الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (52)
* قَالَ اللهُ عز وجل: {أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الزمر: 52].
ارتباط هذه الآيةِ بما قبلها ظاهِر؛ لأنه تَكلَّم عن الإنسان إذا أَصابه الضُّرُّ، وإذا أَصابته النِّعْمة، ثُم عقَّب ذلك بأن هذا الأمرَ كلَّه بيَدِ الله تعالى.
وقوله تعالى: {أَوَلَمْ} الهمزة هنا للاستِفْهام، والواو حرف عَطْف، والمعطوف عليه إمَّا أن يَكون مَحذوفًا ويُقدَّر بما يُناسِب المَقام، وإمَّا أن يَكون على ما سبَقَ، فإذا قُلْنا: إنه ما سبَق كانت الهَمزةُ في تَقدير التأخير عن حَرْف العَطْف، والتَّقدير: وألَمْ يَعلَموا، وإذا قُلنا بالأوَّل صارَتِ الهَمزةُ داخِلةً على مَحذوف تَقديرُه: أجِهلوا ولم يَعلَموا.
وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ} : {يَبْسُطُ} يَعنِي: يُوسِّع و {الرِّزْقَ} العَطاء.
وقوله تعالى: {لِمَنْ يَشَاءُ} لمَن يَشاء أن يُوسِّعه له امتِحانًا لهذا الشخصِ الذي بَسَط له.
وقوله تعالى: {وَيَقْدِرُ} يَعنِي: يُضيِّق امتِحانًا أيضًا؛ لأن الضِّيق فيه امتِحان، والسَّعة فيها امتِحان، لكن الغالِب عند الناس في العُرْف: أن الضِّيق يُسمَّى ابتِلاءً،
أي: بلاء، وأمَّا التَّوْسِعة فهي امتِحان مع أن الابتِلاء بمَعنَى الامتِحان، فإن الإنسان يُبتَلى فيما يُبتَلى به ليَمتَحِنه الله عز وجل هل يَصبِر أو يَتضَجَّر، وأمَّا ما ابتَلَى الله تعالى به من النِّعَم فهو هل يَشكُر أو يَكفُر.
وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ} المُشار إليه البَسْط والتَّضييق، و {لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي: علامات على أن الله تعالى وحدَه هو المُتصَرِّف؛ ولهذا نَجِد بعض الناس يَكون عنده حِذقٌ في البَيع والشِّراء وتَحصيل المال، وعنده قُدرة، وعنده قُوَّة، ولكن يُضيَّق عليه، ونَجِد بعض الناس دون هذا، يَعنِي: أنه لا يَهتَمُّ بالأمور، وليس عنده ذاك الحِذقُ فيُوسِّع الله تعالى عليه، وهذا يَدُلُّ على أن الله عز وجل هو المُتَصرِّف في عِباده يُوسِّع على هذا ويَقدِر على هذا، ولكن لا يَعنِي هذا أننا لا نَفعَل الأسباب، كما سنَذكُر - إن شاء الله تعالى - في الفوائِد.
وقول المُفَسِّر رحمه الله: [{أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ} يُوسِّعه {لِمَنْ يَشَاءُ} امتِحانًا {وَيَقْدِرُ} يُضيِّقه لمَن يَشاء ابتِلاءً].
والحَقيقة أن التَّوسيع والتَّضييق كِلاهما امتِحان، وكِلاهما ابتِلاء، قال الله تعالى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35]، لكن مشَى المُفَسِّر رحمه الله على هذا من باب اختِلاف التَّعبير والمَعنَى واحِد.
وقوله رحمه الله: [{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} به] أي: بهذا البَسطِ والتَّضييق، فمَن آمَن بذلك - أي: بالله عز وجل وببَسْطه وتَضيِيقه - عرَف بذلك حِكْمة الله سبحانه وتعالى.