الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمُتكبِّر فسَّره أَعلَمُ الناس به مُحمَّدٌ صلى الله عليه وسلم في قوله: "الْكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ"(1)؛ فالمُتكبِّرون هم الذين يَرُدُّون الحقَّ ويَعْلُون على الخَلْق، هؤلاء همُ المُتكَبِّرون.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: أن هؤلاءِ المُكذِّبين إذا وصَلوا جَهنَّمَ كأنهم - واللهُ أَعلَمُ - يَتَردَّدون أو يَتَوقَّفون، فيُقال لهم إهانةً:{ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ} ، ففيه: إهانة هؤلاء الكافِرين عند دُخولهم جهنَّمَ، حيث يُقال:{ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ} .
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: إثبات الخُلود - أي: خُلود أهل النار فيها -؛ لقوله تبارك وتعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا} .
أمَّا كون هذا الخُلودِ مُؤبَّدًا أو إلى أمَد، فهو مُؤبَّدٌ، دلَّ عليه آياتٌ ثلاثة من كِتاب الله تعالى: في سورة النِّساء، وفي سورة الأحزاب، وفي سورة الجِنِّ:
ففي سورة النِّساء: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [النساء: 168، 169].
وفي سورة الأحزاب: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الأحزاب: 64، 65].
وفي سورة الجِنِّ: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن: 23].
(1) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، رقم (91)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: تَقبيح مَسْكَن النار، وخُبْث سَكَنها؛ لقوله تعالى:{فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} .
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن النار مَثوَى أهل الكِبْر، وأمَّا أهل التَّواضُع فمَأواهُمُ الجَنَّة، فالمُتواضِعون للحًقِّ وللخَلْق هؤلاء في الجَنَّة، والمُتكَبِّرون عن الحَقِّ وعن الخَلْق هؤلاء مَثْواهمُ النار.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: التَّحذير من الكِبْر؛ لئَلَّا يَكون الإنسان من أصحاب النار.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أن الكِبْر قد يَصِل بصاحِبه إلى عمَل أهل النار وإن كان يَبدو قليلًا في قَلْبه، يَعنِي: إذا رأيتَ من نَفْسك تَكبُّرًا على أحَد فعالِجْ هذا الداءَ! عالِجْ هذا المرَضَ قبل أن يَستَشرِيَ؛ لأن هذا المرَضَ للقَلْب بمَنزِلة السَّرَطان للبدَن، إن لم تُبادِر بعِلاجه فإنه يَقضِي عليك، ولا تَتَهاوَنْ بالكِبْر، فالكِبْر خُلُق رَذيل ذَميم، وجَرِّب نَفْسك إذا تَواضَعْت: تَجِدْ راحة وطُمَأْنينة، تَجِد أنك لن تَندَم، لكن لوِ استكْبَرت على أحَد ثُمَّ عُدْت إلى عَقْلك لنَدِمت واستَغْفَرت.
أمَّا إذا تَواضَعْت فإنك تَجِد راحة وطُمَأنينة ويَحصُل لك في قُلوب العِباد محَبَّة وأُلفة، فإيَّاك والكِبرياءَ، وعليك بالتَواضُع، ولين الجانِب، وإذا انضَمَّ إلى ذلك أنك تُريد بها الوصول إلى كَرامة الله عز وجل والخُضوع لله تعالى؛ فإنك تَزداد ثوابًا ورِفْعة؛ قال صلى الله عليه وسلم:"مَنْ تَوَاضَعَ للهِ رَفَعَهُ"(1)؛ وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "تَوَاضَعَ للهِ" مَعنَيان:
المَعنَى الأوَّل: تَواضُع للخَلْق من أَجْل الله تعالى؛ لأن الإنسان قد يَتَواضَع للخَلْق لا لله تعالى، ولكن لِطَمَعٍ، فيَتواضَع له ويَتخضَّع لشخص لأَجْل أن يَنال
(1) أخرجه مسلم: كتاب البر والصلة، باب استحباب العفو والتواضع، رقم (2588)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
منه لُقْمة عَيْش، ولكن إذا تَواضَع لله تعالى - يَعنِي: امتِثالًا لأَمْره - فإن ذلك يَكون سببًا للرِّفْعة.
المَعْنى الثاني: مَن تَواضَع لله تعالى نَفْسِه، والتَّواضُع لله تعالى نَفْسه هو التَّواضُع لدِينه، بحيث يَقبَله الإنسان وهو يَشعُر أنه مُحتاج إليه ومُضطَرٌّ إليه وأن مَقام الدِّين أعلى منه.
مَسأَلة: إذا نُصِح بعضُ الناس قال: إن النار لها حطَب؛ يَعنِي: أنه هو من حطَب نار جَهنَّمَ؟
فالجَوابُ: أن هذا يُوشِك أن يَكون كما قال، مِثْل الشيخ الكبير الذي عادَه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو مَريض، فقال له صلى الله عليه وسلم:"لَا بَأْسَ طَهُور إِنْ شَاءَ اللهُ"، فقال الرجُل: طَهور! بل حُمَّى تَفور، على شيخٍ كبير، تُزيرُه القُبور. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَوْ ذَاكَ" فما أَصبَح الرجُل إلَّا مَيْتًا (1)، يَعنِي: أنه عُومِل بما أَراد لنَفْسه، ولو قَبِل هذا الرجاءَ من الرسول صلى الله عليه وسلم لأَوْشَك أن يُعافَى.
فهذا الرجُلُ - والعِياذُ بالله - الذي يَقول: (إِنَّ لجَهَنَّمَ حطَبًا) هذا يُوشِك أن يَكون من حطَبها؛ لأن هذا يَدُلُّ على أحَد أمرين: إمَّا السُّخرية، وإمَّا عدَم المُبالاة، وكلاهما كُفْر، فعليه أن يَتوب إلى الله تعالى وأن يَرجِع إلى الإسلام بعد أن خرَج منه.
(1) أخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم (3616) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.