المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (74) * قَالَ اللهُ عز وجل: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي - تفسير العثيمين: الزمر

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الآية (1)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (2)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (3)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (4)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (5)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (6)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (7)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (8)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (9)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (10)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (11)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (12)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (13)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (14، 15)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (16)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (17، 18)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (19)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (20)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (21)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (22)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (23)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيات (24 - 27)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (28)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (30، 31)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (32)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (33)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (34)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (35)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (36)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (37)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (38)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (39، 40)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (41)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (42)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (43)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (44)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (45)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (46)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (47)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (48)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (49)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (50)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (51)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (52)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (53)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (54)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (55)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (56)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (57)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (58)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (59)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (60)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (61)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (62)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (63)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (64)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (65)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (66)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (67)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (68)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (69)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (70)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (71)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (72)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (73)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (74)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (75)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

الفصل: ‌ ‌الآية (74) * قَالَ اللهُ عز وجل: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي

‌الآية (74)

* قَالَ اللهُ عز وجل: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [الزمر: 74].

قال المُفَسِّر رحمه الله: [{وَقَالُوا} عُطِف على (دَخَلوها) المُقدَّر]، فعلى كلام المُفَسِّر رحمه الله:{وَقَالُوا} الواو حَرْف عَطْف، والفِعْل (قالوا) مَعطوف على (دَخَلوها)، والصوابُ أن الواو للاستِئْناف، وأنهم بعد أن دخَلوا واستَقَرُّوا قالوا هذا الكلامَ.

وقوله رحمه الله: [{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} بالجَنَّة] حمَدوا الله عز وجل هنا على إنعامه وعلى كَماله؛ لأنَّ صِدْق اللهِ تعالى إيَّاهم وعدَه بالجَنَّة يَتَضمَّن شَيْئين:

الشيء الأوَّل: وَصْف الله تعالى بالصِّدْق، وهذا حَمْد له على كَمال صِفَته.

والثاني: تَحقيق ذلك لهم، أي: أنه حَقٌّ لهم فيَكون حمدًا على الشُّكْر.

فحَمْدهم اللهَ تعالى الآنَ على أَمْرين: على الكَمال وعلى الإِفْضال:

الأوَّل: الكَمال في صِفاته، والصِّفة هنا الصِّدْق، قال تعالى:{الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} ، ولا شَكَّ أن الصِّدْق كَمال.

الثاني: الإِفْضال، حيث أَسكَنَهم الجَنَّة.

ص: 505

فيَكون الحَمْد هنا شامِلًا للأَمْرين؛ لأنَّ الله تعالى يُحمَد على ما لَهُ من صِفات الكَمال، وعلى ما له من تمَام الإِفْضال.

وقوله تبارك وتعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} : (صدَق) المُخفَّف غير (صَدَّق) المُشدَّد؛ لأن (صدَق) يَعنِي: أَخبَر بالصِّدْق، و (صدَّق) صدَّق مَن أَخبَر بالصِّدْق، يُقال: حدَّثني فصدَقني. المَعنَى: أَخبَرَني بالصِّدْق، ويُقال: حدَّثْتُه فصدَّقَني. يَعنِي قال: إني صادِق؛ قال الله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} ، فالذي جاء بالصِّدْق هو الذي صدَق، وصدَّق مَن أَخبَر بالصِّدْق.

قوله رحمه الله: [{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} بالجَنَّة {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ} أي: أرضَ الجَنَّة {نَتَبَوَّأُ} نَنزِل {مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ}؛ لأنها كلها لا يُختار فيها مَكان على مَكان]، قوله تعالى:{وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ} أي: جعَلنا نَرِثها، والأرض هنا دخَلَت عليها (أل)، فهلِ المُراد بها الأرض المَعهودة، أو المُراد بها أرضُ الجَنَّة؟

يَرَى المُفسِّر رحمه الله أن المُراد بها أرض الجَنَّة، وهذا التَّفسير يَرِدُ عليه أَمْرانِ:

الأَمْرُ الأوَّلُ: أن الأرض إذا أُطلِقت فهي الأرضُ المُقابِلة للسَّماء، وهي أَرْضنا هذه.

الأمرُ الثاني: أنه تعالى قال: {نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ} ، وكان مُقتَضى السِّياق إذا كانت الأرض هي الجَنَّة أن يُقال:(وأَوْرَثنا الأرض نَتبَوَّأ منها حيثُ نَشاءُ)، فلا يَأتي بالظاهِر؛ لأنَّ الظاهِر في هذا المَكانِ لا مَعنَى له.

