المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

هَؤُلَاءِ) من عبادة المشركين في أنها ضلال تؤدي إلى مثل - تفسير الإيجي جامع البيان في تفسير القرآن - جـ ٢

[الإيجي، محمد بن عبد الرحمن]

فهرس الكتاب

الفصل: هَؤُلَاءِ) من عبادة المشركين في أنها ضلال تؤدي إلى مثل

هَؤُلَاءِ) من عبادة المشركين في أنها ضلال تؤدي إلى مثل ما حل بمن قبلهم، (مَا يَعْبُدُونَ) عبادة، (إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ) إلا كعبادتهم، (مِنْ قَبْلُ) استئناف أي: هم وآباؤهم سواء لا مستند لهم في الشرك وتقديره: كما كان يعبد وحذف كان لدلالة قبل عليه، (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ) حظهم من الجزاء، (غَيْرَ مَنْقُوصٍ) حال مقيدة فإنه يقال وفيته نصيبه منصفًا.

* * *

(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ‌

(110)

وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111) فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113) وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116)

ص: 203

وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلله غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)

* * *

(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ) بأن آمن به بعض وكفر به بعض كما اختلف في القرآن، (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) بتأخير العذاب عن قومك، (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) لفرغ من جزائهم، (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ منْهُ) من القرآن، (مُرِيبٍ) موقع للريبة، (وَإِنَّ كُلًّا) جميع المختلف من المؤمنين والكافرين وإن مع أنه مخففة عمل باعتبار الأصل والتنوين عوض عن المضاف إليه، (لَمَّا) ما زائدة للفصل بين اللام الموطئة للقسم ولام التأكيد ومن قرأ بالتشديد فأصله لمن ما فقلبت النون ميمًا للإدغام فحذفت أولى الميمات الثلاث، (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ) أي: إن جميعهم والله ليوفينهم ربك جزاء أعمالهم أو لمن الذين يوفينهم إلخ، (إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ

ص: 204

خَبِيرٌ (111) فَاسْتَقِمْ) استقامة، (كَمَا أُمِرْتَ) أي: مثل الاستقامة التي أمرت بها على دين ربك والدعاء إليه، (وَمَن تَابَ) عن الكفر وآمن، (مَعَكَ) عطف على ضمير استقم، (وَلَا تَطْغَوْا) لا تخرجوا عن حدود الله، (إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا)، لا تميلوا أدنى ميل، (إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) بأن تعظموهم وتسعينوا بهم، (فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) بركونكم إليهم؛ بل استقيموا كما أمرت ولا تميلوا إلى جانب، (وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ) أعوان يمنعونكم من عذابه والواو للحال، (ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) لا تجدون من ينصركم أو لا ينصركم الله إذ سبق في حكمه أن لا يرحم على من ركن وثم لاستبعاد نصره إياهم وقد أوعدهم بالعذاب عليه، (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ) أحد طرفيها الصبح والآخر إما العصر أو الظهر والعصر، (وَزُلَفًا) ساعات، (مِنَ

ص: 205

اللَّيْلِ) قريبة من النهار العشاء أو المغرب والعشاء قيل: هذا قبل وجوب الصلوات الخمس فإنه كان يجب صلاتان صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها وفي أثناء الليل قيام عليه وعلى أمته ثم نسخ، (إِن الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) وفي الحديث:(إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً فَأَتْبِعْهَا حَسَنَةً تَمْحُهَا)(1) نزلت في رجل أصاب من امرأة ما دون الجماع فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فنزل " أقم الصلاة " الخ فقال الرجل: أليَّ هذا؟ قال: لأمتي كلهم) (ذلِكَ) بها إشارة إلى استقم فما بعده، (ذكْرَى لِلذاكِرِينَ) عظة للمتعظين، (وَاصْبِرْ) على حكم الله، (فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) وعن ابن عباس رضي الله عنهما المحسنين أي: المصلين، (فَلَوْلَا) فهلا، (كَانَ مِنَ القُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولوا بَقِيَّةٍ) يقال: فلان من بقية القوم، أي: من خيارهم، أي: هلا كان منهم من فيه خير ينهى عن الفساد؛ وهذا تحريض لأمة محمد عليه الصلاة والسلام كما قال: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير) الآية [آل عمران: 104]، (يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلا قَلِيلاً مِّمَّن أَنجَيْنَا مِنْهُمْ)(من) في (ممن) للبيان، أي: لكن قليلاً منهم أنجيناهم لأنَّهُم كانوا كذلك وجاز أن يكون

