المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من فوائد الآية الكريمة: - تفسير العثيمين: الزمر

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الآية (1)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (2)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (3)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (4)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (5)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (6)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (7)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (8)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (9)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (10)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (11)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (12)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (13)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (14، 15)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (16)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (17، 18)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (19)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (20)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (21)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (22)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (23)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيات (24 - 27)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (28)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (30، 31)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (32)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (33)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (34)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (35)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (36)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (37)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (38)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (39، 40)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (41)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (42)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (43)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (44)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (45)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (46)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (47)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (48)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (49)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (50)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (51)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (52)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (53)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (54)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (55)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (56)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (57)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (58)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (59)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (60)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (61)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (62)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (63)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (64)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (65)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (66)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (67)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (68)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (69)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (70)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (71)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (72)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (73)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (74)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (75)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

الفصل: ‌من فوائد الآية الكريمة:

مُرادًا به الإثباتُ، ومنه قول الشاعِر:

أَلَيْسَ اللَّيْلُ يَجْمَعُ أُمَّ عَمْرٍو

وَإِيَّانَا فَذَاكَ لنَا تَدَانِي

نَعَمْ وَتَرَى الهلَالَ كَمَا أَرَاهُ

وَيَعْلُوهَا النَّهَارُ كَمَا عَلَانِي (1)

لو قال قائِل: لعَلَّ هذه ضرورةٌ؟

قُلنا: لا، لأنه لو أَتَى بـ (بلى) بدَلَ (نعَمِ) استَقام البيتُ، فإن الشاعِر لو قال: بلَى وَترَى الهِلال كما أَراه. استَقام البيتُ.

وعلى كل حال: المُفَسِّر رحمه الله أَجاب بـ (بَلى) أي: لإِثْبات ما ذكَر أن في جَهَنَّم مَثوًى للكافِرين.

‌من فوائد الآية الكريمة:

الْفَائِدَة الأُولَى: أنه لا أحَدَ أَظلَمُ ممَّن كذَب على الله تعالى وكذَّب بالصِّدْق؛ لجَمْعه بين سَيَّئَتَيْن:

السَّيِّئة الأُولى: الكذِب على الغير.

والسَّيِّئة الثانية: تَكذيب الغَيرِ الصادِق.

فإنِ انفَرَد أحدُهما فهل يَستَحِقُّ هذا الوَصفَ أن يَكون أَظلَمَ الناس لو كذَب على الله تعالى وصدَّق بالصِّدْق؟ هل يَستَحِقُّ هذا الوَصْفَ؟

الجَوابُ: لا، لأن الوَصْف أو الحُكْم المُرتَّب على مَجموع صِفات لا يَثبُت إلَّا بثُبوتها، ولكن مع ذلك إذا تَفرَّقتِ الأَوْصاف فله نصيبٌ من هذا الوَصفِ،

(1) البيتان من شعر جحدر العُكْلي، انظر: الأمالي للقالي (1/ 282)، وخزانة الأدب (11/ 209).

ص: 234

فقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 4 - 7]، فمَن تَحقَّق فيه أحَدُ هذه الأَوْصافِ له نَصيبٌ من الوَيْل، لكِنَّ الويلَ كلَّه لا يَكون إلَّا باجتِماع الأَوْصاف.

ومن ذلك قوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر: 42 - 46]، فهذه أربعة أَوْصاف هي سبَب دُخولهم النارَ، وإذا انفَرَد واحِدٌ منها لم يَكُن دُخولُهم النارَ مُستَحَقًّا، لكن له نَصيبٌ من هذا الوَعيدِ.

وهنا في قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ} وَصْفان هُما: كذَب على الله تعالى، وكذَّب بالصِّدْق؛ فلوِ افتَرَى بدون أن يُكذِّب بالصِّدْق لم يَنطَبِق عليه وَصْف الأَظلَميَّة، لكنه ظالِم، ولو كذَّب بالصِّدْق ولم يَكذِب على الله تعالى كذلك.