وعلى هذا فالقولُ الصحيح: إن المُراد بالأَرْض هنا الأرضُ المُقابِلة للسماء، فتَكون (أل) هنا للعَهْد، أيِ: العَهْد الذِّهْنيِّ، لا الحُضورِيِّ، ولا الذِّكْريِّ.

ص: 506

فإذا قال قائِل: كيف أَوْرَثهمُ الأرضَ؟

نَقول: أوَّلًا: أن الله تعالى قال في كِتابه: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105]، فتَوريث الله تعالى الأَرْض للمُؤمِنين في الدُّنيا: أنهم يُقاتِلون الكُفَّار ويَستَوْلون على أراضيهم.

ثانيًا: أن وُجودهم على الأرض وسُكْناهم فيها وعُمرانهم إيَّاها كالميراث بالنِّسبة للكُفَّار؛ وذلك لأنَّ الكُفَّار لا يَتَمتَّعون بنِعْمة في الدنيا إلَّا كانت عليهم نِقْمة.

فاللُّقْمة إذا رفَعَها الكافِر إلى فمِه يُعاقَب عليها؛ لأن الله تعالى قال: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93]، فمَفهومه: أن مَن لم يَكُن كذلك فعليه جُناح فيما طَعِم.

ويَقول عز وجل في اللِّباس: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف: 32]، فالكُفَّار ليسَتْ لهم في الدنيا ولا خالِصةً لهم يوم القيامة، فهم يَكتَسون بغير حَقٍّ؛ لأنهم يَتَنَعَّمون بنِعْمة الله تعالى ويَكفُرون بالله تعالى.

على كل حال نَقول: إِيراثُ الأرض في الدنيا: ما يَستَولِي عليه المُسلِمون من أراضِي الكُفَّار؛ وإِيراثٌ آخَرُ: أن وُجودهم على الأرض بحَقٍّ، ووجود الكُفَّار بغير حقًّ، لكن الله تعالى أَبقاهم لحِكْمة.

وقوله تعالى: {نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} ظاهِره: أي: نَسكُن حيث نَشاءُ، وهذا ليس على ظاهِره، بمَعنَى أن الإنسان الذي في أَدْنى الجَنَّة نُزُلًا لا يَستَطيع أن يَصعَد إلى أعلى شيءٍ، قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام:"إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ الْغُرَفَ"

ص: 507

يَعنِي: التي فَوْقَهم "كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابرَ فِي الْأُفُقِ"(1)، يَعنِي: بعيدًا وله إِضاءة، وقال تعالى:{لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ} [الزمر: 20].

ولكن يُقال في تَوجيه هذه الآيةِ الكَريمة {حَيْثُ نَشَاءُ} :

الوَجهُ الأوَّلُ: إمَّا أن المَعنَى: نَتَبوَّأ من الجَنَّة حيث نَشاء في الدُّنيا، يَعنِي: نَعمَل في الدُّنيا ما نَشاءُ من الأعمال التي تُبوِّئُنا النُّزُل التي هي ثوابٌ لأعمالنا، ففي الدنيا قد يَكون الإنسان مع الأبرار الأخيار، وقد يَكون مع المُقتَصِدين، وقد يَكون من الظالمِين أنفسَهم؛ قال تعالى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: 32]، فالإنسان في الدُّنيا يُمكِن أن يَتَبوَّأ من الجَنَّة حيث يَشاءُ بأعماله الصالِحة المُختَلِفة، فهو إمَّا: ظالِم لنَفْسه، أو مُقتَصِد، أو سابِقٌ بالخَيْرات.

الوجهُ الثاني: أن نَقول: {حَيْثُ نَشَاءُ} أن كل واحِد من أهل الجَنَّة لا يَشاء سِوى الذي هو فيه، يَعنِي: لا يَقَع في قَلْبه أن يَتَمنَّى أنه فوقُ، بل هو مُطمَئِنٌّ تمَامًا في مكانه الذي هو فيه؛ لقول الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف: 107، 108]، يَعنِي: لا يَطلُبون تَحوُّلًا، كل واحد منهم راضٍ بما هو فيه، ولا يَرَى أن أحَدًا أَنعَمَ منه، حتَّى لو رآه حِسًّا لم يَرَه قَلْبًا؛ لأنَّه لو رأَى أحَدًا من الناس أعلى منه لكان في قلبه شيءٌ من الحَسْرة واللَّوْعة، وهذا مُنتَفٍ في الجَنَّة.

