الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو سويًا سالمًا قبل أن يصيبك مني مكروه (قَالَ): إبراهيم (سَلامٌ عليْكَ): سلمت بعد مني لا أقول لك ما يؤذيك وهذا جواب الجاهل (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما)[الفرقان: 63]، (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) رجاء أن يوفقك للتوبة، فتؤمن أو كان يستغفر له أولاً ثم رجع عنه كما قال تعالى:(فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لله تَبَرَّأَ مِنْهُ)[التوبة: 114]، (إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا) بليغًا في البر واللطف (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ): أفارقكم وأفارق دينكم (وَأَدعُو رَبِّي): أعبده وحده (عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا) كما شقيتم أنتم بعبادة آلهتكم فضاع سعيكم صدره بـ عسى تنبيهًا على أن الإجابة فضل غير واجب والحكم على الخاتمة وهي غيب (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) فهاجر إلى الشام (وَهَبْنَا لَهُ): بدل والده وقومه (إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ): ابنه إسحاق وابن ابنه يعقوب أي جعلنا له نسلاً وعقبًا أنبياء، ولذلك قال:(وَكُلًّا): منهما (جَعَلْنَا) أي: جعلناه (نَبِيًّا وَوَهَبْنَا لَهم مِنْ رحْمَتِنَا)، وهي النبوة والمال والرفعة وغيرها (وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) الثناء الحسن، فإن جميع الملل يثنون عليهم ويمدحونهم وعبر باللسان عما يوجد به كما تطلق اليد على العطية وأضاف بالصدق دلالة على أنَّهم أحقاء [بذلك] الثناء ووصف بالعلو إشعارًا على أن لمحامدهم إعلاء في الأمصار على تباعد الأعصار.
* * *
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا
(51)
وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ
هَارُونَ نَبِيًّا (53) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57) أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63) وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)
* * *
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا) بفتح اللام أي: أخلصه الله ونجاه وبكسر اللام أي خاليًا عن الرياء أو مخلصًا نفسه عما سواه (وَكَان رَسُولاً نَبِيًّا): أرسله الله إلى عباده فأنبأهم عن أمره ونهيه (وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانبِ الطورِ الأيْمَنِ): من ناحيته التي يلي يمين موسى، وقيل من اليمن لا من اليمين (وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا) من النجو وهو الارتفاع فإنه رفعه فوق السماوات حتى سمع صرير القلم، فهو حال من المفعول أو من النجوى أي مناجيًا (وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا): من أجل رحمتنا له (أَخَاهُ) أي: معاضدته (هَارُون) عطف بيان (نَبِيًّا) إجابة لدعوته " واجعل لي وزيرًا
من أهلى " [طه: 29]، وهارون أكبر سنًا منه منصوب على الحال (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ) قد نقل أنه أقام حولاً في مكان ينتظر أحدًا لوعده وأيضًا قال لأبيه " ستجدني إن شاء الله من الصابرين " [الصافات: 102]، أي: على الذبح فوفى بوعده وفي الجملة هو مشتهر بهذه الجميلة (وَكان رَسُولا نَبِيًّا)، من قال: إن الرسول من يكون له شريعة مجددة والنبي أعم ففيه إشكال فإن أولاد إبراهيم كانوا على شريعته ومن قال: الرسول من يأتيه الملك بالوحي والنبي يقال له ولمن يأتيه الوحي في المنام فلا إشكال (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ) كما قال: (وأمر أهلك بالصلاة) [طه: 132]، وقال سبحانه: (قوا أنفسكم وأهليكم نارًا) [التحريم: 6]، وفي الحديث " إذاً استيقظ الرجل من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات " (وَكانَ عِنْدَ ربِّهِ مَرْضِيًّا) لحسن شيمه (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا): السماء الرابعة أو السادسة
ومات فيها أو إلى الجنة (أُولَئِكَ): الأنبياء المذكورون في تلك السورة (الذِينَ أَنعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ): نعما ظاهرة وباطنة (مِنَ النبِيِّينَ)، بيان للموصول (مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ) بدل منه بإعادة الجار (وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ) أي: ومن ذرية من حملنا مع نوح من سفينته سوى إدريس فإنه جد نوح فهو من ذرية آدم وإبراهيم من ذرية من حمل مع نوح (وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ) عطف على إبراهيم فموسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى من ذرية إسرائيل لا إسحاق وإسماعيل (وَمِمَّنْ هَدَيْنَا) أي هديناه إلى الحق (وَاجْتَبَينَا) للنبوة (إِذا تُتْلَى)، ظرف لـ خرُّوا وهو خبر لأولئك إذا جعلت الذين صفته وإن جعلته خبره فهو استئناف (عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا): سقطوا (سُجَّدًا) جمع ساجد (وبكِيًّا)، جمع باك (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) خلفه أي: عقبه وخلْف بسكون اللام عَقِب السوء وبفتحها عقب الخير (أَضَاعُوا الصلاةَ): تركوها أو أخروها عن وقتها (وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ) مالوا إلى زخارف
الدنيا وهم اليهود والنصارى، وعن بعضهم أنَّهم من هذه الأمة في آخر الزمان (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا): شرًا وخسرانًا أو هو واد في جهنم يسيل فيه صديد أهل النار (إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا)، هذا يدل على أن الآية فِي الكفرة إلا عند من يقول: تارك الصلاة كافر وعليه كثير من السلف (فَأُولَئِكَ يَدْخلُونَ الْجَنةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا): بنقص جزاء أعمالهم فـ شيئًا إما مصدر أو مفعول بمعنى لا ينقصون ولا يمنعون شيئًا من جزاء أعمالهم (جَنَّاتِ عَدْنٍ) بدل من الجنة بدل البعض، والعدن عَلَم، ولذلك جاز أن يكون بدلاً من المعرفة وجاز وصفها بقوله:(الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ) أي: وهي غائبة عنهم لم يروها (إِنَّهُ): إن الله (كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا): مفعول لا بمعنى فاعل، فإن الوعد هو الجنة وهم يأتونها (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا): ما لا طائل تحته، (إِلا سَلامًا) استثناء منقطع وهو سلام الملائكة أو بعضهم بعضًا، وقيل السلام الدعاء بالسلامة، والدعاء بها في الجنة من باب اللغو نعم فائدته الإكرام (وَلَهُمْ رِزْقفمْ فيهَا بُكْرةً وَعَشِيًّا) لا فيها ليل ونهار لكن على التقدير وعن بعضهم يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب ومقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب وقيل المراد الدوام (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ
كَانَ تَقِيًّا): الوراثة أقوى لفظ يستعمل في التملك فإنه لا فسخ ولا رجوع فيه قيل: أورثوا المساكن التي كانت لأهل النار لو أطاعوا (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) أبطأ جبريل النزول مدة فقال رسول الله عليهما السلام ما نزلت حتى ظن المشركون كل ظن فأوحى إلى جبريل أن قل له " وَمَا نَتَنَزَّلُ " الآية وقد ورد أن جبريل قال كيف نأتيكم وأنتم لا تقصون أظفاركم ولا تنقون براجمكم ولا تأخذون شواربكم ولا تستاكون؟! (لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ) أي: أمر الدنيا وأمر الآخرة وما بين النفختين أو الأرض والسماء والهواء أي: جميع الأزمان أو الأماكن له لا تنتقل في زمان دون زمان أو مكان إلى مكان إلا بأمره (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا): تاركًا لك مودعًا إياك كما زعمت المشركون (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا