الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَبِيًّا وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا): رحمة وتعطفا من عندنا، وقيل تعطفا منا على أبويه عطف على الحكم (وَزَكَاةً): طهارة من المعاصي (وَكَانَ تَقِيًّا)، وقد ورد أنه عليه الصلاة والسلام ما أذنب ولا هَمَّ بذنب (وَبَرًّا بِوَالِدَيهِ)، عطف على تَقِيًّا أي: بارًّا بهما (وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا) عاقًّا أو عاصيًا لربه (وَسَلامٌ): من الله (عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) أوحش ما يكون الخلق في تلك المواطن الثلاثة فخصه الله تعالى بالسلامة.
* * *
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا
(16)
فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً
مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لله أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40)
* * *
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ): أي القرآن (مَريمَ) أي: قصتها (إِذ انتَبَذَتْ) اعتزلت، بدل اشتمال من مريم أو ظرف لقصتها المقدرة (مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا) أي: شرقي مسجد الأقصى لحيض أصابها، أو لفراغها للعبادة وهو ظرف أو مفعول فإن انتبذت متضمن معنى أتت (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا) أي: استترت منهم وتوارت قيل استترت في مقابل شروق الشمس للاغتسال عن الحيض (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا): جبريل (فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا) أي: على شكل إنسان تام كامل (قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ): يا أيها البشر (إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) تتقي الله، وجواب الشرط محذوف أي: فستنتهي مني بتعوذي، أو فلا تتعرض لي، قيل هو للمبالغة أي: إن كنت تقيًّا فأعوذ منك، فكيف إذا لم تكن تقيًّا متورعًا؟! (قَالَ) جبريل (إِنَّمَا أَنَا
رَسُولُ ربِّكِ): لم تصابي مني بسوء، قاله وهو كان في صورة بشر أو عاد إلى هيئته
الملكية (لأهَبَ لَكِ غُلامًا): لأكون سببًا في هبته، (زَكِيًّا): طاهرًا، (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي): لم يباشرني (بَشَرٌ): من الحلال (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا): لست بزانية، وهو فعول قلبت الواو وأدغمت ثم كسرت الغين للمناسبة (قالَ كَذَلِكِ) أي: الأمر كذلك صدقها فيما قالت، ثم ابتدأ وجاز أن يتعلق كذلك بـ " قال ربك " وقوله " هو على هين " مفسر ذلك المبهم (قَالَ رَبُّكِ هُوَ) أي: وهب غلام من غير أب (عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ)، تقديره: ونفعل ذلك لنجعله أو لنبين قدرتنا ولنجعله (آيَةً لِلنَّاسِ): على كمال قدرتنا (وَرَحْمَةً مِنَّا): على عبادنا لأنه يهديهم (وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا): في علم الله الأزلي الذي لا يتغير (فَحَمَلَتْهُ) بأن نفخ في جيبها، فنزلت النفخة حتى ولجت في الفرج فحملت ومدة حمله تسعة أشهر أو ثمانية، ولهذا لا يعيش ولد لثمانية فيكون آية أخرى أو ساعة (فانتَبَذَتْ بِهِ) أي اعتزلت حال كونها متلبسة بالحمل (مَكَانًا قَصِيًّا) بعيدًا عن الخلق لخوف التهمة عنهم (فأَجَاءهَا) ألجأها: واضطرها (الْمَخَاضُ): وجع الولادة (إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ): لتعتمد عليه عند الولادة، والتعريف إما للجنس أو للعهد إذ لم يكن ثم غيرها متعالم عند الناس، (قَالَتْ): استحياء من الناس (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا) الأمر (وَكُنْتُ نَسْيًا) ما من حقه أن يطرح وينسى كالذبح اسم لما من شأنه أن يذبح وبفتح النون
