المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً)، بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم - تفسير الإيجي جامع البيان في تفسير القرآن - جـ ٢

[الإيجي، محمد بن عبد الرحمن]

فهرس الكتاب

الفصل: النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً)، بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم

النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً)، بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام، (فَاخْتَلَفُوا)، فبعضهم عبدوا الأصنام، (وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ)، بأنه لا يهلك أحدًا إلا بعد قيام الحجة وأن لكل أمة جعل أجلاً معينًا، (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ)، عاجلاً، (فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)، فيهلك المبطل ويبقي المحق، قال بعضهم: أي لولا أنه في حكمه أنه لا يقضي بينهم إلا في القيامة لقضى في الدنيا فيدخل المؤمن الجنة والكافر النار قبل القيامة، (وَيَقُولُونَ)، أهل مكة، (لَوْلا)، أي هلا، (أُنْزِلَ عَلَيْهِ)، على محمد، (آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ)، مثل الناقة والعصا أو مما اقترحوه من جعل الصفا ذهبًا، (فَقُلْ إِنَّمَا الغَيْبُ لله)، أي: ما تطلبونه غيب وهو القادر عليه، (فَانتَظِرُوا)، لنزول ما تطلبونه، (إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الُمنتَظِرِينَ) لما يفعل الله بكم.

* * *

(وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ‌

(21)

هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ

ص: 125

نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30)

* * *

(وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً) كالرخاء والصحة، (مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مسَّتْهُمْ)، كالجدب والمرض، (إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا) يحتالون في طعنها وتكذيبها وإذا

ص: 126

للمفاجأة جواب لـ إذا الشرطية، (قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْرًا) منكم بأن يدبر العقاب قيل إن تدبروا المكر والمكر من الله استدراج أو جزاء على المكر، (إِنَّ رُسُلَنَا) أي: الحفظة من الملائكة، (يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ) للمجازاة، (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ) يمكنكم من السير ويحفظكم، (فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الفُلْكِ) في السفن، (وَجَرَيْنَ) الضمير للفلك لأنه جمع فلك، (بِهِم) عدل إلى الغيبة للمبالغة كأنه يذكرهم لغيرهم حالهم ليعجبهم منها، (بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا) لاستوائها ولينها، (جَاءَتْهَا)، أي تلك السفن جواب لـ إذا، (رِيحٌ عَاصِفٌ) أي: ذات عصف يعني شديدة قيل العاصف كالحائض مخصوص بالريح فلذا لم يقل عاصفة أو الريح يذكر ويؤنث، (وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ) من جميع الأطراف، (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) فلا يمكن لهم الخلاص، (دَعَوُا اللهَ) بدل اشتمال من ظنوا أو استئناف جواب ماذا صنعوا بعد هذه الحالة وما قيل هو جواب للشرط وجاءتها حال فليس بشيء، (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)، مفعول مخلصين أي: تركوا الشرك فلم يدعوا إلا الله،

ص: 127

(لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا)، أي: قائلين أو مفعول دعوا لأنه من جملة القول، (مِنْ هَذِهِ)، الريح والشدة، (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ)، فأجاءوا الفساد فيها، (بغيرِ الحَقِّ) لا كتخريب المسلمين ديار الكفر فإنه إفساد بحق، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ) منفعة، (الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) لا تبقى ويبقى عقابها وهو خبر بغيكم وعلى أنفسكم متعلق بالبغي أو على أنفسكم خبره أي ما وبال بغيكم إلا على أنفسكم لا يضرون به أحدًا غيركم ومتاع

ص: 128

خبر محذوف، أي: ذلك متاع ومن قرأ بالنصب تقديره يتمتعون متاع، (ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ تَعْمَلُونَ) بالجزاء عليه.

(إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) في سرعة تقضيها واغترار الناس بها، (كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ) أي: بسببه اشتبك نبات الأرض حتى خالط بعضه بعضًا، (مِمَّا يَأكُلُ النَّاسُ) من الزرع والبقل، (وَالأَنعَامُ) من الحشيش، (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ) كعروس أخذت ألوان ثيابها وحليها فتزينت بها وأصل ازينت تزينت فأدغم، (وَظَنَّ أَهْلُهَا) أهل الأرض، (أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا) متمكنون من منفعتها محصلون لثمرتها، (أَتَاهَا أَمْرُنَا) وهو ضرب زرعها ببعض العاهات، (لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا) أي: زرعها، (حَصِيدًا) شبيهاً بما حصد، (كأَن لمْ تَغْنَ) أي: كأن لم يلبث ولم يكن زرعها على حذف المضاف، (بِالأَمْسِ) والأمس مثل في الوقت القريب يعني المتسبب بالدنيا المغرور بها يأتيه عذابه أغفل ما يكون ومضمون الحكاية وهو الممثل به لا الماء وحده (كَذَلِكَ) مثل ذلك

ص: 129

التبيين، (نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكرُونَ) فإنهم المنتفعون بها، (وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السلامِ) هي الجنة والسلام من أسماء الله تعالى أو دار السلامة من الآفات أو دار تحيتها سلام يسلم الملائكة على من فيها، (وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاط مُّسْتَقِيمٍ) بأن يوفقه على التقوى الذي هو طريق الجنة فالدعوة عام والهداية خاص، (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) العمل في الدنيا، (الْحُسْنَى) الجنة، (وَزِيَادَةٌ) النظر إلى وجه الله الكريم وهو قول أبي بكر الصديق وكثير من السلف رضي الله عنهم وعليه أحاديث كثيرة أحدها في صحيح مسلم وابن ماجه لكن من يضلل الله من العباد فما له من هاد أو الْحُسْنَى مثل حسناتهم والزيادة عشر أمثالها إلى سبعمائة أو أكثر أو الزيادة الرضوان، (وَلَا يَرْهَقُ) لا يغشى، (وَجُوهَهُمْ قتَرٌ) غبار أي: سواد، (وَلَا ذِلةٌ) هوان وكآبة؛ بل لقاهم نضرة وسرورًا، (أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ) مبتدأ بتقدير وجزاء الذين كسبوا السيئات، (جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا) لا يزاد عليها شيء أو عطف على الذين أحسنوا، أي: للذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها كقولك: في الدار زيد والحجرة عمرو عند من يجوزه، (وَتَرْهَقُهُمْ) تغشاهم، (ذِلَّةٌ ما لَهُم مِّنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ) يعصمهم ويحميهم، (كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا) لكمال سوادها ومظلمًا حال من الليل وهو صفة

ص: 130