المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

(ييَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ - تفسير الإيجي جامع البيان في تفسير القرآن - جـ ٢

[الإيجي، محمد بن عبد الرحمن]

فهرس الكتاب

الفصل: (ييَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ

(ييَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ‌

(73)

يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74) وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78) الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)

* * *

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكفَّارَ)، بالسيف، (وَالْمنَافِقِينَ)، بتغليظ الكلام وترك الرفق، أو بإقامة الحدود عليهم أو بالسيف إذا أظهروا النفاق، (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ

ص: 83

وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)، مصيرهم، (يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا)، نزلت

حين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في ظل شجرة إذ طلع رجل أزرق

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: علام تشتمني أنت وأصحابك فانطلق وجاء بأصحابه وحلفوا بالله أنَّهم ما قالوه، أو نزلت في جلاس ابن سويد حين قال: إن كان ما جاء به محمد - حقًا لنحن أشر من الحمير ومعه ابن امرأته فأوعده بأن يذكر قوله هذا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل أقلت كذا وكذا؟ فحلف، أو نزلت في ابن أبي حين قال لئن رجعنا إلى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، فلما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر وحلف، (وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ)، سبه أو تكذيبه، (وَكفَرُوا بَعْد إِسْلامِهِمْ)، أظهروا الكفر بعد إظهار الإيمان، (وَهَمَّوا)، قصدوا، (بِمَا لَمْ يَنَالُوا)، ما قدروا عليه من قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة التي بطريق تبوك، أو من قتل ابن امرأة الجلاس حين أوعد السعاية، أو أرادوا أن يعقدوا على رأس ابن سلول تاجًا يباهي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سئلوا عن هذه الإرادة حلفوا أنا ما أردنا، (وَمَا نَقَمُوا)، ما أنكروا وما عابوا، (إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) وحاصله أنَّهم جعلوا الشكاية والعيب موضع الشكر والمدح فإنه ما للرسول عندهم ذنب إلا أن الله أغناهم ببركته بعدما كانوا في ضنك وضيق، (فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ)، أي: التوب، (خَيْرًا لَهُمْ)، فتاب الجلاس وحسنت توبته، (وَإِنْ يَتَوَلَّوْا)، بالإصرار على النفاق، (يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)، ينجيهم من عذابه، (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ

ص: 84

لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ)، نزلت في ثعلبة بن حاطب التمس الدعاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم لتكثير ماله وعهد أن لو رزق ليعطي كل ذي حق حقه فلما رزق غنمًا تضيق بها المدينة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب الزكاة منه فأبى وقال: ما هذه إلا أخت الجزية. فلما نزلت الآية جاء بالزكاة فقال: إن الله تعالى منعني أن أقبل منك. فجعل التراب يحثو على رأسه، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فما قبل منه أبو بكر ولا عمر رضي الله عنهما، وهلك ثعلبة في خلافة عثمان رضى الله عنه، (فَلَمَّا آتَاهُمْ): الله (مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا) عن طاعة الله، (وَهُم مُّعْرِضُونَ)، قوم عادتهم الإعراض، (فَأعْقَبَهُمْ)، أورثهم الله وجعل عاقبة فعلهم، (نِفاقًا)، متمكنًا، (فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ)، يلقون الله بالموت، (بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ)، من التصدق والصلاح، (وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)، وبسبب كذبهم فإن خلف الوعد مستقبح من وجهين الإخلاف والكذب، (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ

ص: 85

سِرَّهُمْ)، من إضمار النفاق والعزم على إخلاف ما وعدوه، (وَنَجْوَاهُمْ)، ما يتناجون به فيما بينهم من المطاعن في الدين وتسمية الصدقة جزية، (وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)، فلا يخفى عليه شيء، (الذِينَ يَلْمِزُونَ)، يعيبون مرفوع أو منصوب بالذم، أو بدل من ضمير سرهم، (الْمُطَّوِّعِينَ)، المتطوعين، (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ)، نزلت لما حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة جاء بعضهم بكثير مال وبعضهم الفقراء بالقليل، فقال المنافقون: من أكثر فهو مراء، ومن أقل أحب أن يذكر بنفسه ليعطى من الصدقات (وَالذِينَ)، عطف على المطوعين، (لَا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ)، طاقتهم وهم الفقراء، (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ)، يستهزءون بهم، (سَخِرَ الله مِنْهُمْ)، جازاهم على سخريتهم، أي: أذلهم، (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ)، أي: ساوي استغفارك وعدمه في عدم الإفادة لهم، (إِن تَسْتَغفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً)، المراد منه التكثير لا العدد المخصوص، (فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ)، وقد نقل أنه لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله قد رخص لي فأزيدن على السبعين، لعل الله أن يغفر لهم "

ص: 86