فإن قال قائِل: هذه الآيةُ تَدُلُّ على أن مَنِ اتَّصَف بهذَيْن الوَصْفين هو أَظلَمُ الناس. فكيف نَجمَع بينها وبين نُصوصٍ أُخرى تَدُلُّ على مثل هذه الدَّلالةِ، مثل:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} [البقرة: 114]، وفي الحديث:"وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي"(1)، ونُصوص مُتعَدِّدة؟

فالجَوابُ أن نَقول: إن هذه كلَّها تَشتَرِك في وَصْف الأَظْلمية، ولا مانِعَ من أن تَشتَرِك فتَقول مثَلًا: فُلان أصدَقُ الناس. والثاني أيضًا: فُلان أصدَقُ الناس.

(1) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} ، رقم (7559)، ومسلم: كتاب اللباس، باب تحريم تصوير صورة الحيوان، رقم (2111)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 235

والثالِث: فُلان أَصدَقُ الناس؛ يَعنِي: اشتَرَكوا في هذه المَرتَبةِ العالية التي أَعلى كل شيء؛ لأن اسمَ التَّفضيل يَدُلُّ على الكَمال في هذه الصِّفةِ.

أو نَقول: إن الأَظْلمية باعتِبار جِنْس هذا الذَّنبِ. فمثَلًا: مِن أشَدِّ الناس ظُلمًا في الكَذِب على الغير: مَن كذَب على الله تعالى، ومن أشَدِّ الناس ظُلمًا في تكذيب الغَيْر: مَن كذَّب بالصِّدْق، وهذا الوجهُ أَقرَبُ، وذلك لأن الاشتِراك في الأَظلمية قد يَمنَع اسم التَّفضيل في الجِنْس الآخَر، يَعنِي: أنه ليس الإنسان يَتَصوَّر تَصوُّرًا تامًّا بأن اشتِراك هذه الأَعمالِ في الأَظْلمية يَقتَضي أن لا يَكون بعضُها أظلَمَ من بعض.

فإذا قُلنا: إن الأَظْلمية هنا باعتِبار جِنْس المُفضَّل عليه، يَعنِي: فمَن أَظلَمُ ممَّن كذَب على الله تعالى في الكاذِبين على الغيرِ الكاذِب على الله تعالى أشَدُّ ظلمًا من الكاذِب على زَيْد وعَمرٍو، والمُكذِّب بما يَحتَمِل الصِّدْق والكذِب ليس كالمُكذِّب بما يَعلَم أنه صِدْق كذَّب بالصِّدْق، إذ جاء؛ كقوله تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} أي: مَن منَع مَساجِد الله تعالى فهو أَظلَمُ ممَّن منَع الغَيْر حقَّه، فلو منَعْت رجُلًا أن يَدخُل بيته لكان مَنْعي لهذا الرجُلِ أن يَدخُل مَسجِد الله تعالى ويُذكَر فيها اسمُه أَظلَمَ.

ومثله قوله تعالى: "مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي" فلو أن أحَدًا ذهَب يَخلُق كخَلقِ فُلانٍ أو فلان ممَّن يَحرُم عليه مُزاحَمته في صَنْعته لكان الذي ذهَب يَخلُق كخَلْق الله تعالى أَظلمَ، وهَلُمَّ جرًّا، وهذا الجوابُ جَوابٌ - كما يُرى - سَديد ولا يَرِد عليه إِشْكال.

والاستِفْهام هنا مَعناه النفيُ، والفائِدة من إتيان النفيِ بصيغة الاستِفهام: التوبيخُ والتقريرُ، وهو مُتضَمِّن مَعنَى التَّحدِّي؛ لأن قوله تعالى:"لَا أَحَدَ أَظْلَمُ"

ص: 236

دون قوله تعالى: "فَمَنْ أَظْلَمُ"؛ لأن هذا يَكون مُشرَبًا مَعنَى التَّحدِّي فيَكون نَفيًا وزيادة.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن الكذِب على الله تعالى أظلَمُ أنواع الكَذِب؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ} وإذا كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقول: "إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِب عَلَى أَحَدِكُمْ"(1)، فما بالُكم بالكذِب على اللهِ تعالى الذي أَرسلَهُ؟! أي: إذا كان هذا الكذِب على الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه المَثابةِ فما بالُكَ بمَن كذَبَ على الله تعالى؟!.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: وجوب التَّحرِّي في تفسير القُرآن؛ لأن المُفسِّر للقرآن شاهِدٌ على الله تعالى بأنه أَراد كذا وكذا، وقد يَكون الأَمْر على خِلاف ذلك فيَكون كاذِبًا على الله؛ ولهذا كان الصحابة الأَجِلَّاء يَتَحرَّزون من التَّفسير من تَفسير القُرآن، وهو نزَل بلُغَتهم وفي عصرِهم ومُشاهَدتهم، ومع ذلك يَتَحرَّزون، سُئِل أبو بَكْر رضي الله عنه عن قوله تعالى:{وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 31] قال: "أيُّ أَرْضٍ تُقِلُّني، وأيُّ سَماءٍ تُظِلُّني إن قُلتُ في كلام اللهِ ما لا أَعلَمُ"(2) يَعنِي: أنه لا يَعلَم، وهذا مَشهور عند المُفسِّرين وعند غيرِهم، وقد نقَله شيخُ الإسلام في المُقدِّمة (3).

