الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله تعالى: {غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} هذا الوَصفُ سَلبي وليس ثُبوتيًّا، واعلَمْ أنه لا يُوجَد في أوصاف القُرآن ما هو سَلْبيٌّ مَحض؛ لأن السَّلبيَّ المَحْض ليس فيه مَدْح، بل كل شيءٍ وُصِف به القرآن على وجه النَّفيِ فإن ذلك لكمال ضِدَّه؛ ولا بُدَّ أن يَتضَمَّن الكَمال أيضًا في قوله تعالى:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص: 3] لم يَلِد ولم يُولَد؛ لكَمال وحدانِيَّته.
فإذا قال تعالى: {غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} أي: لكَمال استِقامته، بَلْ قال الله تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]، {يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} فالقُرآن الكريم يَهدي للتي هي أَقومُ في أمور الدِّين وفي أمور الدُّنيا على وجهٍ ليس في اعوِجاج بوَجهٍ من الوُجوه؛ ولهذا قال تعالى:{غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} أي: لأَجْل أن يَتَّقوا، فبيَّن الله تعالى لنا بهذا القُرآنِ، وجعَله غيرَ ذي عِوَج من أَجْل تَقواه عز وجل.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: أن القُرآن عرَبيٌّ؛ أي: نازِلٌ بلُغة العرَب.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنه لا يُوجَد في القُرآن لفظٌ أَعجميٌّ؛ لأن الله تعالى وصَف القُرآن كلَّه بأنه عرَبيٌّ، وهذا يَقتَضي أن ليس فيه شيءٌ من لُغة العجَم، ولا شَكَّ أن هذا هو الواقِع، فليس في القُرآن لفظٌ أعجَميٌّ.
لكن اختَلَف العُلَماء المُفسِّرون رحمهم الله وغيرهم: هل في القُرآن كلِمةٌ أَصلُها أَعجَميٌّ ثُم عُرِّبت؟
فمِنهم مَن يَقول: نعَمْ. ومنهم مَن يَقول: لا. فالذين قالوا: نعَمْ. قالوا: هناك كلِمات في القُرآن الكريم لا تَنطَبِق عليها قواعِدُ اللغة العرَبية، ويَعنِي هذا أنها
أَعجَمية، وهذا لا يُنافِي أن يَكون القُرآن عرَبيًّا؛ لأن العرَب لمَّا عرَّبَتْها صارت عربيةً بالاستِعْراب، كما أن العرَب أصلُهم مُستَعرِبون، وإلَّا فلُغَة أبيهم إسماعيلَ عليه السلام ليسَتْ عرَبيَّة؛ ومنهم مَن قال: هذه الكلِماتُ التي هي كلِمات أَعجَميَّة إنما جاءت بلِسان العرب من باب تَوارُد اللُّغَتين، ولا مانِعَ أن تَتَوارَد اللُّغَتان على كلِمةٍ واحِدة.
والخِلاف في هذا قريبٌ من اللَّفْظي، وذلك لأنهم مُتَّفِقون على أنه لا يُوجَد في القُرآن لفظٌ أَعجَميٌّ هو أَعجَميٌّ حتى نُزول القرآن أبَدًا.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: بَيان حِكْمة الله عز وجل في إنزال القُرآن باللِّسان العرَبيِّ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بُعِث في قومٍ عرَبٍ، فكانت الحِكْمة أن يَكون لِسانه عرَبيًّا كما هو الشأن في جميع الرُّسُل، قال الله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4].
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن فَهْم المَعنَى مُعينٌ على التَّقوَى؛ لقوله تعالى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} وهذا أَمْرٌ واقِع، ففَهْم المَعنَى من أسباب التَّقوى؛ لأنه لو تَكلَّم لك إنسان بما لا تَفهَم مَعناه لم يُؤثِّر فيك شيئًا، إنما يُؤثِّر فيك ما تَفهَم مَعناه؛ ولهذا قال تعالى:{لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} .
ونَستَفيد من هذه الجُملةِ: ما استَفَدْنا من الجُملة السابِقة وهي قوله تعالى: {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} .