المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من فوائد الآية الكريمة: - تفسير العثيمين: الزمر

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الآية (1)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (2)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (3)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (4)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (5)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (6)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (7)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (8)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (9)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (10)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (11)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (12)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (13)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (14، 15)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (16)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (17، 18)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (19)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (20)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (21)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (22)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (23)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيات (24 - 27)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (28)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (30، 31)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (32)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (33)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (34)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (35)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (36)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (37)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (38)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (39، 40)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (41)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (42)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (43)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (44)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (45)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (46)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (47)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (48)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (49)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (50)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (51)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (52)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (53)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (54)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (55)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (56)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (57)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (58)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (59)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (60)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (61)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (62)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (63)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (64)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (65)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (66)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (67)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (68)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (69)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (70)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (71)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (72)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (73)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (74)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (75)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

الفصل: ‌من فوائد الآية الكريمة:

بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ}؟] الجَوابُ: يَقول: [لا]{أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} ؟ لا، وفي قِراءة: بالإضافة فيهما]، أي: في قوله سبحانه وتعالى: {كَاشِفَاتُ} ، وفي قوله تعالى:{مُمْسِكَاتُ} فنَقرَأ على هذه القِراءةِ: (هَلْ هُنَّ كاشِفاتٌ ضُرَّه هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتٌ رَحْمَتَهُ)، والقِراءتان سَبْعيتان.

ومن قاعِدة المُفَسِّر رحمه الله في هذا الكِتابِ: أنه إذا قال: (وقُرِئَ) فهي شاذَّة، وإذا قال: وفي قِراءة. فهي سَبْعية.

ثُمَّ قال المُفَسِّر رحمه الله: [{قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} يَثِق الواثِقون].

‌من فوائد الآية الكريمة:

الْفَائِدَة الأُولَى: إقرار هَؤلاء المُشرِكين بالرُّبوبية لقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} .

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: شَأْن الإقرار بالرُّبوبية لا يَنفَع العبد، ولا يُدخِله في الإسلام، ودليلُ ذلك: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قاتَل هؤلاءِ المُقِرِّين بالرُّبوبية، واستَباح دِماءَهم ونِساءَهم وأَموالهم، ولو كان إقرارُه بالربوبية نافِعًا لكانت دِماؤُهم مَعصومةً، وأَموالهم مَعصومةً، وأَهلوهم مَعصومين.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: الإبطال لمَّا عرَّف المُتكَلِّمون به التوحيد؛ لأن عامة المُتكَلِّمين إذا فسَّروا التوحيد قالوا: إنه ثلاثة أنواع: التَّوْحيد في ذاته، وفي صِفاته، وفي أفعاله؛ هكذا يَقولون، ويَقولون: هو واحِدٌ في ذاته، لا قَسيمَ له، ويَعنُون بذلك أنه ليس له وجهٌ، وليس له يَدٌ، وليس له عَيْن، وما أَشبَهَ ذلك، يَقولون لو قُلْنا: إن له هذه

ص: 271

الصِّفاتِ لزِمَ أن يَكون ذا أعضاءٍ، وهو سبحانه وتعالى لا يَتَقسَّم، فهو واحِدٌ في ذاته، لا قَسيمَ له، واحِدٌ في أفعاله، لا شريكَ له، ثُمَّ يَجعَلون هذا النوعَ من التَّوْحيد هو توحيدَ الأُلوهية، فتقولون: مَعنَى قول القائِل: (لا إلهَ إلَّا الله) أي: لا قادِرَ على الخَلْق والاختِراع إلَّا الله تعالى.

وأمَّا قولهم: (واحِدٌ في صِفاته لا شبيهَ له) كلام ظاهِره فيه الرَّحْمة وباطِنه من قِبَله العَذاب، فماذا يَعنون بقولهم:(لا شَبيهَ له)؟

الجَوابُ: أي: لا صفاتِ له؛ لأنهم يَعتَقدون أن كل مَن أَثبَت لله صِفة فهو مُشبِّه، فهو واحِدٌ في صِفاته لا شبيهَ له، هذا التنويعُ لو قرَأْتَه على عامِّيٍّ سيَقول: ما أَحسَنَه! ما أَجمَلَه! واحِدٌ في ذاته لا قَسيمَ له! سبحانه وتعالى! ويُسبِّح ويُهلِّل، واحِدٌ في أَفعاله لا شريكَ له كذلك! واحِدٌ في صِفاته لا شبيهَ له كذلك! لكن لا يَدرِي أن وراءَ الأَكَمة ما وراءَها!!.