وعِندنا الآنَ أُناس يُفسِّرون الآية وكأنه ابنُ عباس رضي الله عنه، وهو من أَجهَل عِباد الله تعالى! ولا يُبالي أنه يُفسِّر كلام الله تعالى، ولو فسَّر كلام زَيدٍ وعَمرٍو ما هَمَّه

(1) أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب ما يكره من النياحة على الميت، رقم (1291)، ومسلم في مقدمة صحيحه، باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم (4)، من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه كتاب التفسير رقم (39)، وابن أبي شيبة في المصنف (15/ 499 - 500).

(3)

مجموع الفتاوى (13/ 371 - 372).

ص: 237

وما همَّنا به، لكن الذي يُهِمُّنا أنه إذا فسَّر كلام الله تعالى وشهِد على الله تعالى أنه أَراد كذا وكذا؛ ولذلك نَجِد أن من أَخطَر ما يَكون أن يُؤَوَّل كلام الله تعالى عن ظاهِره إلى مَعنًى يُخالِف الظاهِر بلا دليلٍ بيِّنٍ.

وبه نَعرِف ضلال أهل التَّعطيل الذين قالوا: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] يَعنِي: استَوْلى عليه - كأنك تَشهَد على الله تعالى أنه أَراد هذا -؛ وقوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} أي: بقُوَّتي، أو بنِعْمتي، أو ما أَشبَه ذلك!! فهذا كذِب على الله تعالى؛ لأن الله تعالى خاطَبَنا في القُرآن باللِّسان العرَبيِّ، فيَجِب أن نَحمِل هذا القُرآنَ عليه بدون أن نُحرِّف.

وقد يَقول قائِل: هل هذا عامٌّ أو خاصٌّ بالآيات المُشكِلة؛ لأنه - أَحيانًا - تَمُرُّ آية يَسأَل عنها الإنسان ويَكون مَعناها واضِحًا جِدًّا مع العِلْم أنه لم يَسبِق أن قرَأ التَّفسير فيها، فهل في هذه يَقول: مَعناهُ الظاهِرُ هكذا، أو يَقول: أنا واللهِ لا أَدرِي؛ لأَنِّي لم أَقرَأ تَفسيرًا عن هذه الآيةِ؟

أَقول: إن الشيء الواضِح تَفسيره بمُقتَضى اللُّغة لا بأسَ به، فلو قال قائِل: ما مَعنَى قوله تعالى: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} ؟ وجاء عامِّيٌّ فقال: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} يَعنِي قُلِ: اللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ

قد قامَتِ الصلاة

إلى آخِره؛ فهذا حرامٌ، لكن لو سُئِل عنها طالِب عِلْم يَعرِف مَعنَى الإقامة - إقامة الشيء يَعنِي: فِعْله على وَجه مُستَقيم -، فقال: مَعنَى: أَقيموا يَعنِي: ائْتُوا بها كامِلة؛ فليس هناك مانِع في هذا. أمَّا في مَسأَلة تَأبير النخل (1)، فلو قال قائِل: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم إذا تَكلَّم في أُمور الدُّنيا كالطِّبِّ وغيره لنا أن

(1) أخرجه مسلم: كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعًا، رقم (2363)، من حديث عائشة وأنس رضي الله عنهما.

