المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ) - تفسير الإيجي جامع البيان في تفسير القرآن - جـ ٢

[الإيجي، محمد بن عبد الرحمن]

فهرس الكتاب

الفصل: بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ)

بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ) لأن لا يصيبكم العين، (وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللهِ مِن شَيْءٍ)، أي: لو أراد الله بكم سوءًا لا يدفع عنكم ما قلت لكم من التفرق وهو مصِيبكم لا محالة، (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لله عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ) أى: من أبواب متفرقة في البلد، (مَا كَانَ يُغْنِي): يدفع دخولهم متفرقين، (عَنْهُم مَنَ اللهِ): من قضاءه عليهم، (مِن شَيْءٍ إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا) استثناء منقطع أي: لكن حاجة أي: شفقة في نفسه قضاها أي: أظهرها ووصى بما، أو معناه ما دفع عنهم بسبب دخولهم كذلك إلا إصابة العين وهي الحاجة التي في نفس يعقوب، (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ): لذو يقين أو لذو عمل، (لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) أن يعقوب لذو علم فإن المشركين لا يعلمون ما ألهم الله أولياءه.

* * *

(وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ‌

(69)

فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72)

ص: 237

قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77) قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79)

* * *

(وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ) من أبويه في منزله وأجلسه معه في مائدته واسمه بنيامين (قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ): ولا تحزن، (بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ): في حقنا فيما مضى، (فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ): أصلحهم بعدتهم، (جَعَلَ السِّقَايَةَ): المشربة، (فِي رَحْلِ أَخِيهِ): من أبويه وهي من

ص: 238

فضة أو من ذهب أو من زبرجد وكان يشرب فيها ويكيل بها للناس من عزة الطعام (ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ): نادى مناد (أَيَّتُهَا الْعِيرُ) أي: القافلة (إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ) قال بعضهم: إن كان النداء بأمر يوسف فعلى تأويل إنهم سرقوا يوسف من أبيه عليه السلام أو النداء برضى أخيه، (قَالوا وَأَقْبَلُوا عَلَيهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ) أيُّ شيء ضاع عنكم (قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) من الطعام (وَأَنَا بِهِ): بحمل من الطعام (زَعِيمٌ): كفيل قاله المؤذن (قَالُوا تَاللهِ) قسم فيه معنى التعجب مما أضيف إليهم ثم استشهدوا بعلمهم على براءة ساحتهم لما ثبت عندهم من دلائل دينهم وأمانتهم في كرتى مجيئهم فقالوا (لَقَدْ عَلِمتم مَّا جئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ): لا نوصف بها قط، (قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ) أي: السارق، (إِن كنتمْ كَاذِبِينَ): في ادعاء البراءة، (قَالُوا جَزَاؤُهُ) أي: جزاء سرقته، (مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ) أي: أخذ من وجد واسترقاقه، (فهُوَ جَزَاؤهُ) تقرير للحكم وقيل: جزاء لمن على أنها شرطية والجملة الشرط والجزاء خبر جزاؤه على إقامتة الظاهر مقام الضمير وأصله فهو هو وضمير الثاني إلى جزاؤه (كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ): بالسرقة وشريعة إبراهيم أن السارق يدفع إلى المسروق منه، (فَبَدَأَ): المؤذن أو يوسف

ص: 239

بعد ما ردوا إليه، (بِأَوْعِيَتِهِمْ) فتشها أولاً، (قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ): من أبويه، (ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ): مثل ذلك الكيد، (كِدْنَا لِيُوسُفَ): بأن علمناه إياه، (مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) فإن دين ملك مصر الضرب والتغريم في السارق دون الاسترقاق، (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ)، أي: لم يكن يتيسر له أخذه في دين الملك بحال من الأحوال إلا في حال مشيئة الله تعالى بأن أجرى على ألسنة إخوته أن جزاء السارق الاسترقاق فوجد السبيل إلى ذلك وجاز أن يكون منقطعًا (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ): بالعلم كما رفعنا درجة يوسف (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ): حتى ينتهى العلم إلى الله تعالى، (قَالوا) أي: إخوته (إِن يَسْرِقْ): بنيامين (فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ) أي: يوسف (مِن قَبْلُ) يعني لا عجب فإن هذا طريقتهم ونحن براء منها وإما وصفهم إياه بالسرقة فإنه كان لجده أبى أمه صنم يعبده فأخذه سرًّا وكسره أو كانت عمته تحضنه بعد وفاة أمه فلما ترعرع أراد يعقوب أن يكون معه ويأخذه من عمته وكانت لا تطيق فراقه فعمدت إلى منطقة هي لها ورثتها من إسحاق فحزمتها على يوسف تحت ثيابه ثم قالت: فقدت المنطقة اكشفوا أهل البيت فكشفوا فوجدوها مع يوسف وهو صغير فقالت: صار يوسف سلمًا لي فأمسكته، فإن السارق يُسْتَرَقُّ لمن سُرق منه كما مر وكان يأخذ من البيت للسائل أشياء فيعطيه ففطن به إخوته،

ص: 240

(فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ) ضمير أسرها كناية بشريطة التفسير يفسرها قوله (قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا) يعني قال في نفسه: أنتم شر منزلة في السرقة: لأن خيانتكم حقيقة وأنث الضمير لأن المراد منه جملة وهي بدل من أسرها وهو المنقول عن ابن عباس - رضى الله عنهما - وقيل: الضمير للإجابة أو للمقالة أو لنسبة السرقة (وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ): في شأني من السرقة فإنه كذب وهذا أيضًا من جملة ما أسر يوسف (قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ): بدله فإن أباه مستأنس به على أخيه الهالك (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ): إلى الخلق فأحسن إلينا (قَالَ مَعَاذَ اللهِ): أعوذ بالله معاذًا من (أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ): في فتواكم لو أخذنا غير السارق.

* * *

ص: 241