الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُتَّصِلًا به، قال رحمه الله: مُتَعلِّق بـ (أَنزَل)، ونحن في الحقيقة في إعرابنا للقُرآن نَتَجاوَز، ونَقول: في مثل هذا مُتعَلِّق بـ (أَنزَلنا)، وهذا غير مُحرَّر، والصواب: أن تَقول: "مُتعلِّق بـ (أَنزَل) " الذي هو العامِل فقَطْ، دون ما اتَّصَل به من فاعِل أو مَفعول.
وقال المُفَسِّر رحمه الله: [{فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ} اهتِداؤه {وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} فتُجبِرهم على الهُدى]، وهذا كقوله تعالى:{وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} [ق: 45]، فالرسول عليه الصلاة والسلام ليس بجابِرٍ لهم على الاهتِداء، وليس بمُوكَّلٍ بهم يُحافِظهم ويُحافِظ عليهم.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: بيان أن القُرآن كلام الله تعالى؛ لأن الله تعالى أَنزَله وهو كلام ليس ذاتًا مُعيَّنة كالحديد الذي قال الله تعالى فيه: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الحديد: 25]، وكالمَواشِي التي قال الله تعالى فيها:{وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزمر: 6]، فالقرآن كلام، فإذا كان كلامًا فإنه لا يَكون مَخلوقًا؛ لأن الكلام صِفة المُتكلِّم، والمُتكلِّم به وهو الله هو الأوَّل والآخِر والظاهِر والباطِن.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: إثبات عُلوِّ الله تعالى؛ مَأخوذ من الإنزال، والإنزال لا يَكون إلَّا من عُلوًّ.
وعُلوُّ الله عز وجل دلَّ عليه الكِتاب والسُّنَّة والإِجْماع والعَقْل والفِطْرة:
أمَّا الكِتاب فدَلالته على عُلوِّ الله تعالى مُتَنوِّعة بأنواع كثيرة.
والسُّنَّة كذلك فقَدِ اتَّفَقَتِ السُّنَّة القولية والفِعْلية والإِقْرارية على أن الله عز وجل عالٍ فوقَ عَرْشه فوقَ خَلْقه.
والإجماع كذلك، فقد أَجمَع السلَف على ذلك، وما منهم من أحَد قال بخِلافه أبَدًا؛ والقاعِدة في هذا: أنه إذا دَلَّ الكِتاب والسُّنَّة على شيء ولم يُعلَم أن أحَدًا من السلَف الصحابة والتابعين قال بخِلافه فإنهم لا يَقولون بسِواه، وهذه فائِدة مُهِمَّة؛ يَعنِي: قد يَقول قائِل: أين الدليلُ على أن الصحابة يَرَوْن أن الله تعالى اسْتَوى على العَرْش أي: علا عليه؟ هل أحَدٌ فسَّره بذلك؟
فنَقول: ما دام قد ثبَتَ في القُرآن والسُّنَّة ولم يَرِد عنهم خِلافه فهم قد قالوا به؛ لأنهم يَأخُذون بدَلالة القُرآن التي أُمِروا أن يَأخُذوا بها.
إِذَنْ: نَأخُذ من هذا إجماعَ الصحابة على عُلوِّ الله تعالى، وكذلك التابِعون لهم بإحسان، والأئِمَّة من بعدهم، لم يَأتِ حرفٌ واحِد عن أحدٍ منهم أنه قال بخِلاف ذلك.
والأدِلَّة العَقْلية على عُلوِّ الله عز وجل أن يُقال: العُلوُّ إمَّا صِفة نَقْص أو كَمال، ولا أحَدَ يَشُكُّ أنه صِفة كَمال فوجَب ثُبوته لله عز وجل؛ لأن الربَّ عز وجل قد وجَبَت له صِفاتُ الكَمال عَقْلًا.
وأمَّا الفِطرة فإن الناس مَفطورون على أنهم إذا سأَلوا الله تعالى شيئًا إنما تَرتَفِع قلوبهم نحو السماء، وهذا أمرٌ لا يُنكِره أحَد.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: فضيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان إنزال هذا القُرآنِ العَظيم عليه، وقد قال الله تعالى:{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124].
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن القُرآن نزَلَ لمَصلَحة الخَلْق؛ لقوله تعالى: {لِلنَّاسِ} ، فالقُرآن لم يَنزِل ضِدَّ مَصالِح الخَلْق، بل نزَل لمَصالِح الخَلْق؛ ولهذا قال تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ} .
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: عُموم رسالة النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: {لِلنَّاسِ} ولم يَقُلْ: (لقَوْمك) مثَلًا للناس عمومًا.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أن القُرآن نزَل بالحَقَّ - على وَجهَيِ التَّفسير اللَّذَيْن سبَقَا - وهو أنه هو حقٌّ وآتٍ بالحَقِّ؛ حقٌّ فيما جاء به حيث كانت أَحكامه عَدْلًا، وأَخباره صِدْقًا، وهو نفسه حَقٌّ، ليس بباطِل.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أن القُرآن حُجَّة؛ لقوله تعالى: {فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} .
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: أن الناس يَنقَسِمون نحو هذا القُرآنِ إلى مُهتدٍ وضالًّ؛ لقوله تعالى: {فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} .
الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: الرَّدُّ على الجَبْرية الذين يَقولون: إن الإنسان مُجبَر على عمَله، ووجهُ ذلك: أنه أَضاف الاهتِداء والضَّلال إلى العبد، فدَلَّ هذا على أنه فِعْله الذي اختار.
الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: شُؤْم المَعاصي، وأنها تَكون على العَبْد لا له.
الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: برَكة الاهتِداء، وأنه كَسْب للعبد؛ لقوله سبحانه وتعالى:{فَلِنَفْسِهِ}
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: تَسلية النبيِّ صلى الله عليه وسلم إذا ضَلَّ مَن ضَلَّ من الناس؛ لقوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} فالله تعالى وحدَه هو الوكيلُ عليهم، أمَّا أنت فأنت مُبلِّغ، فإذا قُمْت بواجِب البَلاغ فالحِساب على الله تعالى.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: الردُّ على مَن تَعلَّقوا بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم خَوْفًا ورَجاءً ورَغبةً ورَهبةً
حتى صاروا يَدْعونه من دون الله تعالى؛ لقوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} .
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أن الداعِيَ المُبلِّغ لشريعة الله تعالى إذا بلَّغ على الوجه الذي أُمِر به فقد بَرِئَت ذِمَّته ولا يَلزَمه شيءٌ وراءَ ذلك، ووجهُ الدَّلالة منها: أنه إذا كان إمام الداعين المُبلِّغين مُحمَّد صلى الله عليه وسلم ليس وَكيلًا على الناس ولا حَفيظًا عليهم فمَن دونَه من بابِ أَوْلى.