المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (9) * قَالَ اللهُ عز وجل: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ - تفسير العثيمين: الزمر

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الآية (1)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (2)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (3)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (4)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (5)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (6)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (7)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (8)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (9)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (10)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (11)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (12)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (13)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (14، 15)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (16)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (17، 18)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (19)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (20)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (21)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (22)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (23)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيات (24 - 27)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (28)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (30، 31)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (32)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (33)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (34)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (35)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (36)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (37)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (38)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (39، 40)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (41)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (42)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (43)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (44)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (45)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (46)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (47)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (48)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (49)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (50)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (51)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (52)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (53)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (54)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (55)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (56)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (57)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (58)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (59)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (60)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (61)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (62)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (63)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (64)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (65)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (66)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (67)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (68)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (69)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (70)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (71)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (72)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (73)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (74)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (75)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

الفصل: ‌ ‌الآية (9) * قَالَ اللهُ عز وجل: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ

‌الآية (9)

* قَالَ اللهُ عز وجل: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9].

وقوله: {أَمَّنْ هُوَ} قال رحمه الله: [(أَمَنْ) بتخفيف الميم] أمَنْ، وعلى هذا فتكون الكلمة مركَّبَة من همزة الاستفهام ومِنْ (مَنْ) الموصولة؛ أي آلَّذي هو قانت

إلى آخره.

قوله رحمه الله: [{هُوَ قَانِتٌ} قائمٌ بوظائِفِ الطَّاعاتِ] القنوت يُطْلَقُ على معانٍ متعَدِّدة:

1 -

منها الخشوع؛ كقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238].

2 -

ومنها الدُّعاء: الدُّعاء في الوِتْر أو الفرائض عند النوازل.

3 -

ومنها: دوامُ الطَّاعة؛ لقوله تعالى: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: 12].

والمثال الأول: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] أي: خاشعين؛ ولهذا لما نزلت هذه الآية أُمِرَ الصَّحابَةُ بالسُّكُوتِ ونُهُوا عن الكلام؛ فهنا {قَانِتٌ} من معنى: دوام الطَّاعة {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ} قال المُفَسِّر رحمه الله: [قائمٌ بوظائِفِ الطَّاعاتِ] يعني: مديمٌ لها.

ص: 98

قوله رحمه الله: [{آنَاءَ اللَّيْلِ} ساعاتِهِ]؛ وقوله: [{سَاجِدًا وَقَائِمًا} في الصَّلَاة] نَعَم؛ {سَاجِدًا وَقَائِمًا} نصَّ على السجود وعلى القيام دون الرُّكوع والقعود؛ لأنَّ السُّجودَ شريفٌ بِهَيْئَتِه، والقيامُ شريفٌ بذِكْرِهِ؛ فالسُّجُود شريفٌ بهيئَتِه؛ لأنَّ أَفْضَلَ هَيْئَةٍ للمُصَلِّي أن يكون ساجدًا، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:"أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ لِرَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ"(1)، والقيامُ شريفٌ بذِكْرِهِ، فالقرآنُ كلام الله، وكلام الله تعالى أَشْرَفُ الكلام؛ فلهذا نَصَّ على هذين الرُّكْنَيْنِ من أركان الصلاة: القيام، والسجود.

وكان الرَّسول عليه الصلاة والسلام إذا سجد يُسْمَعُ لصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزيزِ المِرْجَلِ (2)؛ أي القِدْرِ الذي يَغْلي.

وكان عليه الصلاة والسلام إذا قام لا يَمُرُّ بآية رحمةٍ إلا سألَ، ولا بآية وَعيدٍ إلا تَعَوَّذ، ولا بآية تسبيحٍ إلَّا سَبَّح (3).

وهذا يدلُّ على أنَّ القائِمَ في اللَّيل ينبغي له أن يلاحِظَ هذا، يلاحظ قوة الخُشُوع في حال السُّجود والبكاء، ويلاحِظُ أيضًا حُضُور القلب أثناء القراءة ليتابع إذا مَرَّ بآية رحمةٍ سألَ، وبآية وعيدٍ تعوَّذ، وبآية تسبيح سبَّح قائمًا وقاعدًا {سَاجِدًا وَقَائِمًا} .