بل هم يُريدون بقولهم: (واحِدٌ في ذاته لا قسيمَ له) أي: ليس له صِفاتٌ هي بالنسبة إلينا أعضاء مثل: اليَدِ والوَجْه والعَيْن والقدَم والساق، وبقولهم:(واحِدٌ في أفعاله لا شريكَ له) يُريدون بذلك أن هذا هو مَعنى: (لا إلهَ إلَّا الله)، ولو كان هذا هو مَعنَى (لا إلهَ إلَّا الله) لكان المُشرِكون الذين قاتَلهم الرسول صلى الله عليه وسلم مُؤمِنين مُوحِّدين، وهم كانوا إذا قيل لهم: لا إلهَ إلَّا الله. يَستَكْبِرون، ولا يَقبَلون هذا، ويَقولون: أَجعَلَ الآلِهة إلهًا واحِدًا. فتَأمَّل كيف كان المُشرِكون في الجاهلية يَفهَمون من التَّوحيد ما لا يَفهَمه هؤلاءِ المُتكَلِّمون.

وقد ذكَر شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّةَ (1) رحمه الله وغيره هذا المَعنَى، وقالوا: المشُرِكون

(1) مجموع الفتاوى (3/ 98).

ص: 272

خيرٌ في فَهْم التَّوْحيد من هَؤلاء المُتكَلِّمين؛ لأن هؤلاءِ المُتكلِّمِين جعَلوا التوحيد هو تَوحيدَ الربوبية فقَطْ، وهذا لا يُنكِره المُشرِكون يُقِرُّون به، ويُنكِرون توحيدَ الأُلوهية؛ لأنهم يَعرِفون أن معنى:(لا إلهَ إلَّا الله) لا مَعبودَ حقٌّ إلَّا اللهُ، يعرفون هذا، أمَّا أُولئك المُتكلِّمون فإنهم لا يُقيمون للأُلوهية وزنًا، يَجعَلونها خارِجًا لا يُدخِلونها في أنواع التوحيد، فيَعنُون بقولهم:(واحِدٌ في صِفاته لا شريكَ له لا شبيهَ له) تَعطيل الصِّفاتِ؛ لأنهم يَدَّعون أن كل مَن أَثبَت لله تعالى صِفة فهو مُشبِّه.

فهذه الآيةُ تُبيَّن الردَّ على أولئك المُتكَلِّمين الذين يَجعَلون توحيد الأُلوهية هو توحيدَ الربوبية، ويَأتي - إن شاء الله تعالى - بقِيَّة الكلام عليه.

فائِدةٌ: مُقاتَلة المُسلِم ليسَتْ كمُقاتَلة الكافِر، فمُقاتَلة المُسلِم تُقاتِله لأنه أخَلَّ بشَعيرةٍ من شَعائر الإسلام، ولا تَستَبيح نِساءه وذُرِّيَّته وأَرضَه، لكن مُقاتَلة الكافِر تُقاتِله لأنه ترَك الإسلام كلَّه؛ ولهذا تَستَبيح نِساءه وذُرِّيَّته وأرضَه.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: وجوب إفراد الله تعالى بالتَّوكُّل على الله تعالى؛ في قوله تعالى: {عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} للحَصْر، بطريق تَقديم المَعمول عليه.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أن ما يُعبَد من دون الله تعالى لا يَنفَع عابده بجَلْب نَفْع ولا بدَفْع ضَرَر؛ لقوله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} .

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: إثبات الإرادة لله تعالى؛ لقوله تعالى: {إِنْ أَرَادَنِيَ} ، {أَوْ أَرَادَنِي} ، وإرادة الله عز وجل تَنقَسِم إلى قِسْمين:

أ - إرادةٌ شَرْعية.

ب - وإرادةٌ كَوْنيةٌ قدَرية.

ص: 273

فالكونية هي التي بمَعنَى المَشيئة، والشرعية هي التي بمَعنَى المَحبَّة؛ فإذا كانت (يُريد) بمَعنَى (يَشاء) فهي إرادة كونية، وإذا كانت (يُريد) بمَعنَى (يُحِبُّ) فهي إرادة شرعية.

إِذَنِ: الفَرْق بينهما:

أوَّلًا: أن الإرادة الكونية يَلزَم منها وقوع المُراد؛ لأنها كونية، ولا أحَدَ يُعقِب حُكْم الله تعالى، والإرادة الشرعية لا يَلزَم منها وقوع المُراد.