لغة فيه (مَنْسِيًّا)؛ بحيث لا يخطر ببال أحد، (فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا) فاعل نادى ضمير جبريل، قيل هو كالقابلة لها أو المراد أسفل من مكانها أي: آخر الوادي أو ضمير عيسى قيل أي: من تحت النخلة (أَلَّا تَحْزَنِي) أن مصدرية أي: بأن أو بمعنى أي (قَدْ جَعَلَ ربُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) نهرًا أو سيدًا أو هو عيسى من السرو (وَهُزِّي) أميلي، (إِلَيْكِ بجِذْع النَّخْلَةِ) الباء زائدة للتأكيد أو بمعنى افعلي الهز به (تُسَاقِطْ) تتساقط النخلة (عَلَيْكِ رُطَبًا) تمييز إن كان تساقط من باب التفاعل ومفعول إن كان من المفاعلة (جَنِيًّا): غضًا وكانت تلك النخلة يابسة، فأورقت لتكون آية أخرى يطمئن بها قلبها أو مثمرة لكن لم تكن في حين ثمرها، (فَكُلِي): من الرطب (وَاشْرَبِي): من النهر أو عصير الرطب (وَقَرِّي عَيْنًا): طيبي نفسك وهو من القرأى: البرودة فإن دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة، أو من القرار فإن العين إذا رأت ما يسر النفس سكنت إليه من النظر إلى غيره، (فإِمَّا تَرَيِنَّ): فإن تري (مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا): صمتًا وكان شريعتهم ترك الطعام والكلام في الصيام (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا): بعد أن أخبركم بنذري بل لا أكلم إلا ملائكة الله وأناجي ربي، أو كان الإخبار بالنذر أيضًا بالإشارة، وعن بعضهم لما قال عيسى لأمه: لا تحزني، قالت: كيف لا أحزن وأنت معي لا ذات زوج، ولا مملوكة! فأي شيء عذري يا ليتني مت قبل هذا، قال لها عيسى: أنا أكفيك الكلام قولي إني نذرت للرحمن صومًا (فَأَتَتْ بِهِ)، الباء للتعدية، والضمير للولد (قَوْمَها)، مفعوله الثاني (تَحْمِلُهُ) حال (قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا): منكرًا عظيما (يَا
أُخْتَ هَارُونَ) أي: شبيهه في الزهد والتقوى أو كانت من نسله كما يقال للتميمي والمضري يا أخا تميم، ويا أخا مضر، أو نسبت إلى رجل صالح فيهم اسمه هارون، أو رجل فاجر فيهم يقال له هارون (مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا): زانية حتى نقول إنك تابعت في تلك الفاحشة أحد أبويك (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ): إلى عيسى أن كلموه (قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صبِيًّا) كان تامة وصبيًا حال أو زائدة والظرف صلة من (قَالَ) عيسى: (إِنِّي عَبْدُ اللهِ) أقرَّ أولاً بالعبودية (آتَانِيَ الْكِتَابَ): الإنجيل جعل ما يأتي بعد في حكم الآتي، أو أنه درس الإنجيل وأحكامه في بطن أمه وقيل: المراد علمني التوراة (وَجَعَلَنِي نَبِيًّا): في
سابق علمه أو هو نبي حينئذ (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا): معلمًا للخير (أَيْنَ مَا كُنْتُ): حيث كنت (وَأَوْصَانِي): أمرني (بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ): زكاة المال، أو تطهير النفس (مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا) عطف على مباركًا أي: بارًّا أو منصوب بفعل بمعنى أوصاني وهو كلفني، (بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا): مستكبرًا عن عبادة الله وبر والدتي (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ): فلا ينالني شيطان، (وَيَوْمَ أَمُوتُ) فأنجاني من سوء الخاتمة (وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا): فليس لي هول (ذَلِكَ): الذي وصفناه هو (عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ): لا ما تصفه النصارى (قَولَ الْحَقِّ) أي: هو قول الحق الذي لا ريب فيه، فالإضافة بيانية أو الحق هو الله تعالى أو خبر ثاني لذلك، ومن قرأ بنصب قول جعله مصدرًا مؤكدًا (الذِي فِيهِ يَمْتَرُون) فبعضهم يقولون إنه لزنية ساحر وبعضهم إنه ابن الله (مَا كَانَ لله أَن يَتَّخِد مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانهُ) تكذيب للنصارى وتنزيه لجناب قدسه (إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فلا يناسبه خلقه ولا يحتاج إلى ولد يعضده (وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) عطف على إني عبد الله وهو من مقول عيسى ومن قرأ أن بالفتح فتقديره ولأن أو عطف على