وقوله رحمه الله: [{يَحْذَرُ الْآخِرَةَ} أي: يخافُ عذابَها، {وَيَرْجُو رَحْمَةَ} جَنَّةَ {رَبِّهِ}] فهنا قوله: {يَحْذَرُ الْآخِرَةَ} هذه حال؛ أي: حالَ كونه يحذر الآخِرَة، وحالٌ

(1) أخرجه مسلم: كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، رقم (482)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

أخرجه الإمام أحمد (4/ 25)، وأبو داود: كتاب الصلاة، باب البكاء في الصلاة، رقم (904)، والنسائي: كتاب السهو، باب البكاء في الصلاة، رقم (1214)، من حديث عبد الله بن الشخير رضي الله عنه. ولم يرد تخصيص السجود إلا في رواية النسائي في السنن الكبرى رقم (550).

(3)

أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، رقم (772)، من حديث حذيفة رضي الله عنه.

ص: 99

مقارِنَةٌ لقوله: {سَاجِدًا وَقَائِمًا} يعني: حالَ كَوْنِه في سجوده وقيامه يَحْذَرُ الآخرة؛ أي: يخافها، وليس: يخاف وقوعها؛ لأنَّ وقوعَها لا بدَّ، لكن يخاف عذابَها؛ أي: يخاف أن يُعَذَّب.

وقوله تعالى: {وَيَرْجُو رَحْمَةَ} يقول المُفَسِّر رحمه الله: [جَنَّةَ {رَبِّهِ}] ولا شكَّ أنَّ الرحمة يُراد بها الجَنَّة، كما قال الله تعالى للجنة:"أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ"(1)؛ ولكن يُرادُ بالرَّحْمَة معنًى آخرُ، وهو: فِعْلُ الله بالعبد؛ أي رحمته للعبد، والأَوْلَى في هذه الآية أن نقول: يرجو أن يَرْحَمَه الله، ويكون المراد بالرحمة هنا: رَحْمة الله التي هي فِعْلُه، يعني يرجو أن يَرْحَمَه الله بالأمرين: بالنَّجاة من النار وبِدُخُول الجنَّة، وهذا المعنى أحْسَنُ؛ لأنَّ المتبادِرَ في الغالب لمعنى الرَّحْمة أن تكون فِعْلَ الله، يعني أنَّ الله يَرْحَمُكَ، وأيضًا إذا قلنا: رَحْمَة الله صار يرجو أن يَنْجُوَ من النَّار أو من عذاب الآخرة، وأن يفوز بالجنَّة.

وقوله تعالى: {وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} قال رحمه الله: [كَمَنْ هُوْ عاصٍ بالْكُفْرِ أو غَيْرِهِ] أفادنا المُفَسِّر رحمه الله بهذا التقدير أنَّ الآيَةَ يُبَيَّنُ الله فيها أنه لا يستوي هذا وهذا، هل يستوي من هو قانتٌ آناءَ اللَّيل ساجدًا وقائمًا كَمَنْ هو عاصٍ بالكُفْرِ وغيره؟

الجواب: لا، وهذا من بلاغَةِ القرآن؛ فالقرآنُ فيه أشياءُ كثيرةٌ تُحذَفُ لدَلالَةِ المذكور على المحذوفِ، وهذا من البلاغة؛ لأنَّه إذا حُذِفَ الشَّيْءُ استفاد المخاطَبُ فائدتينِ:

الفائِدَة الأولى: اختصارُ الكلام، وهذا واضِحٌ.

