المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (36) * قَالَ اللهُ عز وجل: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ - تفسير العثيمين: الزمر

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الآية (1)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (2)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (3)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (4)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (5)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (6)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (7)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (8)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (9)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (10)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (11)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (12)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (13)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (14، 15)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (16)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (17، 18)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (19)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (20)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (21)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (22)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (23)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيات (24 - 27)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (28)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (30، 31)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (32)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (33)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (34)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (35)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (36)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (37)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (38)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (39، 40)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (41)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (42)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (43)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (44)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (45)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (46)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (47)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (48)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (49)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (50)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (51)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (52)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (53)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (54)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (55)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (56)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (57)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (58)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (59)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (60)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (61)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (62)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (63)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (64)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (65)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (66)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (67)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (68)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (69)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (70)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (71)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (72)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (73)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (74)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (75)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

الفصل: ‌ ‌الآية (36) * قَالَ اللهُ عز وجل: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ

‌الآية (36)

* قَالَ اللهُ عز وجل: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 36].

قوله عز وجل: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} الاستِفْهام هنا للتقرير بِناءً على القاعِدة التي ذكَرْناها من قبلُ، وهي: أن هَمزة الاستِفْهام إذا دخَلَت على ما يُفيد النفيَ أَفادَتِ التقرير مثل قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1]، يَعنِي: قد شَرَحْنا لك صدرَك، وقوله تعالى:{أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [المؤمنون: 105]، يَعنِي: قد كانَت وهكذا قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} يَعنِي: قد كفَى اللهُ تعالى عبدَه.

وقوله تعالى: {بِكَافٍ عَبْدَهُ} الذي نَصَب (عبدَه) قوله تعالى: (كافٍ)؛ لأن (كافٍ) اسم فاعِل وفاعِله مُستَتِر، و (عبد) مَفعولٌ به.

و (عَبْد) مُفرَد مُضاف فيَكون عامًّا لجَميع مَنِ اتَّصَف بهذا الوَصْفِ، فكُل مَن كان عبدًا لله تعالى حقًّا فإن الله تعالى كافيه، ومثل هذا قوله تعالى:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]، ومثله قوله تعالى:{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 137]، فالعَبْد هنا وَصْفٌ شامِل لا يَختَصُّ بأحَد دون الآخَرِ، فكُلُّ مَن انطَبَقت عليه العُبودية حَقًّا فالله تعالى كافيه:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} ، والجَوابُ على هذه الجُملةِ أن يقال: بَلَى.

ص: 253

ثُمَّ قال تعالى: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} قال المُفَسِّر رحمه الله: هنا الخِطاب [للنبيِّ]صلى الله عليه وسلم {وَيُخَوِّفُونَكَ} وعَطَف (يُخوِّفونك) الخاصَّ بالرسول صلى الله عليه وسلم لا يَقتَضي تَخصيص اللَّفْظ العامِّ قبلَه، وقد تَقدَّم مثلُ هذا كثيرًا؛ يُذكَر لفظٌ عامٌّ، ثُمَّ يُذكَر حُكْم يَختَصُّ ببعض أفراده.

قُلنا: إن هذا لا يَقتَضي التخصيص، ومن ذلك حديث:"قضَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالشُّفْعةِ في كُلِّ ما لَمْ يُقسَمْ"(1)، فكونه قَضَى في كُلِّ ما لم يُقسَم، في كل الذي لم يُقسَم عامٌّ، (فإذا وقَعَتِ الحُدودُ وصُرِفت الطُّرُق فلا شُفعةَ)، هذا حُكْم يَختَصُّ ببعض أحكام العامِّ بالأراضي، فهنا نَقول: إن الأوَّل عامٌّ، وذِكْر بعض أفراد العامِّ وذِكْر حُكمٍ يَختَصُّ ببعض أفراد العامِّ لا يَقتَضي التخصيص.

ومثله أيضًا في القُرآن: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} إلى أن قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} فالمُطلَّقات عامٌّ، وبُعولتُهن حُكْمٌ يَختَصُّ ببعض أفراد هذا العامِّ، أمَّا الفَرْد الذي يَختَصُّ به فإنه (الرَّجعية)؛ ونَقول: إن قوله سبحانه وتعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} هذا عامٌّ، فالمَعروف عند أهل العِلْم رحمهم الله أنه عامٌّ، المُطلَّقات اللاتي طُلِّقن بطلاقٍ بائِن أو بطلاقٍ رَجْعيٍّ.