(1) أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، رقم (6556)، ومسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب ترائي أهل الجنة أهل الغرف، رقم (2831)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

ص: 508

ويَقول المُفَسِّر رحمه الله: [لأنها كلها لا يُختار فيها مَكان على مَكان]، فجَنَح المُفَسِّر رحمه الله إلى الاحتِمال الثاني: أن كل إنسان في مَكانه لا يَخْتار مَكانَ غيره.

فإن قال قائِل: قال الله تعالى: {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} لماذا لم يَقُل: (ونَتبَوَّأ)؛ ليَكون العَطْف يَقتَضي المُغايَرة؟

فالجَوابُ: أنه يُقال: إن جُمْلة (نَتَبَوَّأ) حال، {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ} يَعنِي: حالَ كَوْننا مُتَبوَّئِين، وهي حال مُقدَّرة، والحال المُقدَّرة هي التي يَتَّصِف بها صاحِبها بعدُ، يَعنِي: لا حال الفِعْل أو حال التَّلبُّس بها، فنَقول: الحال هنا صحيح أننا لسنا نَتَبوَّأ من الجَنَّة في نَفْس الدُّنيا، لكنها حال مُقدَّرة، والحال المُقدَّرة هي أن الحال تَقَع بعد عامِلها؛ وتَقدَّم أنَّه يَمتَنِع أن تَكون أرض الجَنَّة لشَيْئين.

وقوله: [{فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} الجَنَّةُ]: [الجَنَّةُ] بالضَّمِّ على أنَّها مَخصوص، والفاعِل {أَجْرُ} ، و (نِعْمَ) و (بِئْسَ) يَحتاجان إلى شَيْئين: فاعِل ومَخصوص، الفاعِل واضِحٌ والمَخصوص يَكون محَذوفًا في الغالِب.

وقوله تعالى: {فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} : (نِعْمَ) فِعْل جامِد لإِنْشاء المَدْح، والأجر هنا بمَعنَى الثواب، ولكن الله تعالى سمَّاه أَجْرًا تَفضُّلًا منه ومِنَّةً، كأننا استَحْقَقنا ذلك وجوبًا كما يَستَحِقُّ العامِل أُجْرته وجوبًا.

فإن قال قائِل: وهل يَجِب على الله تعالى أن يُثيبَنا؟

فالجَوابُ: يَجِب بوَعْده فإنه وَعَد أن يُثيبَنا، وما وَعَد به فإنه لا يُمكِن إخلافُه.

إِذَن: فالوُجوب هنا ليس منَّا على الله تعالى، بل مِن الله تعالى على نَفْسه؛ قال تعالى:{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 54].

ص: 509

فتَسمية الثواب أَجْرًا من باب تفضُّل الله عز وجل أنَّه جَعَل هذا الثوابَ على نَفْسه كالأُجْرة للعامِلِ الأجرةَ الثابتةَ اللازمةَ، فكذلك ثواب المُحسِن أَجْر ثابِت واجِب على الله تعالى بإيجابه هو سبحانه وتعالى على نفسه تَفضُّلًا منه وإحسانًا.

وفي مثل هذا يَقول ابنُ القيِّم رحمه الله:

مَا لِلْعِبَادِ عَلَيْهِ حَقٌّ وَاجِبٌ

هُوَ أَوْجَبَ الْأَجْرَ الْعَظِيمَ الشَّانِ

إِنْ عُذَّبُوا فَبِعَدْلِهِ أَوْ نُعِّمُوا

فَبِفَضْلِهِ وَالْفَضْلُ لِلْمَنَّانِ (1)

إذَنْ: فهو سبحانه وتعالى الذي مَنَّ علينا - في الواقِع - مَرَّتين:

المرَّة الأُولى: بتَوفيقنا للعمَل.

والمرَّة الثانية: بجَزائِنا على هذا العمَلِ الحسَنةَ بعشَرة أمثالها.

وانظُرْ إلى الفَضْل أيضًا والمِنَّة الثالِثة: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60]، فكأننا نحن الذين أَحسَنَّا فأَحْسَن إلينا، مع أن الإحسان لله تعالى أوَّلًا وآخِرًا، فالحمدُ لله ربِّ العالَمين.

وقوله تعالى: {فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} قد يَكون كلامًا مُبتَدَأً من الله تعالى، وقد يَكون بقيةَ كلام أهل الجَنَّة حين قالوا:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} ؛ فإن كان من أهل الجَنَّة فهو زِيادة ثَناء على الله عز وجل، وإن كان من الله تعالى ابتِداءً فهو حَثٌّ لنا على أن نَعمَل هذا العمَلَ الذي يَكون هذا جَزاءَه.

(1) النونية (ص 208 - 209).

ص: 510