المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (29) * قَالَ اللهُ عز وجل: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا - تفسير العثيمين: الزمر

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الآية (1)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (2)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (3)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (4)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (5)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (6)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (7)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (8)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (9)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (10)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (11)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (12)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (13)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (14، 15)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (16)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (17، 18)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (19)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (20)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (21)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (22)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (23)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيات (24 - 27)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (28)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (30، 31)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (32)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (33)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (34)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (35)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (36)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (37)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (38)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (39، 40)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (41)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (42)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (43)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (44)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (45)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (46)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (47)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (48)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (49)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (50)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (51)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (52)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (53)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (54)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (55)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (56)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (57)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (58)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (59)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (60)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (61)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (62)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (63)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (64)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (65)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (66)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (67)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (68)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (69)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (70)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (71)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (72)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (73)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (74)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (75)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

الفصل: ‌ ‌الآية (29) * قَالَ اللهُ عز وجل: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا

‌الآية (29)

* قَالَ اللهُ عز وجل: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 29].

قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا} لما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الزمر: 27]، فبيَّن الله عز وجل هذا المَثَلَ العَظيم، فقال تعالى:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} أي: مُتَنازِعون مُختَلِفون كل واحِدٍ منهم يَقول: أنا صاحِبه، أنا الذي أُريد أن أَستَخْدِمه. وما أَشبَه ذلك، فهُم دائِمًا في نِزاع وفي خُصومة؛ لأن كل واحدٍ منهم يُريد أن يَنفَرِد به عن الآخَر.

والرجُل الثاني: {وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ} : {سَلَمًا} أي: سالِمًا لهذا الرجُلِ لا يَشرَكه فيه أحَدٌ.

فإن قال قائِل: بِمَ عرَفْتم أن {سَلَمًا} بمَعنَى: سالِمًا من الشُّرَكاء؟

قُلنا: عرَفْنا ذلك بذِكْر المُقابِل، وهو قوله تعالى:{فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} ؛ لأن الكلِمة تُعرَف بالسِّياق وبذِكْر المُقابِل، ومن أَبرَز مِثالٍ على ذلك قوله تبارك وتعالى:{فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} [النساء: 71].

ص: 217

فلو قال لك قائِل: ما مَعنَى: ثُبَاتٍ؟ لفَهِمْت مَعناها ممَّا بعدَها: {أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} ، فيَكون الثَّبات ضِدَّ المُجتَمِعين، أي: فُرادى: فانفِروا فُرادى أو انفِروا جميعًا.

وهذه من قواعِد التَّفسير أن يُعرَف تَفسير الكلِمة بذِكْر ما يُقابِلها.

إِذَنْ: يَجِب أن نَعرِف الفَرْق بين المملوك الذي فيه الشُّرَكاء المُتَشاكِسون والمملوك الذي ليس فيه شُرَكاءُ، ثُمَّ نَقيس عليه المُخلِص لله تعالى الذي يَعبُد الله تعالى وحدَه، والذي يَعبُد مع الله تعالى غيرَه؛ ولهذا قال تعالى:{هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} [هود: 24]، أي: هل يَستَوي رجُلان: أحدُهما فيه شُرَكاءُ مُتَشاكِسون والآخَر سَلَمٌ لرجُل؟ هل يَستَوِي هذان؟

الجَوابُ: لا، فالاستِفْهام حينئذٍ بمَعنَى النَّفيِ، يَعنِي: لا يَستَوِيان، والاستِفهام يَأتي لمَعانٍ كثيرة كما هو مَعروف في عِلْم البَلاغة، ولكنه إذا أَتَى في مَوضِع النفيِ فإنه يَكون مُشْربًا معنَى التَّحدِّي؛ لأنه لو قيل: لا يَستَوِيان لفَهِمنا انتِفاء استِوائِهما.

لكن إذا قيل {هَلْ يَسْتَوِيَانِ} فهِمنا أَمْرين:

الأمر الأوَّل: انتِفاء الاستِواء.

والأمر الثاني: التَّحدِّي.

ونَقول: هل عِندك شيء يُثبِت أنهما يَستَوِيان، فيَكون تَحويل النَّفيِ إلى استِفْهام أبلَغَ في النفي وبين {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا}؟ الجَواب: لا.

قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} حَمِد نَفْسه عز وجل لكَمال صِفاته وكَمال إنعامه، ومن إنعامه أنه يَضرِب الأَمْثال للناس في القُرآن لعلهم يَتَذكَّرون مع أنه عز وجل غَنيٌّ عنهم؛

ص: 218

ومَن كفَر فإن الله تعالى غَنيٌّ عن العالَمِين كلِّهم، لكن رحمته تَأبَى إلَّا أن يُبيِّن لعِباده ما يَحتاجون إليه في أمور دِينهم ودُنياهم، ولهذا قال بعد هذا البَيانِ التامِّ في المثَل:{الْحَمْدُ لِلَّهِ} .

وقوله تعالى: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} وحرف {بَلْ} هنا للإِضْراب الانتِقالي، والإضراب له مَعنَيان:

المَعنَى الأوَّل: إضراب انتِقالي يَعنِي: يَنتَقِل من شيء إلى آخَرَ.

والمَعنَى الثاني: إضراب إِبْطالي، يَعنِي: يُبطِل الأوَّل ويُثبِت الثانيَ.

فإذا قلت: ما قام زَيْدٌ بل عَمرٌو؟ فهذا إضراب إبطال، أي: أَبطَلت الأوَّل وأَثبَتَّ الثانيَ؛ وفي قوله تعالى: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل: 66]، هذا انتِقال من مَعنًى إلى مَعنًى أشَدَّ منه.

وفي هذه الآيةِ: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} إضراب انتِقال؛ لأنه لم يَسبِق شيءٌ أَبطَلته.

وقوله تعالى: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} والمُراد بـ (أَكثَرُهُمْ) هنا: أكثَرُ الناس، كما جاء ذلك في آياتٍ أُخرى:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ؛ وانتِفاء العِلْم هنا لانتِفاء لازِمه: العمَل والامتِثال، فأَكثَرُ الناس في جَهْل، وأَكثَرُ الناس في غَيٍّ؛ في جَهْلٍ لا يَعرِفون الحقَّ، وفي غَيٍّ لا يَقبَلون الحقَّ، ولا يَعمَلون به، وكلُّهم يَصِحُّ أن نَنفيَ عنه العِلْم، أمَّا من كان في جَهْلٍ فنَفْي العِلْم عنه واضِحٌ، وأمَّا مَن كان في غَيٍّ مع العِلْم فنَفيُ العِلْم عنه لأنه لم يَنتَفِع به ولم يَعمَل به.

يَقول المُفَسِّر رحمه الله: [{ضَرَبَ اللَّهُ} للمُشرِك والمُوحِّد مثَلًا]، وتَقييد

ص: 219

المُفَسِّر رحمه الله بالمُشرِك والمُوحِّد واضِح؛ لأن المثَل المَضروب وهو العَبْد المملوك بين شُرَكاءَ والعَبْد الخالِص يَنطَبِق تمامًا على المُشرِك والمُوحِّد.

وقوله تعالى: [{رَجُلًا} بدَل من {مَثَلًا}]، والبدَل يَقول فيه ابنُ مالِكٍ رحمه الله:

التَّابِعُ المَقْصُودُ بِالحُكْمِ بِلَا

وَاسِطَةٍ ....................... (1)

فقوله: (التَّابِعُ المَقْصُودُ بِالْحُكْمِ) خرَج به بقيَّة التَّوابِع؛ وقوله: (بِلَا وَاسِطَةٍ) خرَج به المَعطوف بـ (بَلْ)، فإن المعطوف بـ (بَلْ) إذا كان للإِضْراب الإبطاليِّ فإنه يَكون هو المَقصودَ بالحُكْم، لكنه بواسِطة فلا يُسمَّى: بدَلًا، فهنا قال تعالى:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا} ، فلو حذَف (مثَلًا)، وقال: ضرَب الله رجُلًا. يَصِحُّ الكلام؛ لأن المَقصود هو كلِمة رجُل، وأنت لو قُلت: رأيت مُحمدًا علِيًّا. عليًّا بدَل؛ لأن المَقصود هو عليٌّ إذا خاطَبني مُخاطِب وقال: رأَيْت عليًّا مُحمَّدًا عرَفْت أنه أَراد محمَّدًا ولم يُرِد عليًّا؛ لأن محمدًا بدَل من عليِّ.

