الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شَيْءٍ وَكِيلٌ} قال رحمه الله: [مُتصرِّفٌ فيه كيف يَشاء]، ولو قال:{عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} أي: حفيظًا عليه مُدبِّرٌ له، لكان أعَمَّ؛ لأن الوكيل في اللغة هو الذي وُكِل إليه الشيء حِفْظًا وتَدبيرًا، والله عز وجل على كل شيء وكيل حِفْظًا وتدبيرًا، وهنا لا يُقال: كيف كان وَكيلًا؟ ومَن الذي وكَّله؟ ونَقول: إذا كان الوكيل بمَعنَى: الحفيظ المُدبِّر فلا حاجةَ إلى استِحْفاظ، بل هو الذي تَولَّى ذلك بنَفْسه.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: عُموم خَلْق الله عز وجل لكل شيء؛ لقوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} .
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: الرَّدُّ على القدَرية الذين قالوا: إن الإنسان خالِقُ أَفعالَه؛ ووجه ذلك: أن أَفعَال العِباد داخِلة في العُموم، فهي شيء من الأشياء، فتكون داخِلةً في العُموم.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن الله تعالى خالِقٌ للأعيان والأَوْصاف؛ لأن الأعيان شيء يَعنِي: تُسمَّى شيئًا، والأوصاف تُسمَّى أيضًا شيئًا.
فإن قال قائِل: إن القُرآن مَخْلوق؛ لقوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} ، والقرآن شيء، وأن الله تعالى مَخلوق؛ لأنه شيء، قال الله تعالى:{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً} [الأنعام: 19]، فما تَقولون في ذلك؟
الجَوابُ: نَقول: هذا ليس بصحيح، أمَّا كون الله تعالى مَخلوقًا فقد تَقدَّم قبل قليل، وهو: ضرورةُ أن الفاعِل ليس هو المَفعولَ، هذا واحِد.
وأمَّا أنَّ القرآن غير مَخْلوق؛ فلأنَّ القُرآن وصفُ الله عز وجل، والربُّ بصِفاته
ليس مَخلوقًا، بل هو لم يَزَل ولا يَزال بصِفاته، فكلامه غير مَخلوق ومنه القُرآن.
وعلى كل حال: فيَكون الربُّ سبحانه وتعالى وصِفاته ليس داخِلًا في هذا العُمومِ بالضرورة؛ لأنَّ الخالِق غير المَخلوق.
وأمَّا قول الذين استَدَلُّوا بهذه الآيةِ على خَلْق القُرآن: أنَّ هذا عامٌّ؛ فنَقول: إن العامَّ قد يُراد به الخُصوص، هذا إذا صحَّ أن الذِّهْن يَنتَقِل من هذا العُمومِ إلى كل شيء، ونَقول: إن كلِمة (كل شيء) تَأتي ولا يُراد بها العُموم، مثل قوله تعالى:{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25]، ومَعلومٌ أنها لم تُدمِّر السمَواتِ ولا الأرضَ، بل ولا مَساكِنَ القوم، كما قال تعالى:{فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف: 25].
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: عِناية الله سبحانه وتعالى بما خلَقَ؛ لأنه لمَّا ذكَرَ أنه خلَق كل شيء بيَّن أنه على كل شيء وَكيل، وهذا يَدُلُّ على عِناية الله بخَلْقه تبارك وتعالى.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أن ما يُصيب الناس من البلاء والفِتَن فإنه مِن الله تعالى ومن مُقتَضى وَكالته؛ لعُموم قوله تعالى: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} .
ومَعلومٌ أن الإنسان إذا آمَن هذا الإيمانَ فإنه سيَسهُل عليه كلُّ ما صعُب، وإذا آمَن أيضًا أنه بالصبر والاحتِساب تَنقَلِب هذه المَصائِبُ نِعَمًا هانَت عليه أيضًا؛ ولهذا لا نَجِد أحدًا أَعظَمَ راحةً ممَّن آمَن بالقدَر خيرِه وشَرِّه، فإنك تَجِد الإنسان وإن تَقلَّبَت به الأحوال تَجِده راضيًا مُطمَئِنًّا؛ إن أَصابَتْه الضرَّاءُ صبَر فكان خيرًا له، وإن أَصابَتْه السرَّاءُ شكَرَ فكان خيرًا له.