أيدي الحرامية بفعل تلك الجرائم بحيث تؤخذ الكسوة من فوق الظهور فلو رأيت الشنان والمفزعات إذا دحرجت من فوق رؤس الجبال وانطلقت على إبل الحجاج فندت وسقط ما تحمله فوق ظهروها، وكان حظه النهب والسلب لذابت لذلك الأكباد وأنكرته فطر العباد، فغار ربك من هذا الصنيع الذي تعمله هذه الأيادي الجائرة بزوار بيته ووفده، وولى على تلك البلاد والرباع ذلك الأسد في براثنه الذي قهرت سطوته أهل الفساد، وآمن به العباد والبلاد فولت تلك الأشباح الوحشية إلى أكهافها وأوكارها قد أعشاها فجر الأمن والتوحيد، وأصبحت الطرق آمنة مطمئنة فلله الحمد والشكر لا نحصي ثناء عليه.

إن مكة

والحق يقال تعتبر مثالًا للنظام وحسن التدبير، ذلك لما أولتها الحكومة من العناية والحرص على راحة أهلها بتأسيس المستشفيات ومراكز الإسعاف وتعبيد الطرق بالإسفلت حتى أصبحت طرقها كأحسن ما يكون، واتخذت الحكومة إجراءات نحو الطريق بينها وبين مدينة جدة فرصفته وجعلت على قدر مسافة الكيلو لوحة فيها أرقام، لذلك وكانت المسافة بين البلدتين 73 كيلو مترًا، كما قد رصفت الطريق بين جدة والمدينة المنورة، كذلك بحيث كان الطريق بين البلدتين 378 كيلو مترًا، وكانت غالب دوائر الحكومة فيها وجلبت إليها سيارات الإطفاء وفيها معامل ومحطات كثيرة لتوليد الكهرباء واللاسلكي ومراكز للشرطة، وفيها المدارس والمعاهد والمستشفيات ومواضيع أخرى للأدوات الحديثة وغير ذلك مما وفر لأهلها كمال الراحة، ومن جهة أخرى فإن الكهرباء يسر وجوده لديهم جميع المكيفات، والآن كانت تشاركها في بعض ذلك البلاد الأخرى، فإن مكة قد نالت قصب السبق وفازت بنا من قديم، وقد خدمت بالحرس والبلديات والتنظيم ما كانت تفخر به على غيرها في المدنية وحسن النظام، ولا ريب أن البلاد تتحسن وكانت مسافتها شرقًا وغربًا طويلة، أما من جهات الجنوب والشمال فإن الجبال

ص: 94

هناك ولا تزال أسواقها عامرة بالبيع والشراء وهي كثيرة كالجودري والمدعى والحلقة وسوق الليل والمسعى والقشاشية وسويقة والسوق الصغير وشارع الملك عبد العزيز وشارع الأمير فيصل وغير ذلك، وما حاراتها جياد وشعب عامر وسوق الليل والقشاشية والمعابدة والشامية وجرول والشبيكة وحارة الباب والمسفلة وغزة والقرارة والنقا.

وغالب سكانها مجاورون من جاوى وحضرموت والهند وغير ذلك، أما أهلها المتأصلون فإنهم على قدر النصف من ذلك، وكان يرد عليها من الفواكه والحبوب والأرزاق شيء كثير، وقد قال الله تعالى:{أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا} [القصص: 57]، فيجلب إليها البطيخ والقثاء والباذنجان والرمان والليمون والبرتقال والسفرجل والخيار والحبش والبصل والتين والبطاطس والدبا والغنم والبقر، أضف إلى ذلك العنب وأنواع التمور والخضر، ولا ريب أن لديهم بركة كما دعى لهم الخليل عليه السلام ولكل بضاعة سوق خاص فللقماش سوق، وللنجارة كذلك حتى تصل إلى مبيع الفحم والحطب.

ولقد بنى صاحب الجلالة الملك عبد العزيز مساجد كثيرة فيها وجدد مساجد أيضًا وقد كتب على ألواح فيها من الخارج بالخط البارز براعة استهلال: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ} [التوبة: 18]، ومن أهم المساجد التي رأيتها فيها بعد المسجد الحرام مسجد بناه الملك المذكور، وكان يقع أمام قصره في المعابدة، وقد أحكم بالإسمنت المسلح.

المسجد الحرام في الوقت الحاضر

إذا دخلنا مع باب السلام إلى المسجد الحرام فإنا نجد هناك مكاتب ملئت بالكتب والمصاحف والدفاتر والأقلام والمحابر وما إلى ذلك، ومما يؤسف جد الأسف أن غالب هذه الكتب إنما هي عصرية لكنه قد يوجد في بعضها كتب دينية وإننا لنأمل من أرباب هذه المكاتب لما عرف من أدبهم وأخلاقهم الطيبة أن يجزلوا

ص: 95

جانب كتب السلف ويوجدوا لها كمية لا سيما وفيهم الرجال الأماثل الذين يشهد لهم الوقت بالمثابرة على تجني الأدب واكتسابه.