ص: 238

نَأخُذ بذلك أو نَرُدَّه على حسَب ما يُوافِق التَّجرِبة؛ فهل هذا يَكون من رَدِّ حُكْم النبيِّ صلى الله عليه وسلم أو لا؟

أَقول: إذا قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم قولًا ولم يَثبُت في حياته أنه رجَعَ عنه فقوله باقٍ ولا يَجوز أن نُخالِفه، ولو كان في مَسأَلة طِبٍّ؛ ولهذا لمَّا قال صلى الله عليه وسلم:"إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ، ثُمَّ لْيَنْزِعْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً، وَفي الْآخَرِ دَوَاءً" أو قال: "شِفَاءً"(1)، فلا يَجوز أن نَقول: واللهِ هذا يُخالِف الطِّبَّ. بل يَجِب علينا أن نَقول: هذا حَقٌّ، ثُمَّ نَعلَم أن الطِّبَّ لم يَصِل إلى هذا العِلْم، أمَّا إذا كان في حَياته ثُمَّ هو نفسه تَراجَع عنه فهذا لا بأسَ.

فمثَلًا الآنَ: النَّجَّارون أَعلَمُ مِنَّا بالنِّجارة، فالنَّجَّار يَعرِف كيف يَنجُر ونحن لا نَعرِف، والمُهَندِسون الذين يَصنَعون السيَّاراتِ، والذين يَصنَعون الراديو، والذين يَصنَعون الساعاتِ أَعلَمُ منَّا بها، فقوله صلى الله عليه وسلم:"أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأُمُورِ دُنْيَاكُمْ"، يَعنِي: ما تَصنَعونه وتُباشِرونه على وجهٍ مَحسوس فأنتُم أَعلَمُ بها، أمَّا أَحكام دُنْيانا فهي إلى الله تعالى ورسولِه صلى الله عليه وسلم هما أَعلَمُ بذلك.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: اختِلاف مَراتِب الذُّنوب؛ فإن الذُّنوب مَراتِبُ تَتَفاضَل كما أن الحَسَناتِ مَراتِب تَتَفاضَل.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنه يَنبَني على هذه الفائِدةِ زيادة الإيمان ونَقْصه؛ لأنه كلَّما كان الذنب أَعظَمَ كان نَقْص الإيمان به أكبَرَ.

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: وجوب تَصديق مَن قامَتِ البَيِّنة على صِدْقه؛ لقوله تعالى:

(1) أخرجه البخاري: كتاب بدء الخلق، باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، رقم (3320)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 239

{وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} فدَلَّ هذا على أن مَن كذَّب بالصِّدْق فهو داخِل في هذا الوَصفِ الذي هو أظلَمُ مَن قام بهذا العمَلِ.

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: الثَّناء على الصادِقين، ووجهُ ذلك: أن مَن كذَّبهم فهو داخِلٌ في هذا الجُرمِ الذي هو أَظلَمُ ما يَكون.

الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: أن مَن كذَّب بالشيء المُباشِر له فهو أَعظَمُ مِمَّن كذَّب بما سَمِع؛ لأن الواسِطة بينه وبين الواقِع قد تُضعِف مَقام الصِّدْق عنده؛ لقوله تبارك وتعالى: {إِذْ جَاءَهُ} .

الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: تَقرير كون النار مَثوًى للكافِرين.

الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: بَيان أن ما يُطلِقه كثيرٌ من الناس اليومَ إذا مات الإنسان قالوا: (ذَهَبَ إِلَى مَثْواهُ الأَخيرِ)، فإن هذه الكلِمةَ لو أخَذْناها بظاهِرها لكانت تَتَضمَّن إنكار البَعْث، فإذا جُعِل القَبْر هو المَثوَى الأخيرَ فلا بَعْثَ، والمَثوَى الأخير هي إمَّا الجَنَّة وإمَّا النار، وعلى هذا فيَجِب التَّنبُّه لهذه العِبارة، وأن يُقال: إن هذه عِبارة مُتَلقَّاة ممَّن يُنكِرون البَعْث، ولكن كَثيرًا من العامَّة يَأخُذون الكلِماتِ لا يُفكِّرون في مَعناها!.

الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: أنه لا يُخلَّد المُؤمِن في النار؛ لقوله سبحانه وتعالى: {مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} ، والمُؤمِن ليست النار مَثوًى له، بل إِنْ عُذِّب في النار على قَدْر ذَنْبه فمَآله إلى الجَنَّة.

ص: 240