الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: إثبات المَلائِكة؛ لقوله تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} .
مَسأَلةٌ: هل المَلائِكة مُكلَّفون؟
الجَوابُ: نعَمْ؛ لأنهم يَستَجيبون لله عز وجل {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} ، فنَفْيُ العِصيان عنهم يَدُلُّ على أنهم يُكلَّفون بالشيء، وعلى أن العِصيان منهم مُمكِن عَقْلًا، لكنهم لا يَعصون الله تعالى ما أمَرَهم.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: إظهار عظَمة الله في ذلك اليومِ، حيث تَحُفُّ جنودُه بعَرْشه، وهذا من مَظاهِر العظَمة وكمال السُّلْطان: أن يُرَى الجُنودُ حافِّين بمالِكهم وخالِقهم وسيِّدهم سبحانه وتعالى.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إثبات العَرْش؛ لقوله تعالى: {مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} .
فإن قال قائِل: قول الله تبارك وتعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} ألَا يَدُلُّ هذا على أن للعَرْش جوانِبَ وأركانًا؟
فالجَوابُ: بلى، هو كذلك، والحديث الثابِت في الصحيحين: أن مُوسَى عليه السلام يَكون آخِذًا بقَوائِمِ العَرْش (1).
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: الثناء على المَلائِكة وذلك بحُسْن انتِظامهم بحَفِّهم من حول العَرْش، وهذا حُسْن فِعْليٌّ، وبكونهم يُسبِّحون الله تعالى بحَمْده وهذا حُسْن قَوْليٌّ،
(1) أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب نفخ الصور، رقم (6518)، ومسلم: كتاب الفضائل، باب من فضائل موسى صلى الله عليه وسلم، رقم (2373)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فيَجْمَعون بين تَعظيم الله تعالى بالفِعْل وتَعظيمه بالقول.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: اختيار الجَمْع بين التسبيح والحمد؛ لقوله تعالى: {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} وذلك لأن بالتَّسبيح زوال النَّقْص والعَيْب، وبالحمدُ إثباتُ الكمال.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أنَّ الله سبحانه وتعالى ربٌّ لهؤلاءِ المَلائِكةِ مع عِظَمهم؛ لقوله تعالى: {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} وأن رُبوبيته للمَلائِكة رُبوبية خاصَّة بدليل الإِضافة.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أنَّ الله تعالى يَقضِي بعد هذا كلِّه بين الخَلْق بالعَدْل؛ لقوله تعالى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} أي: حُكِم بينهم، وقضاء الله تعالى نَوْعان: كونيٌّ وشَرْعيٌّ.
فالشَّرعيُّ: مثل قوله تعالى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23]، يَعنِي: وصَّى ألَّا نَعبُد إلَّا الله تعالى.
والكونيُّ: مثل قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} [الإسراء: 4]، فإن هذا لا يُمكِن أن يَكون قضاءً شَرْعيًّا؛ لأنَّ الله تعالى لا يَقضِي بالفَساد، ولكنه قضاءٌ كَوْنيٌّ.
وبهذا نَعرِف الفرق بين القضاء الكَوْنيِّ والشَّرْعيِّ:
الفَرْقُ الأوَّل: أن الكونيَّ فيما يُحِبُّ وما لا يُحِبُّ، والشرعيُّ فيما يُحِبُّ.
والفرقُ الثاني: أن الكونيَّ لا بُدَّ من وقوع المَقْضِيِّ، والشَّرْعيُّ لا يَلزَم منه وقوع المَقضِيِّ، فقد يَقَع وقد لا يَقَع.
فإن قال قائِل: يَرِد كثيرًا: (القضاءُ الكونيُّ)، و (القدَر الكونيُّ) و (الحُكْم الكونيُّ)؛ وكذا (الشَّرْعيُّ)، والفُروق بينهم ليسَتْ فُروقًا، فما هذا؟
فالجَوابُ: صحيح هو كذلك، ومَعنَى الإرادة غير الحُكْم، فالحُكْم قد يَكون بمَعنَى القضاء، لكن الإرادة غير ذلك، وهي تَنقَسِم هذا التَّقسيمَ كما هو واضِح.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: أنَّ القَضاء في ذلك اليومِ قَضاء بالعَدْل، ليس فيه جَوْر بوجه من الوجوهِ، لقوله تعالى:{بِالحَقِّ} .
الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: حَمدُ الله سبحانه وتعالى في ذلك اليومِ الذِي يَتِمُّ فيه الأمر؛ قال تعالى: {وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
وإذا قارَنْت بين هذا وبين قوله سبحانه وتعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الأنعام: 1] تَبيَّن لك أن الله تعالى مَحمودٌ في أوَّل الأمر وآخِره، ففي أوَّل الأمر في قوله:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} ، وفي آخِره بعد أن قُضِيَ بين الخَلائِق بالحَقِّ قيل:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: بيانُ استِحْقاق الله تعالى للحَمْد كلِّه؛ لقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} و (أل) ذكَرْنا أنَّها للاستِغْراق، واللَّام للاختِصاص والاستِحْقاق.
الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: إثبات عُموم الرُّبوبية؛ لقوله تبارك وتعالى: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} والعالَمون كلُّ مَن سِوى الله تعالى؛ قال بعضُ العُلَماءِ رحمهم الله: إنَّما سُمُّوا بهذا؛ لأنهم عَلَمٌ على خالِقهم.
وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ
…
تَدُلُّ عَلَى إنَّهُ وَاحِدُ (1)
(1) من شعر أبي العتاهية، إسماعيل بن القاسم بن سويد. انظر: ديوانه (ص 122)، ومعاهد التنصيص (2/ 286).