الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأشياء التي تُعتَبَر حَسَناتٍ حتى نَعمَلها، وتُعتَبَر سَيِّئاتٍ حتى نَتَجنَّبها، وحينئذٍ يَكون رُجوعنا إليه عز وجل رُجوعًا عن بَصيرة لا حُجَّةَ لنا في مُخالَفته.
فقوله رحمه الله: [{قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} أي: هو مُختَصٌّ بها] أخَذَ المُفَسِّر رحمه الله [هو مُختَصٌّ بها] من الحَصْر وهو تَقديم الخبَر [وهو مُختَصٌّ بها فلا يَشفَع أحَدٌ إلَّا بإِذْنه]، وهذا أحَدُ شَرْطَيِ الشفاعة. والثاني: رِضا الله تعالى عن الشافِع ورِضاه عن المَشفوع، قال تعالى:{لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ، وقد ذكَر عُموم مِلْكه وانفِراده بالمِلْك بعد ذِكْر الشفاعة؛ لأن الشَّفاعة من المِلْك في الواقِع، فهي داخِلة في عُموم مِلْك الله تعالى للسمَوات والأرض {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ولم يُفسِّرها لوُضوحها.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: إثبات الشفاعة؛ لقوله تعالى: {لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} ، ووجهُ إثباتها: أنه لولا وُجودها ما صَحَّ أن يَقول تعالى: {لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} .
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: الردُّ على المُعتَزِلة والخوارِج؛ لأن المُعتَزِلة والخوارِج يُنكِرون الشفاعة في أهل الكَبائِر - سواءٌ دخَلوا النار أم لم يَدخُلوها -، وذلك لأن أهل الكَبائر عند المُعتَزِلة والخوارِج مُخلَّدون في النار، لكنهم عند الخَوارِج كُفَّار، وعِند المُعتزِلة لا مُؤمِنون ولا كافِرون، بل في مَنزِلةٍ بين مَنزِلتين.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إثبات شَفاعات مُتعدِّدة؛ لقوله تعالى: {جَمِيعًا} ؛ لأن (جَميعًا) تَقتَضي أن يَكون هناك شيء مَجموع.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنه لا أحدَ يَشفَع إلَّا بإذْن الله تعالى، ووجهُه: أنه إذا كانت الشَّفاعة خاصَّةً بالله فإنها لا تَكون إلَّا منه وإليه.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: إثبات مُلْك الله تعالى للسَّموات والأرض، وانفِراده بالمُلْك؛ لقوله تعالى:{لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} .
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: إثبات البَعْث والرجوع إلى الله تعالى؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} .
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: الإنذار والبِشارة؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ، فإن المُؤمِن يُسَرُّ بلِقاء الله تعالى بلا شَكٍّ، ويُحِبُّ لِقاء الله تعالى، والكافِر بالعكس، وقد قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام:"مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ"(1)، فإذا علِمنا أننا نَرجِع إلى الله تعالى فإننا نُحِبُّ لِقاء الله تعالى، والكافِر يَكرَه لِقاء الله تعالى.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: أن الله سبحانه وتعالى يَذكُر الشيء مُنذِرًا بلازِمه؛ لأن مُجرَّد الرجوع ليس فيه شيء يُذكَر، لكن المُراد الرجوع الذي يَحصُل به الحِساب والجَزاء.
(1) أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، رقم (6507)، ومسلم: كتاب الذكر والدعاء، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، رقم (2683)، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.