ألا وإن المسجد الحرام قد احتوى على أروقة رحبة واسعة تحيط ببيت الله الكعبة المعظمة وبئر زمزم ومقام إبراهيم وحواليها المقامات الأربعة إذا ولج المؤمن في ذلك المسجد فليس له التفات إلى الدنيا نشاهد هناك البيت الذي حجه الرسل قبلنا ونطوف به ونمسح أركانه على وفق المشروع ونصلي في جوانب المسجد ونتمتع برؤية الكعبة مليحة اللباس جميلة المنظر فما شئت من سرور وبهجة وفرح وكشف هموم وغموم.

ولقد بذلت الحكومة جهودًا في نظافة المسجد وترميمه وملئ بلمبات الكهرباء حتى أمسى كأن لم تغب الشمس عنه في ليل ولا نهار وتمكن القارئ من أن يقرأ بالكتاب في كل موضع من مواضعه وقد خدم المسجد الشريف بالشرطة الأكفاء لتوطيد الأمن وتنظيم الحجاج والمعتمرين من الرجال والنساء عن الاعتداء بعضهم على بعض وجعل لهم مخفر هناك، ولا يزال عن يمين الحجر الأسود ويساره اثنان على الدوام يتناوبونه بالمرة قد كلفوا بحفظه ورعايته ليلًا ونهارًا فلا يتخلون عنه وإذا جرى تشويش في المسجد الحرام وألجأت الضرورة فإنها تصيح الصافرة للاستغاثة بالدوائر الأخرى فتنهمر العساكر على المسجد كالسيل فما هي إلا لحظة ثم يزول الإشكال.

أما الأغوات فعبيد قائمون على أقدام الجد لمباشرة أعمالهم من التنظيفات والتنظيم وترتيب صفوف الرجال والنساء حوالي الكعبة عليهم آثار الهدوء والسكينة واحدهم خصى لا شهوة معه فلو رأيتهم وهم يقلبون النساء وينظمون صفوفهن بكمال الثقة عليهم قلانس كبار مستطيلة جدًا طوال الأكمام محترمين يرشدون إلى لزوم النظام والهدوء والسكينة، ولقد حرست مكة وضبطت بالعساكر والحرس، ونجد فوق قلاعها مدافع ضخمة قد صوبت إلى البلد أما ما كان من أمر الشحن والذهاب والإياب فإنها لا تزال السيارات والعربات والخيل والبغال

ص: 96

والجمال والحمير تروح وتغدو وفي مكة مطاعم كثيرة وقهاوي ومجالس وأشياء أعدت بكثرة وفيها مطابع للكتب، والصحافة كمجلة الحج، ومجلة المنهل وجريدة البلاد السعودية، وهي أكثر جرائد الحجاز ذيوعًا وأشهرها وتصدر يوميًا وجريدة أم القرى، وهي الجريدة الرسمية للحكومة السعودية وتصدر أسبوعيا وجريدة المدينة المنورة، وفي مكة مكاتب ومراكز وسهرت الحكومة على شئون الحجاج وراحتهم والعناية بهم طيلة إقامتهم بالأراضي المقدسة وتنظيم المشاعر كمنى ومزدلفة وعرفات والجمرات وتوفير المياه وموضع البسط لا تتسع له هذه الأوراق وكانت مكة تسقيها على العموم عين زبيدة.

وإذا سرنا إلى جدة فإن تعبيد طريقها قد ربطها بمكة ولكثرة السيارات بينهما أصبحت مدينة جدة كأنها أحد زوايا مكة وقد توالت القهاوي في الطريق والمراكز والمزارع فأول مركز نمر به الشميسي ثم بحره وكانت قرية ضعيفة ثم أم السلم ثم نصل إلى جدة.

إن جدة تقع في منتصف ساحل البحر الأحمر الشرقي تقريبًا على خط عرض 521 28 ك شمال.

وقد اختلف في أول من اختطها فقيل أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه جعلها ميناء لمكة.

وبعضهم يقول أنها موجودة في العصر الجاهلي ويقدر عدد سكانها بمائة وخمسين ألفًا وكانت أزقتها قد تحسنت وتنظمت من حديث ومنازلها منخفضة وعلى جدة مظاهر النظافة وفيها بيوت السفارة القناصل ويرد إليها من البحر الأحمر ثروة بليغة ومستقبلها زاهر، وقد أقيمت فيها بيوت من الحجر والإسمنت واطمئن أهلها لكثرة المياه العذبة فيها بعد ما كانت محرومة منها فقد مدت إليها الحكومة أنابيب من وادي فاطمة بعد ما كانوا يشربون من الكنداسة وإذا سرنا منها إلى المدينة فيوجد في الطريق محطات أهمها رابغ وأبيار بن حصاني والمسيجيد وأبيار علي وهي ذو الحليفة.

