المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مخالفته، (وَرِضْوَانٍ) وطلب مرضاته، (خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ) أي: - تفسير الإيجي جامع البيان في تفسير القرآن - جـ ٢

[الإيجي، محمد بن عبد الرحمن]

فهرس الكتاب

الفصل: مخالفته، (وَرِضْوَانٍ) وطلب مرضاته، (خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ) أي:

مخالفته، (وَرِضْوَانٍ) وطلب مرضاته، (خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ) أي: بنيان مبنيه، (عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ) جانب وادٍ من أودية جهنم تكاد تسقط على جهنم والشفا الحرف وجرف الوادي جانبه الذي يتحفر أصله بالماء وتجرفه السيول فيبقى واهيًا والهار المنصدع الذي أشفى على السقوط قيل حاصله أنه على قاعدة ضعيفة رخوة تكاد تسقط، (فَانْهَارَ بِهِ) طاح ببانيه وأسقطه، (فِي نَارِ جَهَنَّمَ) قد صح عن بعض الصحابة أنه رأى الدخان يخرج من هذه الأرض حين حفر وهو اليوم مزبلة، (وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) إلى ما فيه صلاحهم، (لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ) أي: مبنيهم مصدر أريد به المفعول، (الَّذِي بَنَوْا) صفة لبنيانهم وجاز أن يكون بنيانهم على معناه المصدري والذي بنوا مفعوله، (رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ) سبب شك ونفاق فإنهم بنوا للكفر والتفريق فلما خربوه ازدادوا غيظًا وحسدًا وبغضًا (إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ) بالموت والاستثناء من أعم الأزمنة، أي: يسئلون عنه حينئذ، (وَاللهُ عَلِيمٌ) بأعمال الخلائق، (حَكِيمٌ) في مجازاتهم من خير وشر.

* * *

(إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ‌

(111)

التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ

ص: 103

وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لله تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116) لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)

* * *

(إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ)، التي هو خلقها (وَأَمْوَالَهُمْ) التي هو رزقها، (بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) تمثيل لإثابة الله من بذل نفسه وماله في سبيل الله الجنة، (يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) استئناف ببيان ما لأجله الشرى، (وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا) مصدران مؤكدان فإن الاشتراء بالجنة يستلزم الوعد بها، (فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ)، أي: هذا الوعد الذي وعده للمجاهدين ثابت فيهما

ص: 104

كما هو ثابت في القرآن، قال بعضهم: الأمر بالجهاد في جميع الشرائع، وقال بعض: كتب فيهما أنه اشترى من أمة محمد أنفسهم وأموالهم بالجنة كما بين في القرآن، (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ)، يعني لا أحد أوفى بما وعد " وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلًا " [النساء: 122]، (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ) غاية الفرح فإنه موجب للفرح الأبدي، (وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) نزلت حين قال عبد الله بن رواحة وأصحابه ليلة العقبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال:" لربي أن تصدقوه ولا تشركوا به شيئًا ولنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم "، قالوا: فما لنا؟ قال: " الجنة "، قالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل، (التَّائِبُونَ) أي: هم التائبون مدحهم الله تعالى به، (الْعَابِدُونَ) بالإخلاص، (الْحَامِدُونَ) لله تعالي على كل حال، (السَّائِحُونَ) الصائمون كما ورد " سياحة أمتي الصوم " يعني في رمضان، وقيل: من يديم الصوم، أو المجاهدون أو طلبة العلم، (الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ) المصلون، (الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) بالإيمان والطاعة، (وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) عن الشرك والمعاصي وجاء بحرف العطف إشارة إلى أن ما عطف عليه في حكم خصلة واحدة، (وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) القائمون بطاعته وهذا مجمل الفضائل، وما قبله مفصل، قال بعض العلماء: هذه الثلاثة في حكم خصلة واحدة، يعني: يرشدون الخلائق إلى الطاعة بأمرهم بالمعروف