ثانيًا: أن الإرادة الشرعية لا تَكون إلَّا فيما يُحِبُّه الله تعالى، والإرادة الكونية شامِلة لما يُحِبُّه الله تعالى وما لا يُحِبُّه الله تعالى، ومثال ذلك: لو قال لك قائِل: هل الله تعالى يُريد المَعاصيَ؟ فإن قُلتَ: (نعَمْ) أَخطَأْت، وإن قُلتَ:(لا) أَخطَأْت؛ والصواب أن نَقول: (بالإرادة الكونية: نَعَمْ يُريدها، ولم تَقَعِ المَعاصي إلَّا بإرادته)، و (بالإرادة الشَّرْعية: لا)؛ لأن الله تعالى يَكرَه المَعاصيَ، وبهذا التَّفصيلِ تَزول إشكالاتٌ كثيرة في المعاصِي: هل هي مُرادة لله تعالى أو غير مُرادة؟ نَقول: هي مُرادةٌ بالإرادة الكونية، غيرُ مُرادة بالإرادة الشرعية.

فإن قال قائِل: كيف يُريدها الله تعالى وهو لا يُحِبُّها؟

قلنا: نعَمْ هي مُرادة لغيرها، بمَعنَى: مَحبوبة لغيرها، أي: لِما تُؤدِّي إليه من المَصالِح العظيمة.

إذن: ليسَتْ مُرادةً بالإرادة الشرعية، وإنما هي مُرادة بالإرادة الكَوْنية؛ فإذا أَورَدَ علينا مُورِد: كيف يُريدها الله عز وجل وهو يَكرَهها؟

فالجَوابُ: أن نَقول: يُريدها وهو يَكرَهها؛ لكونها مُرادة لغَيْرها، فالله عَزَّ وَجَلَّ

ص: 274

يُوقِع المعاصِيَ يُريد المعاصِيَ من أجل خيرٍ كثيرٍ لفاعِلها إذا تاب إلى الله تعالى؛ لأن العاصيَ إذا تاب إلى الله تعالى كان خيرًا منه قبل المَعصِية، والدليل على هذا أن آدَمَ عصا ربَّه وغوَى، وتاب إلى الله تعالى، وبعد تَوْبته اجتَباه وهَداه، ولولا هذه المَعصيةُ لم يَحصُل له الاجتِباءُ والهِداية التي حصَلَتْ بعد المَعصية، فكانت المَعصية الآنَ خَيْرًا لآدَمَ عليه السلام.

ثُمَّ إن فيها خيرًا آخَرَ؛ فالإنسان العاصِي إذا عصا الله تعالى عرَف قَدْر نَفْسه وخَجِل من ربَّه، واستَصغَر كل عمَل خيرٍ يَفعَله؛ لأنه يَذكُر مَعصيته دائِمًا بين عَيْنيه لكن إذا لم يَعصِ ربَّما يشمخر (1) ويَعلو بأَنْفه، ويُعجَب بنَفْسه، ويَقول: أنا ما عصَيْت الله تعالى أبدًا! وما أَشبَه ذلك، ثُمَّ يَحبَط عمَله من حيث لا يَشعُر.

فهاتانِ اثنَتانِ مَصلَحتهما للعاصِي، وهناك مَصلحةٌ ثالِثة لعامة الناس، فلولا العِصيان ما قام الأَمْر بالمَعروف والنهيُ عن المُنكَر؛ لأن الناس لو كان كلهم على البِرِّ والمَعروف فبأيِّ شيءٍ نَأمُر؟! وعن أيِّ شيء نَنهَى؟! فلا يَقوم الأَمْر بالمَعروف والنهيُ عن المُنكَر إلَّا بوجود أسبابه وهي المَعاصِي.

ثالثًا: لولا المَعاصِي ما عرَف الإنسان قَدْر الإيمان الذي أَنعَم الله به عليه ولذَّتَه؛ لأن الناس لو كانوا على حَدٍّ سواءٍ ما عرَف الإنسان قَدْر نِعْمة الله عليه؛ ولهذا لا يَعرِف قَدْر العافِية إلَّا مَنِ ابتُليَ بالمرَض، وكذلك أيضًا المَعصية؛ لا يَعرِف العبد قَدْر نِعْمة الله تعالى عليه بالطاعة إلَّا إذا عرَف آثار المَعاصِي على فاعِلها.

رابِعًا: لولا المَعاصِي التي أَعظَمُها الكُفر ما قام سُوق الجِهاد؛ لأننا لو كُنَّا كلنا

(1) أي: تكبَّر. تاج العروس (شمخر).