(1) في الأصل [تمحوها] والحديث عند الإمام أحمد رحمه الله برقم (21487). (مصحح النسخة الإلكترونية).

ص: 206

الاستثناء متصلاً لأن التخصيص ملزوم للنفي، أي: ما كان فيهم أولو بقية كذا إلا قليلاً وهم من أنجيناهم، (وَاتَّبَعَ الذِينَ ظَلَمُوا) عطف على ما دل عليه الكلام، أي: لم ينهوا عن الفساد واتبعوا، (مَا أُتْرِفوْا) نعموا، (فيه) من الشهوات بتحصيل أسبابها فأعرضوا عن الآخرة، (وَكَانُوا مُجْرِمِينَ): كافرين، وهذا سبب استئصالهم وإهلاكهم فلابد من الحذر عن مثل ما هم كانوا عليه، (وَمَا كَان ربُّكَ) ما صح وما استقام له، (لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ): بشرك، (وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) أي: لا يهلكهم بمجرد الشرك إذا لم يضموا إلى شركهم فسادًا أو ظلمًا فيما بينهم، بل ينزل عليهم العذاب إذا أفسدوا وظلموا بعضهم بعضًا أو لا يهلكهم بظلم منه وهم مصلحون لأعمالهم فإنه سبحانه " حرم الظلم على نفسه وجعله بينكم محرمًا " وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم " [هود: 101] وهذا توجيه وجيه لا اعتزال فيه، (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً) مسلمين كلهم، (وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) في الأديان والاعتقادات، (إِلا مَن رحِمَ ربُّكَ) وهم أتباع الرسل تمسكوا بما أمروا به، (وَلِذَلِكَ) أي: للرحمة أو للاختلاف أو لهما، (خَلَقَهُمْ) الضمير لمن على الأول وللناس على الأخيرين، (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) قضاؤه وقدره، (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ): من عصاتهما، (أَجْمَعِينَ) أو منهما أجمعين لا من أحدهما، (وَكُلًّا) التنوين عوض،

ص: 207

أي: كل نبأ، (نَقُصُّ عَلَيكَ) وقوله:(مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ) بيان لـ (كُلًّا) أو صفة لنبأه المحذوف ومن للتبعيض، (مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) بدل بعضو من كلا أو مفعول نقص، وكلا مفعول مطلق حينئذ، أي: كل نوع من أنواع الاقتصاص نقص عليك وتثبيت فؤاده زيادة يقينه واحتمال الأذى، (وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ) السورة، (الْحَقُّ) خص هذه السورة تشريفًا وإن كان قد جاءه الحق في جميع السور أو جاءك في هذه الدنيا الحق (وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى) جاءتك فيها، (لِلْمُؤْمِنِينَ) أي: عمت فائدة تلك السورة لك ولأمتك، (وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ): على طريقتكم تهديد شديد، (إِنَّا عَامِلُونَ): على حالنا، (وَانتَظِرُوا) لنا الدوائر، (إِنَّا مُنتَظِرُونَ) أن ينزل بكم مثل ما نزل على أمثالكم أو انتظروا ما يعدكم الشيطان إنا منتظرون ما يعدنا ربنا، (وَلله غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) لا يخفي عليه خافية، (وَإِلَيهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ) في المعاد ويمكن أن يكون معناه كل الأمور راجعة إلى خلقه وقدرته فهو الفاعل على الحقيقة للأشياء، (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) فيجازي كلًّا مايستحقه.

والحمد لله وحده ..

* * *

ص: 208