(1) أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} ، رقم (4850)، ومسلم: كتاب الجنة، باب النار يدخلها الجبارون، رقم (2846)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 100

الفائِدَة الثانية: قوَّةُ الانتباه؛ لأنَّ الآية إذا كان فيها شيءٌ مَحْذوف، فإن الذِّهْنَ يتطَلَّعُ إلى هذا الشَّيْء المحْذوفِ، فتَجِدُ الإنسانَ يَتَوَقَّف ليُفَكِّرَ ويتأمَّل: ما الذي حُذِفَ وما تقديره؟

لكن لو جاء الكلام مُرْسَلًا هكذا لم يحصل له هذا التَّوَقُّف وهذا التَّفكير، فأنت الآن لو قَرَأْتَ الآية الكريمة:{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ} [الزمر: 9] لوَجَدْتَ نفسك متشَوِّفًا إلى شيء آخر، فالكلام ما تَمَّ، ولا بدَّ أنَّ هناك شيئًا آخَرَ، وحينئذٍ يشتَدُّ انتباهُكَ، وتزدادُ تأمُّلًا في المعنى؛ ولأنَّ هذا المحذوفَ لا بدَّ منه، فالإنسانُ يتطلَّع: ما هذا المحذوفُ؟ فالكلامُ الآن ناقص.

بمعنى أنَّ الكلام يحتاجُ إلى شيء، فيتطَلَّع الإنسان إلى مَعْرِفَة هذا الشَّيْء، وحينئذٍ يزدادُ في التَّدَبُّر، فهذا من بلاغة القرآن؛ أعني: يَحْذِفُ الله عز وجل أحيانًا أشياءَ يَحْتاجُ المخاطَبُ إليها؛ من أجل هاتين الفائدتين.

قال المُفَسِّر رحمه الله: [وفي قراءة: أَمْ مَنْ] من اصطلاح المُفَسِّر رحمه الله أنه إذا قال: [في قراءَةٍ] أو قال: [بِفَتْحِ كذا وضَمِّ كذا] أو قال: [بالتاء والياء]، فإن القراءة سَبْعِيَّة، وأحيانًا يُعَبِّر فيقول:[وقُرِئَ] فالقراءة شاذَّة غيرُ سَبْعِيَّة.

فإذا أتى بقراءتينِ مُتَساويَتَيْنِ مثلًا يقول: [في قراءةٍ] أو: بالضم والفتح أو بالياء والتاء، وما أشبه ذلك من القراءات، فالقراءة سبعية، أما إذا قال:[وقُرئ] بصيغة المبني للمَجْهول فالقراءة شاذَّة.

بناءً على هذه القاعدة: تكون القراءة (أَمْ مَنْ) سبعية؛ لأنَّه قال: [وفي قراءةٍ:

ص: 101

(أمْ مَنْ) فأمْ بمعنى بل والهمزة] قوله: [بمعنى بل والهمزة] أي بَلْ أَمَنْ هو قانتٌ آناء اللَّيل، فتكون للإضراب، والإضرابُ هنا انتقالي.

والفرق بين الإضراب الانتقالي والإضرابِ الإبطاليِّ: أنَّه في الإضرابِ الإبطالي يكون الأَوَّل مُلْغًى، والعمدة على الثاني.

وأمَّا في الانتقالي: فالأوَّل باقٍ على ما هو عليه، والثاني استئنافيٌّ، لا علاقة له بالأول. وقوله تعالى:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} : {قُلْ} أي يا محمد، أو قل يا من يَصِحُّ منه الخطاب: هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؛ استفهامٌ بمعنى النفي {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} الجواب: لا، لا يستوي الذين يَعْلَمونَ والذين لا يَعْلَمون، وهذا عامٌّ في كُلِّ عِلْم؛ فلا يستوي العالِم والجاهِلُ، حتى في علم النِّجَارة والحِدَادة والكيمياء وغيرها، لا يستوي الذي يعلم والذي لا يعلم، لكن هذا لا يقتضي أن يكون العالِمُ مَمْدُوحًا؛ لأنَّ من العُلُوم ما جَهْلُهُ خَيْرٌ مِنْ عِلْمِهِ، فإذا كان العلم مذمومًا وقلنا: لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. صار غيرُ العالِم أَفْضَلَ، وإذا كان العِلْمُ ممدوحًا وقلنا:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} صار العالِمُ أفضَلَ.