ص: 275

مُسلِمين فمَن نُجاهِد؟ لا أحَدَ، لكن إذا كان هناك كافِر ومُؤمِن قام سُوق الجِهاد، ولا يَخفاكُم ما في الجِهاد من الخير والفَضْل العظيم.

خامِسًا: لولا المَعاصي لفاتَتِ الحِكْمة من خَلْق الخَلْق كلهم، قال الله عز وجل:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} يَعنِي: على الهُدى {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: 118، 119].

سابِعًا: لولا المَعاصِي لم يَكُن لخَلْق الجَنَّة والنار حِكْمة؛ لأن الجَنَّة لمَن عصَى واستَغفَر الله تعالى، ولو لم يَكُن عُصاةٌ لكان خَلْق النار عبَثًا؛ ولهذا قال تعالى:{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} .

فتَبيَّن الآنَ أن ما يُقدِّره الله عز وجل ممَّا يَكرَهه له فوائِدُ كبيرة عَظيمة، وحينئذٍ يَكون مُرادًا لله تعالى مُرادًا لغيره، وهو من هذه الناحيةِ مَحبوبٌ إلى الله تعالى، فتَبيَّن بهذا سُقوط الإيراد الذي أَوْرَدناه أوَّلًا، وهو كيف يُريد الله تعالى المَعاصيَ وهو يَكرَهها؟ ومثل هذه الفوائِدِ قد لا تَجِدونها في كِتابٍ؛ ولذلك أَحُثُّكم على الاحتِفاظ بها وتَقييدها.

ونَظير ذلك في الأمور المَحسوسة أن الأبَ أو الأُمَّ يَأتي إلى ابنه المَريض فيَكويه بالنار وتُؤلِمه وتُحرِق جِلْده، لكن لطلَب الشِّفاء؛ فكَيُّه مَكروه غير مَحبوب له، لكنه مَحبوبٌ لغيره، أي: لما يَنتُج عنه من المَصالِح، وبهذا تَبيَّن أنه لا مانِعَ من أن يَكون الشيء مَكروهًا من وجهٍ ومَحبوبًا من وجهٍ.

ونَرجِع إلى الفَرْق بين الإرادتين: (الشرعية والكونية)، فما هي التي يَلزَم فيها وُقوع المُرادُ؟

ص: 276

أَقولُ: الكونية هي التي يَلزَم منها وقوع المُراد، وعلى هذا فالكافِر مُرادٌ منه أن يُؤمِن ولم يُؤمِن، ومُرادٌ منه أن يَكفُر وقد كفَرَ، فمُرادٌ منه أن يُؤمِن بالشَّرْعية - ومُرادٌ منه أن يَكفُر - بالإرادة الكونية - فكفَر.

والمُؤمِن الذي آمَن؛ مُرادٌ منه أن يُؤمِن - بالإرادة الشرعية - ومُرادٌ منه أن يُؤمِن - بالإرادة الكَوْنية - لأنه آمَن.

وعلى هذا فالمُؤمِن اجتَمَع في حَقِّه الإرادتان: الكَوْنية والشَّرْعية، والكافِر في حَقِّه الإرادة الكونية دون الشرعية.

فهنا قوله تعالى: {إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ} وقوله تعالى: {أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ} أَراد بهما الإِرادة الكونية.

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أن الله عز وجل يَبتَلي الإنسان بالضُّرِّ وبالرحمة، وهو كذلك، فيَبتليه بالضُّرِّ ويَبتليه بالرحمة؛ قال الله تعالى:{وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} [الروم: 33]، فالله عز وجل يَبتَلي بالضُّرِّ ويَبتِلي بالرحمة.

الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: الفَرْق بين الضُّرِّ وبين الرحمة، أن الرحمة قال تعالى فيها:{هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} والضرُّ قال تعالى فيه: {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} ؛ لأن الرحمة تَحتاج إلى بَقاء فإذا أَبقَى الله تعالى الرحمة، فهل هذه الأَصنامُ هي التي تُمسِك الرحمة أو الله تعالى؟ بل الله عز وجل هو الذي يُمسِك الرحمةَ، وليست هذه الأَصنامُ.

ويُحتَمَل في الآية وجهٌ آخَرُ، وهو أن قوله تعالى:{هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} مَعناه: أن تَصِل إلى المَرحوم، فيَكون {مُمْسِكَاتُ} بمَعنى: مانِعات للرحمة؛ ليَكون ذلك في مُقابِل {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} .

