المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

حرصًا على مغفرتهم فأنزل الله تعالى: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ - تفسير الإيجي جامع البيان في تفسير القرآن - جـ ٢

[الإيجي، محمد بن عبد الرحمن]

فهرس الكتاب

الفصل: حرصًا على مغفرتهم فأنزل الله تعالى: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ

حرصًا على مغفرتهم فأنزل الله تعالى: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ). وهو من باب حمل اللفظ على ما يحتمل مع العلم بأنه غير مراده، كقول بعضهم: مثل الأمير يحمل على الأدهم. والأشهب في جواب قول الحجاج: لأحملنك على الأدهم. أي: السلسلة إلى (ذَلِكَ)، أي: عدم قبول استغفارك، (بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)، المتمردين في الكفر، فإن من طبع على الكفر لا ينقطع أبدًا ولا يهتدي، فعدم قبول دعائك لا لبخل منا ولا لقصور فيك؛ بل لعدم قابليتهم.

* * *

(فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ‌

(81)

فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ

ص: 87

لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)

* * *

(فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ)، بقعودهم عن الغزو، (خِلافَ رَسُولِ اللهِ)، أي: خلفه كما في: أقام خلاف الحي. أي: بعده أو من المخالفة، أي: لمخالفته أو مخالفين له، (وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِم وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَالُوا)، بعضهم لبعض أو للمؤمنين، (لَا تَنفِرُوا)، لغزوة تبوك، (فِي الحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا)، وقد اخترتموها بهذه المخالفة، (لوْ كَانُوا يَفقَهُون)، أنها كيف هي، أو أن مصيرهم إليها، أو لو أنَّهم يفهمون ويفقهون لنفروا ليتقوا به من حر جهنم، (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً)، عن ابن عباس رضى الله عنهما - وغيره: الدنيا قليل،

ص: 88

فليضحكوا فيها ما شاءوا (وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا)، فإنهم في النار لا يزالون باكين أبد الآباد، (جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، من النفاق، (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ)، أي: من المخلفين. وليس كل من تخلف عن تبوك منافقًا، يعني: إن وصلت إلى المدينة وفيها طائفة منهم، (فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ)، إلى غزوة أخرى بعد تبوك، (فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا)، إخبار في معنى النهي، (إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ)، استئناف تعليل له، (أَوَّلَ مَرَّةٍ)، هي الخرجة إلى تبوك، (فَاقْعُدُوا)، حينئذٍ، (مَعَ الْخَالِفِينَ)، أي: الرجال الذين تخلفوا بغير عذر، أو مع النساء والصبيان والمرضى والزمنى قيل: مع المخالفين. (وَلَا تُصَلِّ)، صلاة الجنازة، وقيل: لا تدع ولا تستغفر، (عَلَى أَحَدٍ منْهم مَّاتَ أَبَدًا)، الموت على الكفر موت أبدي، فإن إحياءه للتعذيب أسوأ وأسوأ من الموت فكأنه لم يحيى، (وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ)، لا تقف تستغفر، أو تدع له أو لا تتول دفنه، (إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ)، تعليل للنهي، نزلت بعد أن مات ابن

ص: 89

أبى بن سلول وهو صلى الله عليه وسلم أرسل قميصه الأشرف لكفنه بالتماسه، في مرض موته، وقام ليصلى عليه، وعمر - رضى الله عنه - قام بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والقبلة؛ لئلا يصلي عليه، فقال الأكثرون: نزلت بعد أن صلى عليه. وقال بعضهم: نزلت حين قام عمر فلم يصل عليه. ولما رأوا أنه تبرك بقميصه أسلم من المنافقين يومئذ ألف، وقال بعضهم: إنما ألبسه مكافأة؛ لأن ابن سلول ألبسه ثوبه يوم بدر العباس، فإنه بين الأسارى ليس له ثوب، (وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا)، بأخذ الزكاة والنفقة في سبيل الله منها على كره والشدائد والمصائب بلا طمع ثواب، (وَتَزْهَقَ)، تخرج، (أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)، فإن الأبصار طامحة على الأموال والأولاد سيما عند المفارقة فيبغضون حكم الله وملائكته.

ص: 90