وإذا جاءت هذه الجُمْلة في علم الشَّريعَةِ فالعالِم أفضل، وفي علم النَّحْو العالمِ أفضل؛ أما في علم الكلام فالجاهِلُ أفضل!

كما قال بعض السلف: "الجَهْلُ بالكَلَامِ عِلْمٌ" لأنَّ عِلْمَ الكلام أدى بأصحابه إلى مهالِكَ؛ حتى إن فطاحِلَ عُلَمائِهِم يتمَنَّون وهم في سياقِ الموت أنَّهُم ماتوا على دينِ العجائِزِ، ودِينُ العجائِزِ أَسْلَمُ، وإن كان جَهْلًا ولكنه أسلم من علمٍ يؤدِّي بهم - والله أعلم - إلى الشَّكِّ والحَيْرة.

ص: 102

فقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} هذه من الآيات القليلة اللَّفْظِ الكثيرةِ المعنى؛ لأنَّه يمكن أن تُطَبِّقَها على كلِّ عِلْم، لكن هل هذا العلم مَحْمودٌ أو مذموم؛ فعلى حَسَبِ الحال؛ أي لا يستويانِ كما لا يستوي العالم والجاهل.

وفي حاشية الجمل: "قوله: بتخفيف الميم؛ أي: فالهمزة للاستفهام الإنكاري، كما سيشير له بقوله: أي لا يستويان، وما: اسم موصول بمعنى الذي، مبتدأٌ في محلِّ رفعٍ، خبره محذوف قدَّرَهُ بقوله: كمن هو عاصٍ، وقوله:{هُوَ قَانِتٌ} جُمْلَة اسْمِيَّة صلة الموصول، وقوله:{سَاجِدًا وَقَائِمًا} حالان من قانت، وقوله:{يَحْذَرُ الْآخِرَةَ} حالٌ أخرى متداخِلَة أو مترادِفَة، أو جملة استئنافِيَّة معترضة.

وقوله: [بمعنى بل]؛ أي: التي للإضراب الانتقاليِّ، والهمزة؛ أي: التي للاستفهام الإنكاريِّ، وعلى هذه القراءة تُرْسَمُ الميم في النون كرَسْمِها على قراءة التخفيف، وهذا اتِّباعًا لخطِّ مُصْحَفِ الإمام كما يؤخذ من الجَزَرِيَّة (1) وشَرْحِها لشيخ الإسلام، وهذا بالنَّظَرِ لرَسْمِ المصحف، وأما في غيره فتُرْسَمُ ميمًا مفصولةً من ميم (مَنْ) كما في عبارة الشَّارِحِ، و (من) على هذه القراءة مُبتدأٌ أيضًا، والخبر مُقَدَّرٌ كما تقدَّمَ في الإعراب بِعَيْنِه على القراءتين لم يختلف، وقوله: لا يستويان. أي: القانِتُ والعاصي، فهذا تفسيرٌ للنَّفْي المستفاد من همزة الإنكارِ في قوله:{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ} سواء مُصَرَّح بها على القراءة بها والتي في ضِمْنِ أم على الثانية، وقوله: كما لا يستوي العالم والجاهل تفسيرٌ لقوله: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} إلى آخره، فالاستفهام فيه أيضًا إنكاري". انتهى.

(1) المقدمة الجزرية (ص 19).

ص: 103

وعبارة السَّمينِ: "قوله: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ} قرأ الحَرميَّان: نافعٌ وابنُ كثير بتخفيفِ الميم، والباقون بتشديدها.