والبدَل هو المَقصود بالحُكْم، لكن قد يَكون سببُه الغلَطَ، وقد يَكون سببُه النِّسيان، أو غير ذلك من الأسباب.

المُهِمُّ: أن البَدَل هو ما حدَّهُ ابنُ مالِكٍ رحمه الله بقوله:

التَّابِعُ المَقْصُودُ بِالحُكْمِ بِلَا

وَاسِطَةٍ هُوَ المُسَمَّى بَدَلَا

يَقول المُفَسِّر رحمه الله: [{فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} مُتَنازِعون سَيِّئةٌ أَخلاقُهم] أُخِذ سُوءُ الخُلُق من قوله تعالى: {مُتَشَاكِسُونَ} ؛ لأن المُشاكَسة تُنبِئ عن سُوء الخُلُق إذ إن حُسْن الخُلُق يَتَنازَل عن حقِّه، ولو كان في ذلك أَذِيَّة له أو ضرَر عليه؛ لأن حُسْن

(1) الألفية (ص 49).

ص: 220

أخلاقه تَتَغلَّب على أَخْذه بحَقِّه.

وهكذا يَنبَغي للإنسان أن يَكون حسَن الأخلاق وأن يَتَغاضى عن بعض حَقِّه، ولو كان في ذلك أذيَّةٌ لنَفْسه، وأنه إن قالت له نَفْسه: إن تَواضُعَك وعَفوَك عن حقِّك ذُلٌّ لك. لِيَعلَمْ أن هذا من وَساوِس الشَّيْطان؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَنْ تَوَاضَعَ للهِ رَفَعَهُ اللهُ"(1)، فلا تَغلِبك نَفْسك وتَأخُذك العِزَّة بالإِثْم فتَقول: لا يُمكِن أن أَسكُت عن هذا الرجُلِ - وأنا مَن أنا! - حتى يَعتَدِيَ عليَّ أنا فلانُ ابنُ فلان. فلْيَعلَم أن هذا من الشَّيْطان، ويَتذَكَّر قوله تعالى:{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40]، وقوله تعالى {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا} أي: ما يُوفَّق لها {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34 - 35].

وقول المُفَسِّر رحمه الله: [(ورَجُلًا سالِمًا لرجُل)] قوله: (سالِمًا) هي قِراءة، والمُفسِّر رحمه الله فسَّر عليها، والسالِم يَعنِي: الخالِص كما فسَّرَها خالِصًا لرجُل {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} يَقول: (مثَلًا) تَمييز.

والتَّمييز هو من مَيَّز إذا بَيَّن، وقد حدَّه ابنُ مالِكٍ رحمه الله في الألفية فقال:

اسْمٌ بِمَعْنَى (مِنْ) مُبِينٌ نَكِرَهْ

يُنْصَبُ تَمْيِيزًا بِمَا قَدْ فَسَّرَهْ (2)

ومِثاله: قولهم: تَصبَّب زيدٌ عرَقًا. فعرَقًا هذه تَمييز، بتَطبيقها على التَّعريف نَجِد أنها اسمٌ بمَعنى (مِن)؛ لأنك تَقول: تَصبَّب من العرَق. و (مُبينٌ) أي: مُفسِّر لكلِمة

(1) أخرجه مسلم: كتاب البر والصلة، باب استحباب العفو والتواضع، رقم (2588)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

الألفية (ص 34).

ص: 221

(تَصبَّب)؛ لأن (تَصبَّب) لا نَدرِي تَصبَّب دمًا أم تَصبَّب ماءً، أم تَصبَّب عرَقًا، فبيَّن المُتصَبِّب وهو نَكِرة.

قال المُفَسِّر رحمه الله: [ومَعنَى الآية أنه لا يَستَوِي العبد لجَماعةٍ والعَبْد لواحِد، فإن الأوَّل إذا طلَب منه كُلٌّ من مالِكيه خِدْمته في وقتٍ واحِد تَحيَّر فيمَن يَخدُمه منهم]؛ فقوله رحمه الله: [لا يَستَوي] بيَّنَ رحمه الله أن الاستِفْهام في قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِيَانِ} للنَّفيِ حيث فسَّره بنَفيٍ أيضًا.

