الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله رحمه الله: [{أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} الشِّرْكَ]{أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} أتَى باسْمِ الإشارة للبَعيد لعُلوِّ مَرتَبتهم ولم يَقُل: هؤلاءِ. بل قال تعالى: {أُولَئِكَ} و {أُولَئِكَ} يُشار بها للبَعيد، وإنما أُشير لها إشارة البَعيد مع دُنوِّ التَّحدُّث عنهم؛ لعُلوِّ مَرتَبتهم.
وقول المُفَسِّر رحمه الله: [{الْمُتَّقُونَ} الشِّرْكَ] من أَغرَب ما يَكون؛ لأن الحديث الآنَ عن الصِّدْق والتَّصديق بالصِّدْق، فأين الشِّرْك؟ فإنه لم يَتَقدَّم له ذِكْر، ولو أَرَدْنا أن نُخصِّص لقُلْنا: أُولئِك هُمُ المُتَّقون الكذِبَ والتَّكذيبَ بالحقِّ، مع أن الذي يَدُلُّ عليه الدليلُ: أن المَعنَى: أُولئك هُمُ المُتَّقون اللهَ تعالى، وذلك لأن التَّقوى إذا أُطلِقَت فإنما يُراد بها تَقوى الله تعالى، أمَّا إذا قُيِّدت فهي حَسبما قُيِّدت به، فقوله تعالى:{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281] هذا لليومِ، وقوله سبحانه وتعالى:{وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: 131] هذا للنَّار.
وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} هذا لله تعالى؛ وعند الإِطْلاق لله تعالى؛ لأن الله تعالى أحقُّ أن يُتَّقى عز وجل؛ فهنا نَقول: ({أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} الله)؛ ولهذا جاؤُوا بالصِّدْق وصدَّقوا به تَقوَى لله عز وجل.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: الثَّناء علي مَن قال بالصِّدْق، والصِّدْق واجِب، والكذِب مُحرَّم، وقد يَقول قائِل: إنه من كَبائِر الذُّنوب؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم جعَله من آيات النِّفاق (1)، والمُنافِق ليس من المُؤمِنين؛ فلو قال قائِل: إن الكذِب من كبائِر الذُّنوب لم يَكُن قوله بعيدًا.
(1) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب علامة المنافق، رقم (33)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق، رقم (59)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: الثَّناء على مَن صدَّق بمَن قامَتِ البيِّنة على صِدْقه فصدَّق بالصِّدْق، وأمَّا مَن لم يُصدِّق بما يَشُكُّ فيه فلا حرَجَ عليه، والأخبار التي تَرِد على المرء تَنقَسِم إلى ثلاثة أقسام:
الأوَّل: ما دلَّ الدليل على صِدْقه فيُصدَّق.
الثاني: ما دلَّ الدليل على كذِبه إمَّا لكون ناقِله معروفًا بالكذِب، وإمَّا لكونه مُستَحيل الوقوع، أو ما أَشبَه ذلك، فهذا يُكذَّب، ولا حرَجَ على مَن كذَّبه.
الثالِث: ما يَحتَمِل الصِّدْق ويَحتَمِل الكذِب، فهذا يُتَوقَّف فيه، ولا يُرَدُّ؛ لعدَم القيام على رَدِّه ولا يُقبَل لعدَم قيام الدَّليل على قَبوله.
ودليلُ هذا القِسمِ قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].
ولهذا في الآيات التي قبلَ هذه قال تعالى: {وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ} وهنا قال: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} فذَمَّ الأوَّلَيْن وأَثنَى على الآخَرَيْن.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن الصِّدْق من التَّقوَى، وتَصديق مَن قامت البَيِّنة على صِدْقه هو أيضًا من التَّقوى؛ لقوله تعالى:{أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} .
الْفَائِدَةُ الرَّابعَةُ: ومن فوائِدها الأُصولية: أن المَوْصول من صِيَغ العُموم؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} .