ص: 105

ونهيهم عن المنكر مع العلم بما ينبغي فعله ويجب تركه وهو حفظ حدود الله تعالى في تحليله وتحريمه علمًا وعملاً وعلى هذا وجه العطف أظهر، (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) أي: الموصوفين بتلك الفضائل وذكر لفظ المؤمنين دون الضمير للإشعار بأن الإيمان داع إلى ذلك وحذف المبشر به للتعظيم كأنه شيء لا يمكن بيانه، (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) بأن ماتوا على الكفر نزلت في استغفار النبي صلي الله عليه وسلم لأبي طالب أو لأبيه وأمه أو حين استأذن المسلمون أن يستغفروا لأبويهم، (وَمَا كَانَ اسْتِغفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا) إبراهيم، (إِيَّاهُ) بقوله: لأستغفرن لك، أي: أطلب لك المغفرة من الله، أو وعدها أبوه إياه أي: إبراهيم وهى عدته بالإيمان والأول أصح عن على رضى الله عنه أني سمعت رجلاً يستغفر لأبويه المشركين فنهيته، فقال: ألم يستغفر إبراهيم عليه السلام لأبيه فذكرت ذلك

ص: 106

للنبي صلى الله عليه وسلم فنزل " ما كان للنبي " إلى قوله: " إن إبراهيم لأواه حليم " ولما استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستغفار لأمه فلم يأذن رحم عليها وبكى فجاء جبريل عليه السلام بقوله " وما كان استغفار إبراهيم " الآية وقال: تبرأ أنت من أمك كما تبرأ إبراهيم من أبيه، (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ) بالوحي أو بموته على الكفر، (أَنَّهُ عَدُوٌّ لله تَبَرَّأَ مِنْهُ) ما دعا له بعد، (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ) متضرع كثير الدعاء أو الرحيم أو الموقن بلسان الحبشة أو المؤمن التواب أيضًا بلسانهم أو المسبح أو كثير الذكر والتسبيح أو فقيه أو يتأوه من الذنوب كثيرًا نقل أنه عليه السلام يتنفس تنفس الصعداء كثيرًا ويقول آه من النار قبل أن لا ينفع آه، (حَلِيمٌ) صبور على الأذى صفوح، (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِل قَوْمًا)، ليحكم عليهم بالضلالة ويؤاخذهم، (بعْدَ إِذ هَدَاهُمْ) للإسلام، (حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُون) أي: ما يجب اتقاؤه والغافل غير مكلف فلا نؤاخذكم باستغفاركم أبويكم المشركين قبل أن تعلموا أنه خطر حرام لكن لما بينت حرمته إن عدتم إليه ليتحقق الضلال قال بعضهم: نزلت في قوم عملوا بالمنسوخ قبل أن يعلموا نسخه، (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ

ص: 107

مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) فتبرءوا عن المشركين وتوجهوا إلى الله تعالى بالكلية، (لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ)، أي: في وقت العسرة، يعني غزوة تبوك، فإنها في وقت شدة وحر وقلة زاد وماء ومركوب، (مِن بَعْدِ مَا كَادَ) اسم ما كاد ضمير الشأن، (يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيق مِّنْهُمْ)، تميل عن الحق، فإن كثيرًا منهم هموا بالتخلف ثم عصمهم الله تعالى فلحقوا أو لما نالوا شدائدها من الجوع وغاية العطش والحر كادوا يشكون في دين الإسلام وأما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:" لقد تاب الله على النبي " معهم فلأنه أذن للمنافقين في التخلف قبل إذن الله تعالى وقال بعض افتتح به الكلام لأنه كان صلى الله عليه وسلم سبب توبتهم فذكره معهم، (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ) تكرير للتأكيد، فإنه لما ذكر ذنبهم أعاد ذكر توبتهم، (إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).

(وَعَلَى الثَّلَاثَةِ) عطف على النبي، (الَّذِينَ خُلِّفُوا) أي: خلف الله تعالى أمرهم عمن ربط نفسه بالسواري وعمن اعتذر بالأكاذيب وقيل: خلفوا عن الغزو، (حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ)، أي: برحبها ووسعتها وهو مثل لشدة الحيرة فإنهم مهجورون بالكلية في المعاملة والمجالسة والمكالمة، (وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ) قلوبهم من كثرة الهم، (وَظَنُّوا) علموا، (أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ) من

ص: 108