وهنا هذا المِثالُ في القُرآن هل يَنطَبِق عليه أو لا؛ أي: قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} ؟

الجَوابُ: يَنطَبِق عليه، فقوله تعالى:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} عامٌّ، ولم يَقُلْ: أَلَيْس اللهُ بكافِيكَ ويُخوِّفونك.

(1) أخرجه البخاري: كتاب البيوع، باب بيع الشريك من شريكه، رقم (2213)، ومسلم: كتاب المساقاة، باب الشفعة، رقم (1608)، من حديث جابر رضي الله عنه.

ص: 254

وقوله تعالى: {وَيُخَوِّفُونَكَ} هذا خاصٌّ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ على أن لواحِدٍ أن يَقول: لماذا لا يَصِحُّ أن يَكون الخِطاب مُوجَّهًا لكل مَن يَصِحُّ خِطابه، أي: يُخوِّفونك أيُّها المُخاطَب، كما جرَت به العادة في كثيرٍ من النُّصوص؟

فالجَوابُ على هذا أن نَقول: إنه لا يَصِحُّ أن يَكون مُوجَّهًا لكل مُخاطَب؛ لأن كل مُخاطَب لا يَتَأتَّى عليه هذا الوصفُ، فليس كلُّ مُخاطَب خُوِّف بالذين من دون الله تعالى، وإنما الذي خوف من دون الله تعالى هو النبيُّ صلى الله عليه وسلم الذي خُوِّف بالذي من دون الله تعالى؛ لأنهم كانوا يَتَوعَّدونه بآلهتهم.

فهذا المِثالُ يَنطَبِق على ما ذكَرْناه من القاعِدة أنه إذا ورَد لفظٌ عامٌّ ثُم أُتِيَ بعده بحُكْمٍ يَختَصُّ ببعض أفراده فإن ذلك لا يَقتَضي التَّخصيص، بل يَبقَى العامُّ على عُمومه، ويَثبُت الحُكْم لهذا الفَردِ.

قال المُفَسِّر رحمه الله: [{وَيُخَوِّفُونَكَ} الخِطاب له] أي: للنبيِّ صلى الله عليه وسلم[{بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} أيِ: الأصنام، أي: تَقتُله أو تُخبِله] وهذا كقوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175].

فهم يُخوِّفون النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالذين مِن دون الله تعالى، وتَخصيص هذا بالأَصنام كما خصَّصه المُفَسِّر رحمه الله فيه نظَر، بل يُخوِّفونه بالذين من دونه من الأصنام وغير الأصنام حتى من ذَوِي السُّلْطان، فتقولون مثَلًا: يَفعَل بك فُلان، أو تَفعَل بك الجِنُّ، أو يُفعَل بك كذا أو كذا، فيَنبَغي أن نَحمِل {بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} على العُموم لا على خُصوص الأصنام؛ لأن التَّخويف أعَمُّ من ذلك.

والآن مثَلًا في وَقْتنا هذا لو قال قائِل لشَخْص: أنت إن نَهَيْت عن هذا المُنكَرِ سأَرفَع بك إلى فُلان. ممَّن يُخشَى شَرُّه، هل هذا مُخوَّف بالذين من دون الله تعالى؟

ص: 255

الجَوابُ: نعَمْ هذا مُخوَّف بالذين من دون الله تعالى، فالآية عامَّة ولا يَنبَغي أن نُخصِّصها، كما ذهَب إليه المُفَسِّر رحمه الله.

قال تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} : (مَن) شَرْطية فتُفيد العُموم؛ فمَن يُضلِل اللهُ تعالى فما له مِن هادٍ يَهديهِ.

وقوله تعالى: {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} الجُمْلة هذه اسمِيَّة مُكوَّنة من مُبتَدَأ وخبَر؛ فإن قال قائِل: عجَبًا أن نَقول: إنها مُكوَّنة من مُبتَدَأ وخبَر، ونحن لا نَجِد فيها لا مُبتَدَأ ولا خبَرًا، أين الاسمُ المرفوعُ والمَعروف أن المُبتَدَأ والخبَر يَكونان مَرفوعَيْن، وهنا ليس هناك شيءٌ مَرفوع؟

