المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الخير والمبطئين عنه، أو المستقدمين في الصف الأول والمستأخرين منه، - تفسير الإيجي جامع البيان في تفسير القرآن - جـ ٢

[الإيجي، محمد بن عبد الرحمن]

فهرس الكتاب

الفصل: الخير والمبطئين عنه، أو المستقدمين في الصف الأول والمستأخرين منه،

الخير والمبطئين عنه، أو المستقدمين في الصف الأول والمستأخرين منه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رغب في الصف الأول ازدحموا عليه، أو أناس يستقدمون في الصفوف لئلا يرو النساء، وبعضهم يستأخرون لينظروا إليهن، أو المراد في صف القتال، (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ) للجزاء، (إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) باهر الحكمة واسع العلم.

* * *

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ‌

(26)

وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32)

ص: 310

قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44)

* * *

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ) أراد آدم، (مِن صَلْصَالٍ) طين يابس يصوت إذا نقر أو من طين منتن من صَل اللحم إذا أنتن وهو كزلزال، (مِّن حَمَأٍ) أي: كائن من طين أسود، (مسنونٍ) أي: أملس أو منتن أو مصبوب كالجواهر المذابة تصب في القوالب، (وَالْجَانَّ) أي: إبليس وهو أبو الشياطين، أو أبو الجن مطلقًا، (خَلَقنَاهُ مِن قَبْلُ) من قبل خلق آدم، (مِن نارِ السَّمُومِ) نار الحر الشديد، أو نار لا دخان لها، وعن بعضهم من نار الشمس.

(وَإِذْ قَالَ ربُّكَ) أي: اذكر وقت قوله (لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ) عدلت صورته وأتممت خلقته، (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) إضافة الروح للتشريف، (فَقَعُوا) فاسقطوا، (لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) وقد مر أن المأمورين بالسجود جميع الملائكة أو جمع خاص منهم، (إِلا إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) أي: لكن هو أبى

ص: 311

السجود، وجاز أن يكون الاستثناء متصلاً، وجملة أبى أن يكون حينئذ مستأنفة، (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ) أيُّ غرض لك في، (أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ) اللام لتأكيد النفي، أي: لا يصح مني ويستحيل أن أسجد، (لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) استكبر واستعظم نفسه، (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْها) من تلك المنزلة التي أنت فيها من الملأ الأعلي، (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) مطرود من الخير والشرف باعتبار الكرامة عند الله تعالى لا باعتبار النوع، (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) أي: تلك اللعنة لا تزال متصلة لاحقة بك إلى يوم القيامة، وهذا بُعدُ غاية يضربها الناس، (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي) أخر أجلي، (إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) آخر الدنيا، (قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) وهو نفخة الأولى، أمهله الله استدراجًا له وابتلاء وامتحانًا للخلق، قيل: سأل الإمهال إلى يوم يبعثون لئلا يموت؛ لأنه لا يموت حينئذ أحد، فلم يجب إلى ذلك وأمهل إلى آخر أيام

ص: 312

التكليف فهو ميت، بين النفختين أربعين سنة، (قَالَ رَبِّ بِمَا أَعوَيْتَني) أي: أقسم بإغوائك إياي، (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ) المعاصي، (في الأَرْضِ)، أو معناه بسبب غوايتك إياي، أقسم لأزينن الخ .. ، (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ)، أحملنهم علي الغواية، (أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)، أي: إلا عبادك الموصوفين بالإخلاص لطاعتك حال كونهم من أولاد آدم.

(قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) إشارة إلى قول إبليس: لأغوينهم إلا عبادك أي: هذا هو الذي حكمت به وقدرت على عبادي، وهو حق مستقيم، كما قال تعالى:" ولكن حق القول مني "[السجدة: 13] الخ .. أو تهديد، كما تقول لخصمك: طريقك على أي لا تفلت مني، أو الإشارة إلى تخلص المخلصين من إغوائه الدال عليه الاستثناء، أي: تخلُّصهُم طريق حق علي أن أراعيه لا انحراف عنه، أو الإخلاص طريق عليَّ من غير اعوجاج يؤدي إلى الوصول إلى كرامتي ولقائي، (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) أي: ليس لك حجة وتسلط على أحد منهم، فمن أين لك الاختيار في غوايتهم، (إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِينَ) لكن من اتبعك هو من الغاوين، أو الاستثناء متصل ويكون كالتصديق لقول إبليس، (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُم) أي:

ص: 313