ص: 277

الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: وجوب اعتِماد الإنسان على الله تعالى؛ لقوله: {قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ} أي: قُلْها باللِّسان مُعتَقِدًا إيَّاها بقَلْبك.

الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: أن أحقَّ مَن يُتوَكَّل عليه هو الله تعالى؛ لقوله: {عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} .

فإن قال قائِل: هل تَحقيق التَّوكُّل يُنافي فِعْل الأسباب؟

فالجَوابُ: لا، إلَّا إذا تَعذَّرتِ الأسباب ولم يَبْقَ إلَّا التَّوكُّل، فحينئذٍ يَكون هو سبب الأسباب، فالإنسان مَأمور بفِعْل السبَب، فإذا فعَله ولم يُفِد أو لم يَكُن السبَب مَوجودًا مَقدورًا عليه لم يَبقَ إلَّا التَّوكُّل.

وإن قال: ما هو الدليلُ على أن فِعْل الأسباب لا يُنافِي التَّوكُّل؟

قُلنا: وقوع ذلك من سيِّد المُتوكِّلين محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فإنه عليه الصلاة والسلام كان يَأخُذ بالأسباب؛ فيَأكُل ليَندَفِع عنه الجوع، ويَشرَب ليَندَفِع عنه العطَش، ويَتدَرَّع بالدُّروع في الحرب ليَتَّقيَ بذلك السهامَ، بل إنه عليه الصلاة والسلام في أُحُد ظاهَرَ بين دِرْعين (1)؛ لأن ذلك أَقوى في الصِّيانة والحِماية، وشَقَّ الخَندَق على المدينة في غَزوة الأحزاب (2) مَنعًا للعَدوِّ من دُخول المدينة، والشواهِدُ على هذا كثيرة.

ولكن نُقيِّد الأسباب بأن يَثبُت كونها سببًا شرعًا أو حِسًّا، فلا بُدَّ أن يَثبُت

(1) أخرجه الإمام أحمد (3/ 449)، وأبو داود: كتاب الجهاد، باب في لبس الدروع، رقم (2590)، وابن ماجه: كتاب الجهاد، باب السلاح، رقم (2806)، من حديث السائب بن يزيد رضي الله عنه، وعند أبي داود عن السائب عن رجل قد سماه مرفوعا.

(2)

أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب حفر الخندق، رقم (2837)، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب غزوة الأحزاب، رقم (1803)، من حديث البراء رضي الله عنه.

ص: 278

كونها سببًا إمَّا عن طريق الشَّرْع، وإمَّا عن طريق الحِسِّ والتَّجارِب، فأمَّا مُجرَّد تَوهُّم كون هذا سببًا فإن ذلك من الشِّرْك، وانتَبِهوا لهذه المَسأَلةِ، فمِن دَلالة كون الشيء سببًا شرعًا أن القرآن شِفاءٌ لما في الصدور، وهو مرَض الشُّبُهات والشَّهَوات، وشِفاءٌ لما في الأبدان؛ لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم للذي قرَأَ بالفاتِحة على اللَّديغ:"وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ"(1)، فمِن أين علِمنا أن القُرآن شِفاء من الشَّرِّ؟ وقد يَكون بالتَّجارِب مثل أن نَعرِف أن السَّنَا مُسْهِل، ومن أين عرَفناة هل في القرآن والسُّنَّة أن السَّنَا مُسهِل؟

الجَوابُ: لا، لكن بالتَّجارِب، والسَّنَا يُسمَّى بلُغَتنا في القَصيم (السَّنَاوَيْن) مُثنًّى، وهو سَنًا واحِد! لكنه نوع من أَوْراق الشجَر المعروف يُشبِه السِّدْر، فإذا دُقَّ ونُقِع في الماء لمُدَّة عِشرين ساعةً أو نحوها، وشرِبه الإنسان فانه يَسْلُت ما في بَطْنه من الأذى ويُسهِله، وله رائِحة كريهة، لكن الناس يَجعَلون معه بصَلًا؛ ليُعمِّيَ رائِحته، وإن كان البصَل خَبيثًا، لكنه أهوَنُ؛ لأنه أخَفُّ الضرَرين.

