الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال بعضهم: هذا في مؤمني أهل الكتاب حزنوا بقلة ذكر لفظ الرحمن في القرآن مع كثرة ذكره في التوراة فلما نزل " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن "[الإسراء: 110]، فرحوا وكفر المشركون به، فقالوا: وما الرحمن، (قل): لهم، (إنما أمرت أن أعبد الله): وحده، (ولا أشرك به إليه أدعو): لا إلى غيره، (وإليه): لا إلى غيره، (مئاب): مرجعي للجزاء، يعني قل لهم: هذا شغلي وأمري حتى يعلموا أن إنكارهم إنكار عبادة الله مع ادعائهم واتفاقهم وجوبها، (وكذلك) أي: كما أنزلنا على قلبك الكتاب بلغاتهم، (أنزلناه) أي: القرآن حال كونه، (حكمًا عربيًا): حكمه مترجمة بلسان العرب، قال بعضهم: سماه حكمًا، لأنه منه يحكم في الوقائع، أو لأن الله تعالى حكم على الخلق بقبوله، (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ): بحقيقة ما معك وبطلان ما معهم، (مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ): ينصرك، (وَلَا وَاقٍ): يمنع العقاب عنك وهذا في الحقيقة وعيد لأهل العلم أن يتبعوا سبل أهل الضلالة.
* * *
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ
(38)
يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ
وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلله الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)
* * *
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً): نساء وأولادًا كما هي لك، قيل: نزلت حين قال المشركون أو اليهود: ليست همة هذا الرجل إلا في النساء، (وَمَا كَانَ): ما صح، (لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ): خارقة للعادة، (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) قيل: هذا جواب لسؤالهم توسيع مكة، (لِكلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ) أي: لكل مدة مضروب كتاب مكتوب بها وكل شيء عنده بمقدار، (يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيثْبِتُ)، أي: ينسخ الله تعالى ما يشاء من الأقدار ويثبت منها ما يريد، عن ابن عباس رضى الله عنهما وغيره يمحو ما يشاء إلا الشقاء والسعادة والحياة، والموت
وعن كثير من السلف: أنهم يدعون بهذا الدعاء اللهم إن كتبتنا أشقياء فامحه واكتبنا سعداء، وإن كنت كتبتنا سعداء فاثبتنا فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب، ولكل وقت حكم يكتب على عباده فيمحوا ما يشاء ويثبت بنسخ ما يستصوب نسخه، وإثبات ما يقتضيه حكمته، أو فيه تقديم وتأخير تقديره لكل كتاب أي: منزل من السماء مدة مضروبة عند الله - تعالى - يمحو ما يشاء ويثبت حتى نسخت كلها بالقرآن، ويمحو الله ما يشاء من ذنوب عباده فيغفرها ويثبت بدلها الحسنات أو هو الرجل يعمل بطاعة الله تعالى ثم يعود بمعصيته فيموت على الضلالة فهو الذي يمحو، والذي يثبت ما يشاء فلا يغفرها، أو يمحو الذنوب بالتوبة ويثبت هو الرجل يعمل بطاعته ويموت عليها أو يمحو الله ما يشاء من ديوان الحفظة كالمباحات ويثبت ما يتعلق به جزاء، أو قالت: قريش حين نزلت وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ما نراك يا محمد تملك من شيء، ولقد فرغ من الأمر فأنزلت هذه تخويفًا ووعيدًا لهم، (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) هو اللوح المحفوظ الذي لا يبدل ولا يغير، عن ابن عباس - رضى الله عنهما - الكتاب كتابان، كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وكتاب لا يغير منه شيء، أو المراد منه علم الله - تعالى، (وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ)، أي:
كيفما دارت الحال أريناك بعض ما أوعدناهم من عذابهم، (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ): قبل نزول عذابهم، (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ): ما يجب عليك إلا تبليغ الرسالة، (وَعَلَيْنَا): لا عليك، (الحسَابُ)، أي: حسابهم وجزاؤهم فلا تستعجل بعذابهم ولا يهمنك إعراضهم، (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ): أرض الكفر، (نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا): بما نفتح على المسلمين من بلادهم ونزيد في دار الإسلام وما ذلك إلا من آيات نصرتهم، وقال بعضهم معناه: أولم يروا أنا نأتى الأرض ننقصها فنخربها من أطرافها ونهلك أهلها، أو ننقص أهلها وثمارها، أفلا يخافون أن نفعل بهم ذلك، أو نقصانها موت علمائها وذهاب فقهائها، (وَاللهُ يَحْكُمُ): بما يشاء، (لَا مُعَقِّبَ): لا راد (لِحُكْمِهِ) والنفي مع المنفي في موضع الحال، أي: نافذًا حكمه، (وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ): فعما قليل يحاسبهم في الآخرة بعد عذاب الدنيا، (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي: الكفار الذين من قبل مشركي أهل مكة مكروا بأنبيائهم، (فَلله الْمَكْرُ جَمِيعًا)، فإن مكر الماكرين في جنب مكر الله تعالى كلا مكر، فإنه القادر
على ما هو المقصود منه دون غيره، أو هو خالق جميع المكر فلا يضر مكر إلا بإذنه، فلا تخف إلا من الله تعالي، (يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ)، ويعد لها الجزاء، (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ): لمن تكون الدائرة والعاقبة المحمودة لهم أو للمسلمين في الدنيا والآخرة، (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ)، هم من اليهود والنصارى، فإنهم عرفوا حقيته في التوراة والإنجيل، أو من عنده علم الكتاب هو الله تعالي ويؤيده قراءة من قرأ (مِن عندِه) بكسر الميم والدال قال بعضهم المراد مؤمنوا أهل الْكِتَاب، ثم اعترض عليه بأن هذه الآية مكية ومن آمن منهم ما آمن إلا بعد الهجرة والله سبحانه وتعالى أعلم.
* * *