فالجَوابُ: أن نَقول: (ما) نافية، و {لَهُ} جارٌّ ومَجرور خبَر مُقدَّم و {مِنْ هَادٍ} مُبتَدَأ مُؤخَّر، ونُعرِب {مِنْ هَادٍ} فنَقول:{مِنْ} حرف جَرٍّ زائِدٌ، و {هَادٍ} اسمٌ مَجرور بـ {مِنْ} لَفظًا، وهو مُبتَدَأ مَرفوع بضَمَّة مُقدَّرة على الياء المحذوفة منَعَ من ظُهورها التِقاء الساكِنين، وهُما سكون الياء المَحذوفة، ونون التَّنوين؛ لأنه ليس هناك حرَكة على الياء هنا، بل على الياء المحذوفة؛ لالتقاء الساكِنَيْن، والتي قُدِّرت عليها الكَسْرة لمُناسَبة حَرْف الجرِّ الزائِد؛ وإلَّا يَكفي أن نَقول:{مِنْ} حَرْف جَرًّ زائِدٌ، و {هَادٍ} مُبتَدَأ مَرفوع بضَمَّة مُقدَّرة على الياء المَحذوفة لالتِقاء الساكِنَيْن، ونَنْتَهي لأن حَرْف الجَرِّ الزائِدَ في مثل هذه الكلِمةِ لا يَظهَر.

وقوله تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} يَعنِي: مَن يُقدِّر الله تعالى ضلالَه فإنه لا أحَدَ يَهديه مَهما اجتَمَعَتْ عليه الأُمَّة، وها هو أَعظَمُ الخَلْق في الهِداية والدَّلالة مُحمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حرَص غاية الحِرْص لهِداية عمِّه أبي طالِب إلى آخِر أَنْفاسه، ولكن لم يَهتدِ؛ لأن الله عز وجل كتَبَ عليه الضَّلالة فكان آخِرُ ما قال أَنْ شهِد شهادة الكُفْر، فقال:

ص: 256

هو على مِلَّة عبد المُطلِّب (1). ولكن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لحُسْن أَخلاقه؛ ولأن عمَّه قام قِيامًا نصَر به الإسلام شفَع له عند الله تعالى، فكان في ضَحضاحٍ من نارٍ، وعليه نَعْلان من نارٍ يَغلِي منهما دِماغه (2) أعلى ما فيه، والنِّعال في أسفَل ما فيه والدِّماغ يَغِلي؛ فما بالُك بما دونَه من الجِسْم فإنه أشَدُّ غليانًا، وإنه لأَهوَن أهل النار عذابًا، ويُرَى أنه أَشَدُّهم عَذابًا (3)، ولماذا يُريه الله تعالى أنه أشَدُّهم عذابًا؟ لئِلَّا يَتَسلَّى بغيره؛ لأن صاحِب النار لو عَلِم أن غيرَه أشَدُّ منه أو مثلُه لتَسلَّى وهانَ عليه الأمرُ، وقد أَشار الله تعالى إلى ذلك في قوله تعالى:{وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: 39]، مع أنكم لوِ اشتَرَكْتم في العذاب في الدنيا لهان عليكم.

فإن قال قائِل: إن أبا طالِب يَرَى نَفْسه أنه أشَدُّ الناس عذابًا؛ لأنه لو رأَى أنه أَقلُّهم يَعنِي: يَتَسلَّى به، فهل هذا يَعنِي أنه ما عَلِم بشَفاعة النبيِّ صلى الله عليه وسلم له أنه في هذا الضَّحضاح أم علِم، ولكنه يَرَى أنه أشَدُّ الناس.

قُلْنا: الظاهِر سواء أن علِم أو ما علِم هو يَرَى أنه أشَدُّ الناس، وكونه اللهُ تعالى أَعلَمه أنه كان يَستَحِقُّ الدَّرْك الأَسْفل من النار، ولكن له شَفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم قد يَكون اللهُ تعالى أَعلَمه بهذا؛ ليُعلِمه أن الله تعالى قد جازاه وكافَأَه على ما صنَع بالرسول عليه الصلاة والسلام وقد لا يَكون، والله تعالى أَعلَمُ.

(1) أخرجه البخاري: كتاب التفسير، باب {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} ، رقم (4772)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت، رقم (24)، من حديث المسيب بن حزن رضي الله عنه.

(2)

أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، رقم (6564)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب، رقم (210)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(3)

أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب أهون أهل النار عذابا، رقم (213)، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.

ص: 257