ص: 97

أما المدينة المنورة

فهي مهاجر الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم فمناخها طيب لأن الجبال لم تضايقها وتسقيها على العموم عين الزرقا ولا تخلو غالب البيوت من الآبار احتياطًا، وكانت مركز الخلافة في عهد الرسول وأبي بكر وعثمان وقد أولتها خلفاء الدولة العباسية عطفًا وعناية كما قد أولتها بعدهم الدولة العثمانية اهتمامًا وعناية ولولا ما فدحت به المدينة من الزعازع والكوارث المتتابعة التي منها وقعة الحرة والتي بعدها في زمن المنصور وغيرها وآخرها الحرب بين الأتراك والحلفاء في إمارة فخري باشا وما كابده أهلها من الجوع والمخاوف والمهالك حيث اضطر أهلها إلى الهجرة منها إلى البلدان الأخرى لكان لها منظر غير منظرها الحالي وباستيلاء الحكومة السعودية عليها عادت إليها الطمأنينة والسكون ونسأل الله تعالى أن يمنح مدينة الرسول ومهاجره التوفيق والتمكين.

وإذا أطلقت هذه الكلمة فالمراد بها بلد الرسول صلى الله عليه وسلم ومهاجره فالمدينة علم على هذه البلد التي هاجر إليها الرسول ودفن بها فإذا أطلقت تبادر إلى الفهم أنها المراد بذلك وإذا أريد بهذه اللفظة غيرها فلا بد من قيد وتسمى بيثرب وتسمى حرم الرسول، وسيدة البلدان، وطيبة، وطابة، ولها أسماء غيرها.

وكان سكانها العماليق ثم نزلها طائفة من بني إسرائيل، ثم نزلها الأوس والخزرج، ولها فضائل كثيرة.

ومن الآثار فيها قبره صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه، فإن حجرته صلى الله عليه وسلم ضمت جسدًا ما كان في الأرض ولا في السماء ولا العرش ولا حملته أفضل منه ما عدى الجبار جل وعلا فإنه أعظم من كل عظيم، ومن الآثار فيها منبره ومصلاه ومسجده، وقبور بنيه وبناته وزوجاته أمهات المؤمنين، وقبور أعمامه، وعماته نورها الله عليهم وصب عليها من شابيب رحمته، فيالها من مناظر تبكي الحبيب وتذرف دموع المؤمن.

ص: 98

ومن الآثار فيها مسجد قبا وبئر أريس وبئر معونة وبيرحاء، ووادي العقيق وأحد، والشهداء والبقيع، فلو رأيت تلك الآثار لتذكرت النبي المصطفى المختار صلى الله عليه وسلم وعهده وما كان عليه، ولسكبت الدموع من المحاجر، وتردد الشهيق في الحناجر.

ولقد زادت الحكومة السعودية في الاحتفاظ بحجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وبذلت جهودًا في تنظيف المسجد النبوي وحراسته، وفرشه بفرش مثمنه، وإضاءته بالكهرباء والثريات، وعمّرت المسجد عمارة ضخمة على الطراز الحديث، وأوسعت أروقته وفتحت شوارع محيطة به على أكمل وضع وأتم تركيب، بحيث نقول لا تستطاع الزيادة على هذا التحسين فأصبح المسجد النبوي كروضة من رياض الجنة، وكان يرجع تاريخ عمارته على شكله قبل العمارة السعودية إلى عهد السلطان مراد خان سنة 998 هـ، ثم عمّره السلطان عبد المجيد، أما المساجد فيها بعد قبا، فمسجد الجمعة سمي بذلك لأنه أول مسجد صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أول جمعة بالناس، ومسجد الفتح، ومسجد الأحزاب، وأقيم في المكان الذي دعا فيه الرسول على الأحزاب في غزوة الخندق فاستجيب له، ومسجد القبلتين، ومن الآثار بئر رومة التي اشتراها عثمان بن عفان وأوقفها على المسلمين، ونجد على أهل المدينة وعساكرها الهدوء والسكينة والرفق واللين، وقد ملئ المسجد النبوي بالساعات والهدايا.

ومن مدن الحجاز الطائف الذي هو مصيف الحجاز لا سيما أهل مكة، وهو مدينة تقع في الجنوب الشرقي من مكة، وجو هذه المدينة معتدل للغاية، ومياهها غزيرة، وتكثر فيها الخضراوات والفاكهة، وتنمو فيها الأزهار التي يستخرج منها المياه العطرية.

أما ينبع فميناء المدينة المنورة وتقع على ساحل البحر الأحمر.

وتنقسم إلى قسمين ينبع البحر، وينبع النخل، وكانت هذه واحة كثيرة النخيل آهلة بالسكان وحوالي جهات الحجاز الشمالية تبوك وخيبر والعلا وتيماء وغالب مدن الحجاز تسقيها عيون كعين الزيمة وعين الشرايع وغيرها.

ص: 99