المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

القول، أو استجاب بمنزلة قال (بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ): متتابعين - تفسير الإيجي جامع البيان في تفسير القرآن - جـ ٢

[الإيجي، محمد بن عبد الرحمن]

فهرس الكتاب

الفصل: القول، أو استجاب بمنزلة قال (بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ): متتابعين

القول، أو استجاب بمنزلة قال (بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ): متتابعين بعضهم على إثر بعض، أو مردفين بألف آخر فقد نقل عن علي رضي الله عنه: إن جبريل في ألف عن ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أبو بكر وميكائيل في ألف عن ميسرته وأنا فيها، ومن قرأ بفتح الدال فمعناه أردف الله المسلمين بهم، أو أردف الله ألفًا بألفٍ آخر وقد أنزل الله تعالى أولاً ألفًا ثم ألفًا ثم ألفًا إلى خمسة آلاف كما ذكرناه في سورة آل عمران (وَمَا جَعَلَهُ اللهُ) أي: الإمداد (إِلا بُشْرَى): بشارة (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) فيزول منها الوجل (وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْد اللهِ) وإمداد الملائكة وكثرة العدد والعُدَد وسائط لا تأثير لها (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ): َ لا يغالب (حَكِيمٌ) في أفعاله.

* * *

(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ‌

(11)

إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ

* * *

ص: 7

وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)

* * *

(إِذْ يُغَشِّيكُمُ): الله (النُّعَاسَ) بدل ثان من إذ يعدكم أو بإضمار اذكر (أَمَنَةً): أمنًا وهو مفعول له وفيه شرط النصب؛ لأن حاصل معنى يغشيكم النعاس تنعسون والأمنة فعل لفاعله (مِنْهُ) أي: حاصلة من الله تعالى وهذه السِّنَة في البدر أيضًا ففي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصديق يدعوان يوم بدر في العريش أخذته سنة ثم استيقظ متبسمًا وقال: أبشر يا أبا بكر هذا جبريل على ثناياه النقع، وعن علي رضي الله عنه قال: لقد رأينا يوم بدر وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ويبكي حتى أصبح (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِن السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ): من الجنابة والحدث (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ

ص: 8

الشَّيْطَانِ): وسوسته، فإنهم في البدر نزلوا على غير الماء، فاحتلم أكثرهم وقد غلب الكفار على الماء، وقد وسوس إليهم الشيطان بأنكم تزعمون أنكم أولياء الله تعالى وفيكم رسول الله وحينئذ تصلون على جنابة، فأنزل الله تعالى المطر، وسال الوادي (وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ) بالصبر واليقين (وَيُثَبِّتَ بِهِ): بسبب المطر والربط (الأقْدَامَ) على المحاربة يعني قوى قلوبهم، وشجعهم أو المطر لبد الرمل بحيث لا يغوص أرجلهم فيه، فثبت أقدامهم، فإنهم في كثيب أعفر تسوخ فيه الأقدام (إِذْ يُوحِي) بدل ثالث أو بإضمار اذكر (رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ): بالعون والنصر، وهو مفعول يوحي، وعند بعضهم أن الخطاب مع المؤمنين أي: أوحى للملائكة أن يقولوا للمؤمنين: إن الله معكم (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) ببشارة النصر، أو بتكثير سوادهم، ومحاربة أعدائهم (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ): الخوف (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ) أي: الرؤوس أو أعاليها، وهي المذابح، قال ربيع

ص: 9

بن أنس: كان الناس يعرفون قتلى الملائكة من قتيلهم، بضرب فوق الأعناق، وعلى البنان مثل سمة النار قد أحرق بها (وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ): أصابع أو كل طرف ومفصل، قيل: الخطاب في قوله فاضربوا للمؤمنين، والأكثرون على أنه للملائكة (ذَلِكَ) أي: الضرب أو الأمر به (بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ): خالفوهما، تركوا الشرع فصاروا في شق (وَمَنْ يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ): له (ذَلِكُمْ): الخطاب مع الكفرة أي: الأمر ذلكم، أو ذلكم العذاب (فَذوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ) عطف على ذلكم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا) الزحف: الجيش الكثير منصوب عطى الحال (فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ) بالانهزام (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ): يوم القتال مطلقًا، أو يوم قتال البدر خاصة (دُبُرَهُ): فانهزم (إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ): يفر مكيدة، ليرى أنه خاف، فيتبعه العدو فيكر عليه ويقتله (أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ) فر من ههنا إلى فئة أخرى من المسلمين يعاونونه، حتى لو كان في سرية ففر إلى أميره أو إمامه الأعظم لجاز، ونصب متحرفًا ومتحيزًا على الحال، أو استثناء من المولين أي: إلا رجلاً متحرفًا

