المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

رؤيا عين، (إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) فقد أنكر بعضهم ذلك وكفروا - تفسير الإيجي جامع البيان في تفسير القرآن - جـ ٢

[الإيجي، محمد بن عبد الرحمن]

فهرس الكتاب

الفصل: رؤيا عين، (إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) فقد أنكر بعضهم ذلك وكفروا

رؤيا عين، (إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) فقد أنكر بعضهم ذلك وكفروا وزاد إيمان بعضهم فما هي إلا اختبار وفتنة وعن بعضهم أن المراد بهذه الرؤيا رؤيا عام الحديبية رأى عليه السلام أنه دخل هو وأصحابه مكة فتوجه إليها قبل الأجل فصدَّه المشركون ورجع إلى المدينة وكان ذلك فتنة وشكًّا في قلوب بعض حتى دخلها في العام القابل كما قال تعالى:(لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ) الآية [الفتح: 27]، (وَالشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ في القُرْآن) أي: وما جعلنا الشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة وهي شجرة الزقوم يقال طعام ملعون أي: مكروه ضار وملعون أكلها وصفت به مجازًا للمبالغة أو لأن منبتها أصل الجحيم وهي أبعد مكان من رحمة الله، وفتنتها أنَّهم قالوا: محمد يوعدكم بنار تحرق الحجارة ثم يزعم أن فيها شجرة وقالوا: لا نعرف الزقوم إلا الزبد والتمر فجاء أبو جهل بهما وقال يا قوم: زقموا فهذا ما يخوفكم به محمد، (وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزيدُهُمْ) التخويف، (إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا) تمردًا وعتوًّا عظيمًا.

* * *

(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا ‌

(61)

قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى

ص: 399

بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65) رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66) وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69) وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)

* * *

(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) قد مرَّ الخلاف في أن المأمورين جملة الملائكة أو ملائكة الأرضين، (قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ) أي: لمن خلقته، (طِينًا) حال من (مَن) أو من ضميره أو نصبه بنزع الخافض، (قَالَ): إبليس (أَرَأَيتَكَ) أي: أخبرني والكاف لتأكيد الخطاب لا محل له من الإعراب، (هَذَا) مفعول أرأيت، (الذِي) صفة هذا، (كَرَّمْتَ عَلَيَّ) أي: أخبرني عن هذا الذي فضلته عليَّ بأن أمرتني [بالسجود له] لم كرمته عليَّ فمتعلق الاستخبار محذوف يدل عليه الصلة (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) اللام توطئة القسم وجوابه، (لَأَحْتَنِكَنَّ) لأستأصلن، (ذُرِّيَّتَهُ): بالإغواء، (إِلَّا قَلِيلًا) لا أقدر أن أقاومهم وكأنه لعنه الله تفرس من خلقه فإنه قد جبل بشهوة ووهم وغضب، (قَالَ): الله: (اذهَبْ) أي: خليتك وأنظرتك فامض لما قصدت، (فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ) أي: جزاؤك وجزاؤهم فغلب المخاطب، (جَزَاءً موْفورًا): مكملاً ونصب جزاء بما في جزاؤكم من معنى تجازون أو بإضمار تجازون وجاز أن يكون حالاً فإنه مقيد بـ موفورا،

ص: 400

(وَاسْتَفزِزْ): استخف، (مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم): أن تستفزه، (بِصَوْتِكَ): بدعائك إلى معصية الله وعن ابن عباس كل داع دعا إلى معصية الله فهو شيطان يصوته، وقيل هو الغناء والمزامير، (وَأَجْلِبْ): صِحْ (عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) الخيل الفرسان والرجل اسم جمع للراجل، أي: صح عليهم بأعوانك من راكب وراجل وهو كل راكب وماشٍ في المعصية، وعن قتادة أن له خيلاً ورجالاً من الجن والإنس، قيل: هذا تمثيل لتسطله بشخص كثير الغارة صوت على قوم فاستفزهم وأقلقهم عن أماكنهم وأجلب عليهم بجنده فاستأصلهم، والمعنى تسلط عليهم بكل ما تقدر والمراد من الأمرين أمر القدري أو أمر تهديد، (وَشَارِكْهُمْ فَى الأَمْوَالِ)

ص: 401

كل ما أُنفق في حرام أو جُمع من حرام (وَالأَوْلادِ)، ببعثهم على الزنا حتى يكون الولد منه وعلى قتلهم خشية إملاق وعلى تسميتهم بعبد الشمس ونحوه وغير ذلك، (وَعِدْهمْ) المواعيد الباطلة كشفاعة الآلهة وكرامة الآباء، (وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) والغرور تزيين الخطأ بما يوهم أنه صواب، (إِن عِبَادِي) أي: المخلصين، (لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ): تسلط على إغوائهم، (وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) أي: كفى الله لأن يكل أولياءه فيعصمهم منك، (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي): يجري، (لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ): لتطلبوا من رزقه وتتجروا، (إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) حيث هيأ لكم ما تحتاجون، (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ): خوف الغرق، (فِي البَحْرِ ضَلَّ): زال عن خاطركم، (مَن تَدْعُونَ): كل من تدعونه،

ص: 402

(إِلَّا إِيَّاهُ): الله وحده فحينئذ لا يخطر ببالكم سواه فتدعونه وحده، (فَلَمَّا نَجَّاكمْ)، من الغرق، (إِلَى البَرِّ أَعْرَضتمْ): عن التوحيد، (وَكَانَ الإِنسَان كَفُورًا) يعني سجية الإنسان نسيان النعم وجحدها، (أَفَأَمِنْتُمْ) الهمزة للإنكار والفاء عطف على محذوف أي: أنجوتم من البحر فأمنتم من (أَن يَخْسِفَ بِكمْ جَانِبَ البَرِّ) أي: يقلبه الله وأنتم عليه وبكم حال من مفعول يخسف أو الباء للسببية متعلق بـ يخسف وذكر الجانب إشارة إلى أنهم إذا وصلوا الساحل أعرضوا وأن الجوانب بقدرة الله، (أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا): المطر الذي فيه الحجارة أو الريح التي ترمي بالحصباء، (ثُمَّ لَا تَجِدوا لَكمْ وَكِيلاً): يحميكم من العذاب، (أَمْ أَمِنتمْ أَن يُعِيدَكمْ فِيهِ): في البحر، (تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ): ريحًا تكسر كل شيء تمر عليه، (فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ): بسبب كفركم أو كفرانكم، (ثمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا)، التبيع المُطَالِبُ أي: لا تجدوا أحدًا يطالبنا بما فعلنا انتقامًا منا، (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ): بأشياء كثيرة منها العقل والنطق وحسن الصورة، (وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ) على الدواب والسفن، (وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطيِّبَاتِ)، المستلذات، (وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) أي: كثيرًا بينًا وافرًا ولا يلزم من هذه الآية على ما فسرنا تفضيل الملائكة نعم يلزم نفي الأفضلية الكثيرة الوافرة ولا يلزم من نفي هذه الأفضلية نفي مطلقها.

* * *

ص: 403