الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (68)
* قَالَ اللهُ عز وجل: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: 68].
قوله تعالى: {وَنُفِخَ} النَّفخ مَعروف، والنافِخ (إِسرافيلُ) عليه السلام، وأَبهَمه للتَّعظيم؛ لأن الإبهام يَأتِي للتَّعْظيم كما في قوله تعالى:{فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه: 78]، فإن هذا يَدُلُّ على عِظَم ما غَشِيَهم، والنَّفْخ لا شكَّ أنه أَمْر عظيم؛ ولهذا لم يُبيَّن مَن النافِخُ، وكل ما في القُرآن من النَّفْخ في الصُّور يَأتِي بصيغة:{وَيَوْمَ يُنْفَخُ} ، {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} .
وقوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} الصِّيغة هنا صِيغة ماضٍ، مع أنه مُستَقبَل، لكن عبَّر عنه بالماضِي؛ لتَحقُّق وقوعه، كما في قوله تعالى:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1] مع أنه لم يَأتِ بعدُ.
وقوله تعالى: {فِي الصُّورِ} ، الصُّور: قَرْن عَظيم، قيل: إن سَعة دائِرته كما بين السماء والأرض، وهذا الصُّورُ يَنفُخ فيه إسرافيلُ.
يَقول المُفَسِّر رحمه الله: [{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} النَّفخة الأُولى {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}] وهذا بِناءً على أنَّ النَّفْخ في الصُّور يَكون مرَّتَيْن، وقيل: بل النَّفْخُ في الصُّور ثلاثَ مرَّاتٍ، وقد دلَّ على هذا حديثُ الصُّور
الذي ذكَره ابنُ كثير رحمه الله بطوله في تَفسير سورة الأنعام.
وهذه الثلاثُ هي: نَفْخة الفزَع، ونَفْخة الصَّعْق، ونَفْخة البَعْث؛ لقوله تعالى في سورة النَّمْل:{وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} [النمل: 87]، وهنا قال تعالى:{فَصَعِقَ} ، {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى} .
وقيل: بل النَّفْخ مرَّتان، وهو ما مشَى عليه المُفَسِّر رحمه الله، وأن نَفْخة الفزَع هي نَفْخة الصَّعْق، وأن الناس إذا سمِعوه أوَّلَ مرَّة فزِعوا ثُمَّ يُطيل في النَّفْخ فيُصعَقون: يَموتون بعد الفزَع، وعلى هذا فيَكون النَّفْخ مرَّتين: فزَعٌ، ثُم صَعْق؛ لأنه يُطيل النَّفْخ، ثُئَم يُصعَق الناس، ولا شَكَّ أن شيئًا يُصعَق الناس منه؛ لا بُدَّ أن يَكون شيئًا عظيمًا مُزعِجًا مُرعِبًا، وهو كذلك.
وقوله رحمه الله: [({فَصَعِقَ} مات {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}]{مَنْ} اسمٌ مَوْصول تُفيد العُموم، وتُستَعمَل غالِبًا في العاقِل، وقد تُستَعمَل في غيره تبَعًا أو للشُّمول؛ مِثالها تبَعًا قوله تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} [النور: 45]، ومَعلوم أن الذي يَمشِي على بَطْنه أو على أربَعٍ ليس من ذَوي العُقول، لكن أُتِيَ بـ (مَن) تبَعًا، وقد يَكون للعُموم كما في هذه الآيةِ:{مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} ، فكُلُّ مَن في السمَوات والأرض من آدَمِيِّين أو بهائِمَ أو غيرها كلها تَموت.
يَقول تعالى: {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} أي: ألَّا يُصعَق فإنه لا يُصعَق، وقدِ اختَلَف العُلَماءُ رحمهم الله مَن هذا المُستَثْنى؟
فذهَبَ المُفَسِّر رحمه الله وجماعة إلى إن المُستَثْنى: [الحُور والوِلْدان]، وهُم في الجَنَّة.