وعلى كل حال: عرَفنا أن السَّنَا مُسهِل من التَّجارِب، وغالِب الأدوِية الموجودة الآنَ من هذا النَّوعِ من التَّجارِب، أمَّا شيء مَوْهوم فهذا لا يَجوز اعتِماده، بل هو نوعٌ من الشِّرْك، وقد ثبَت أن التِّوَلة شِرْك؛ لأنه لم يَثبُت كونها سببًا لمَحبَّة الرجُل لزوجته أو الزوجة لزوجها لا شرعًا ولا قَدَرًا، يَعنِي: ولا حِسًّا، فيَكون إثبات كونها سبَبًا شِرْكًا؛ لأنك أَثبَتَّ ما لم يُثبِتِ الله تعالى، فكأنك جعَلْت نَفْسك مثل الله تعالى في إثبات الأسباب ومَفعولاتها.

إِذَنْ: قوله تعالى: {عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} لا يُنافِي فِعْل الأسباب، بل

(1) أخرجه البخاري: كتاب الإجارة، باب ما يعطى في الرقية، رقم (2276)، ومسلم: كتاب السلام، داب جواز أخذ الأجرة على الرقية، رقم (2201)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

ص: 279

الأسباب من التَّوكُّل في الواقِع؛ ولهذا قال عُمرُ بن الخَطَّاب لأبي عُبيدةَ بنِ الجرَّاح رضي الله عنهما لمَّا قال: "أَفِرارًا من قَدَر الله؟ قال: نَفِرُّ من قَدَر الله إلى قدَر الله"(1)، والله تعالى أَعلَمُ.

مَسأَلة: هل العاصِي التائِب إلى الله أَفضَلُ أم الذي لم يَعصِ الله عز وجل؟

الجَوابُ: أَقول: الذي لم يَعصِ الله تعالى أحسَنُ؛ لأن العاصيَ ربما لا يُوفَّق للتوبة، لكن الإنسان يَشعُر من نفسه أنه إذا عصَى ثُمَّ تاب أنه خجِل من الله تعالى ورجَع إليه واستَحْيا منه، لكن إذا كان سائِرًا على الطاعة مُستَمِرًّا لا يَجِد لذَّة التَّوْبة، وهذا شيء مُجرَّب ومُشاهَد.

مَسأَلة أُخرى: هل الأدويةُ الموجودةُ الآنَ هل هي ثابِتة بالتَّجارِب؟

الجوابُ: نعَم، ولا شكَّ، والمريض يَعلَم أنها ثابِتة أيضًا؛ لأنه واثِق بأهل الطِّبِّ، فهو يَدرِي أنها مُفيدة، فأهل الطِّبِّ الآنَ لا يُمكِن أن يُنزِلوا للسُّوق أدوية إلَّا بعد أَخْذ تَجارِبَ عليها كثيرًا، فيُجرِّبونها على الفِئْران، وعلى الأرانِب، وعلى الكِلاب، ويُجرُونها خُصوصًا في الأمراض المُستَعْصية، فلا تَظُنَّ أن الواحِد منهم يَعجِن هذه الحُبوبَ ويُعطيك إيَّاها مُباشَرةً!

فإن قيل: لكن أَحيانًا لا يَجِد الإنسان نَتيجة من بعض الأدوية فماذا يَفعَل؟

فالجَوابُ: في الأصل أن الدواء لا بُدَّ أن يُصيب مَحلًّا قابِلًا، فإذا لم يُصِب مَحَلًّا قابِلًا ما نفَع، وهذا مَوْجود، حتى القِراءة على المريض التي ثابِتٌ أنها سبَبٌ ولا شكَّ

(1) أخرجه البخاري: كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون (5729)، ومسلم: كتاب السلام، باب الطاعون والطيرة، رقم (2219)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 280

فيها، فكثيرًا ما تَقرَأ على المريض ولا يَستَفيد؛ لأن المَحلَّ غير قابِل، فتَقرَأ عليه وتَجِده يَقول: ما هذا القارِئُ؟ ليس عنده عِلْم!.

وهل يَحرُم استِعْمال الدواء غير المُجدِي؟

أَقولُ: لَا يَحْرُمُ الاستِعمالُ، لكن إذا كان يُؤدِّي إلى ضرَر مثل بعض المُضادَّات الحَيَوية التي تَضُرُّ الإنسان أكثَرَ ممَّا تَنفَعه، فإنه إذا لم يَجِد نفعًا فهنا يَجِب عليه أن يُمسِك حتى لو قال له الطَّبيب: استَمِرَّ، وهو لم يَجِد نفعًا، وهي من الأدوية التي يُسمُّونها: المُضادَّاتِ الحيويةَ، فهي خطَر على الإنسان.

ص: 281