ص: 10

(فَقَدْ بَاءَ): رجع (بِغَضَب مِنَ اللهِ وَمَأوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ): جهنم، أكثر السلف على أن هذا في يوم بدر خاصة (1)، ولهذا " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه:" اللهم إن تهلك هذه العصابة، فلن تعبد في الأرض أبدًا "، وأما في سائر الحروب فجاز الفرار إذا كان الكفار أكثر من مثليهم وعن بعض الفرار مطلقًا حرام وكبيرة إلا عن هذين السببين، وعن بعض هذا خاصة الصحابة (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) تقديره: إن فخرتم بقتلهم يوم بدر، فلم تقتلوهم بقوتكم (وَلَكِنَّ الله قَتَلَهُمْ): بأن أظفركم عليهم، وأرسل الملائكة وألقى الرعب في قلوبهم، نزلت حين انصرفوا عن القتال يتفاخرون، يقولون: قتلنا فلانًا أو أسرنا فلانًا، فهو تعالى يبين أنه خالق أفعالهم وأنه المحمود على جميع خير صدر عنهم (وَمَا رَمَيْتَ): يا محمد قبضة التراب في أعينهم (إِذْ رَمَيْتَ) أتيت بصورة الرمي (وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى) أتى بما هو غاية الرمي، فصورة الرمي منك، وحقيقتها مني كأنه قال: ما رميت خلقًا إذ رميت كسبا،

(1) فيه إشكال، فإن الآية نزولها إن كانت قبل وقعة بدر لها فائدة لكن ما قبل الآية وما بعدها صريح في أن نزولها بعد وقعته، إلا أن يقال: مضمونها وحكمها قبل كما في " فثبتوا الذين آمنوا سألقي " لكن لفظها للامتنان بعد تأمل فإنك لا ترى مفسرًا حام حول تحقيقها. اهـ (حاشية الكتاب).

ص: 11

" وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ قبضة من تراب، بتعليم جبريل عليه السلام فرمى بها وجوه الأعداء، قائلاً: شاهت الوجوه فلم يبق مشرك إلا وامتلأت عينه منها "، فاشتغلوا بأعينهم فردفهم المؤمنون بالقتل والأسر، وهذه الرمية ليست من جنس أفعال البشر وقوتهم (وَلِيُبْلِيَ) تقديره: ولكن الله رمى لفوائد كثيرة وليبلي (الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ): من الله (بَلاءً حَسَنًا) أي: ولينعم عليهم نعمة حسنة عظيمة بالنصر، ومشاهدة الآيات فيشكروا (إِنَّ الله سَمِيعٌ): بدعائهم (عَلِيمٌ) بضمائرهم (ذلِكُمْ): إشارة إلى البلاء الحسن، وتقديره: الأمر والحكمة ذلكم (وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ) أي: الحكمة إبلاء المؤمنين، وإبطال حيل الكافرين (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ) المشركون حين خرجوا تعلقوا بأستار الكعبة، وقالوا: اللهم انصر أعلى الجندين وأكرم الحزبين وأهدى الفئتين، أو قال أبو جهل يوم بدر: اللهم أهلك أيتنا أقطع للرحم، فيقول تعالى: إن طلبتم الفتح للأكرمين أو لواصل الرحم، فقد استجاب الله تعالى، فالخطاب على سبيل التهكم (وَإنْ تَنْتَهُوا) عن الشرك (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا): إلى الكفر والمحاربة (نَعُد) لكم بمثل وقعة بدر (وَلَنْ تُغنِيَ): ترفع (عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ): جماعتكم (شَيْئًا) من الإغناء أو المضار (وَلَوْ كَثُرَتْ) فئتكم (وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ): بالنصر، فلا يغلبون، ومن قرأ " أن " بفتح الهمزة تقديره: لأن الله مع المؤمنين وقعت تلك الواقعة.

* * *

ص: 12