وقوله رحمه الله: [لا يَستَوِي العَبْد لجَماعة والعَبْد لواحِد] صحيح، لأنه لا يَستَوِي العَبْد لواحِد يَتصَرَّف فيه متى شاء، فمتى شاء قال: اخدُمْني. ومتى شاء قال: استَرِحْ. ومتى شاء باعَهُ، ومتى شاء أَجَّره، لا يَستَوِي العبد لجماعة مُتَشاكِسين أخلاقُهم سَيِّئة، تَنازُعُهم دائِمٌ، فلو قال أحَدهم: تعالِ اخْدُمْني. وقال الثاني: اخدُمْني أنا. وقال الثالِث: اخدُمْني أنا. وقال الرابعُ: اخدُمْني أنا!! صار أحَدُهم أخَذ باليَد اليُمنى والثاني باليَد اليُسرى والثالِث بالرِّجْل اليُمنى والرابِع بالرِّجْل اليُسرى، ثُم مزَّعوا العبد؛ لأن كلَّ واحِد يُريد أن يَكون عنده هو الذي يَخدُمه.

كذلك أيضًا في البيع لو أَراد أحدُهم: قال أنا أُريد بَيعَه. وقال الثاني: لا أُريدُه. والثالِثُ قال: أنا أُريد تَأجيرَه. والرابِعُ قال: أُريد إعارَتَه؛ فدائِمًا في نِزاع وشِقاق، فالعَبْد نَفسُه في قلَق وفي حَيْرة وفي بلاء، والشرَكاء أيضًا كذلك مُتَشاكِسون دائِمًا، لا يُمكِن أن يَستَوِيَ هذا مع رجُل، وهذا لا شَكَّ أنه مثَل تَقريبي، وإلَّا فالفَرْق عظيم بين عِبادة الله عز وجل وعِبادة غيرِه معَه، فالله تعالى أَعظَمُ، ولكنه يُقرِّب هذا للعِباد كما قرَّب المَعاد بالماء يَنزِل من السَّماء ثُم تَنبُت به الأرض، إذ يَبقَى نبات الأرض بعد نُزول المطَر مُدَّة حسَب الأرض وحسَب كَثْرة المطَر وحسَب الجَوِّ المُناسِب وحسَب

ص: 222

الفَصْل، لكن يَبقَى البَعْث؛ قال تعالى:{فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات: 13، 14].

فالأَمثال قد لا تَكون مُطابِقة تَمامًا، فقد يَكون مَورِد المثَل أَسرَعَ من المثَل لكن يُذكَر على سَبيل التَّقريب، ولا شَكَّ أن عِبادة الله عز وجل وحدَه وعِبادة غيره معه بينهما فرقٌ أعظَمُ من الفَرْق بين الرجُل السالِم للرَّجُل والرجُل المُشتَرَك بين شُركاءَ مُتَشاكِسين.

يَقول المُفَسِّر رحمه الله: [هذا مثَل للمُشرِك والثاني مثَل للمُوحِّد] والمُراد بالثاني (رجُلًا سالِمًا لرجُل) هذا للمُوحِّد والأوَّل للمُشرِك؛ والمَقصود من ضَرْب هذا المثَلِ هنا: التَّحذير من الشِّرْك بالله عز وجل.

ثُم اعلَمْ أن الشُّرَكاء في العَبْد مُتَشاكِسون، لكن مع الله عز وجل يَقول الله تعالى في الحَديث القُدسيِّ:"أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ"(1)؛ لأن الشُّرَكاء المُتَشاكِسين لا يُمكِن أن يَتَنازَل أحَدُهم عن نَصيبه، لكن الشِّرْك بالله تعالى يَدَع اللهُ تعالى المُشرِكَ وشِرْكَه:"مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ".

ولهذا قال: [{الْحَمْدُ لِلَّهِ} وحدَهُ]، وإذا كان الحَمْد له وحدَه وجَبَ أن تَكون العِبادة له وحدَهُ؛ لأنه أَهْل الحَمْد وأهل العِبادة سبحانه وتعالى، فهو وحدَه المُستَحِقُّ لأن يُعبَد.

قال المُفَسِّر رحمه الله: [{بَلْ أَكْثَرُهُمْ} أي: أهل مَكَّةَ {لَا يَعْلَمُونَ} ما يَصيرون

(1) أخرجه مسلم: كتاب الزهد، باب من أشرك في عمله غير الله، رقم (2985)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 223