فأمَّا الأُولى ففيها وجهان:

أحدهما: أنَّها همزةُ الاستفهامِ دَخَلَتْ على (مَنْ) بمعنى الذي، والاستفهامُ للتقريرِ، ومقابِلُه محذوفٌ، تقديرُه: أمَنْ هو قانتٌ كمَنْ جعل لله أندادًا، أو أَمَنْ هو قانِتٌ كغيرِه، أو التقدير: أهذا القانِتُ خيرٌ أم الكافرُ المخاطَبُ بقوله: {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا} وَيدُلُّ عليه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} فحَذَفَ خَبَرَ المبتدأِ أو ما يعادل المُسْتَفْهَم عنه، والتقدير أنَّ الأَوَّلانِ أَوْلَى لقِلَّةِ الحَذْفِ.

والثاني: أنْ تكونَ الهَمْزَةُ للنِّداء، و (منْ) منادى، ويكون المنادى هو النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وهو المأمور بقوله:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} كأنه قيل: يا مَنْ هو قانتٌ، قل كَيْتَ وكَيْتَ.

وأمَّا القراءة الثانية فهي (أم) داخلةً على (مَنْ) الموصولة أيضًا فأُدْغِمَتِ الميمُ في الميم، وفي (أم) حينئذٍ قولان:

أحدهما: أنَّها متصلةٌ، ومعادِلُها محذوفٌ، تقديرُه: آلكافِرُ خيرٌ أمِ الذي هو قانِتٌ.

والثاني: أنَّها منقطعةٌ فتُقدَّرُ بـ بل والهمزةِ؛ أي: بل أمَنْ هو قانِتٌ كغيرِه أو كالكافِرِ المقولِ له: {تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ} ". انتهى (1).

فتَبَيَّن لنا أن قوله: (لا يستويان) أي: القانت والكافر كما لا يستوي العالِم

(1) الدر المصون في علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبي (9/ 414 - 416).

ص: 104

والجاهل، فيكون قوله:(لا يستويان) ليس عائدًا على قوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} بل عائدٌ على ما سبقه، وهو {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} كمن هو عاصٍ لا يستويان، كما لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون.

قوله تعالى: {آنَاءَ اللَّيْلِ} يعني ساعاتِ اللَّيلِ لأنَّه أحيانًا يُطْلَبُ من الإنسان أن يقومَ كُلَّ اللَّيل كما في عَشْرِ رمضان الأخيرة، فإن السُّنَّة أن يُحْيِيَ اللَّيل كلَّه، فلو قال:(في) لتَعَيَّنَ أن يكون هناك متَّسَعٌ، فإذا قال:{آنَاءَ اللَّيْلِ} شَمِلَ هذا وهذا.

فإن قال قائل: أما نقول: إنَّه من باب الاستعدادِ للعبادَةِ، كما لو نام بِنِيَّةِ قيامِ اللَّيل، يكون داخلًا فيه؟

فالجواب: ربما يكون، لكنْ في بعض الأحيان قد يعمل أعمالًا لا يَسْتَعِدُّ بها للعبادة، ولهذا ليس من المَشْروعِ أن يقوم الإنسانُ اللَّيلَ كلَّه في كلِّ أحيانه، لكن أحيانًا.

ثم قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} قوله: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ} إنما: أداة حصرٍ، والحَصْر هو إثبات الحُكْمِ في المَحْصور فيه ونَفْيُه عما سواه، فإذا قيل: إنَّما القائِمٌ زيدٌ، فهو كقولنا: لا قائِمَ إلا زيدٌ.

قوله: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ} يقول المُفَسِّر رحمه الله: [يتَّعِظُ].

قوله: {أُولُو الْأَلْبَابِ} أصحابُ العقول، أصحاب تفسير لـ {أُولُو} ، والعقول تفسير للألباب؛ جمع لُبٍّ: وهو العقل؛ لأنَّ الإنسانَ بلا عقلٍ قُشُورٌ، ولا يكون إنسانًا حقيقةً إلا بالعَقْل، وعلى هذا فالكُفَّار بجميع أنواعهم قُشُورٌ لا خير فيهم؛ لأنَّهُم ليسوا بعُقَلَاء، كما قال الله تعالى:{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة: 171].

ص: 105