الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (16)
* قَالَ اللهُ عز وجل: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر: 16].
ثم قال الله تعالى: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} قوله: {لَهُمْ} الضَّميرُ يعود على الخاسِرينَ الذين خَسِرُوا أَنْفُسَهم وأَهْليهم يَوْمَ القيامة وهم الكُفَّار.
قوله: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ} من فوق رُؤُوسِهِم، وكلمة:{مِنْ فَوْقِهِمْ} تدلُّ على أن هذه الظُّلَل مُحِيطةٌ بهم.
وقوله: {ظُلَلٌ} قال المُفَسِّر رحمه الله: [طِباقٌ {مِنَ النَّارِ}] وهذه الطِّباقُ من النار لا نعلم كَيْفِيَّتَها، فلا نعلم هل هي حديدٌ مُحَمَّاة، أو حجارة، أو غير ذلك؟ لكن إذا تأمَّلْنا قوله تعالى:{وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة: 24] فقد نقول: إنَّها من الحِجَارة، وليست أيضًا كحِجَارَتِنا، بل هي حجارةٌ لا تُعْلَم كَيْفِيَّتُها.
وقوله: {وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} أي: [من النار] كما قال المُفَسِّر رحمه الله، وهذا كقوله تعالى:{لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف: 41]. أي: شَيْءٌ يَغْشاهم؛ أي: يُغَطِّيهم.
قوله: {ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ} : {ذَلِكَ} أي: المشارُ إليه مِنْ ذِكْرِ هذه الظُّلَل.
قوله: {بِهِ} الضمير يعود على العذاب المَذْكورِ، والباء للسَّبَبِيَّة؛ أي: يخوف بِسَبَبِه، ويجوز أن تقول: للتَّعْدِيَة؛ أي: يُخَوِّف به نَفْسِه.
وقوله: {عِبَادَهُ} قال: [أَيِ المُؤْمِنِينَ لِيَتَّقُوهُ يَدُلُّ عليه: {يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ}] المُفَسِّر رحمه الله سلك في تفسير الآية أنَّ المرادَ بالعباد هنا: شيءٌ خاصٌّ وهم المؤمنون، مع أنَّ ظاهِرَ الآيَةِ العُمُومُ، وأنَّ المراد بالعباد هنا من يتعَبَّدون لله بالمعنى العامِّ، وهي العبودية الكَوْنِيَّة؛ لأنَّ العبادة نوعان: عبادةٌ يَتَعَبَّد الإنسانُ لله بالشَّرْع، وهذه خاصَّةٌ بالمؤمنين؛ وعبادَةٌ يتَعَبَّد الإنسان لله بالكَوْن، أي: يكون عبْدًا لله كَوْنًا وقَدَرًا، يفعل الله فيه ما شاء.
فقوله: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93] هل المراد بالآية هنا: العبادة العامَّة، وأنَّ الله يوجِّهُ الخطاب إلى جَميعِ العِبادِ؛ جميع النَّاس أن يتَّقُوه، أو هي خاصَّةٌ؟ يرى المُفَسِّر رحمه الله أنها خاصَّة، ولكن لا دليل على ذلك، وإذا لم يكن هنالك دليلٌ فالأَوْلى إبقاءُ النَّصِّ على عمومه، فكما أنَّ المؤْمِنَ يُخَوَّف بهذا الوَعيدِ فكذلك الكافر، فالكافِرُ أيضًا يُخَوَّفُ، بل إنَّ تَخْويفَ الكافر أَوْكَدُ من تخويف المُؤْمِن؛ لأنَّ مع المؤمن ما يُنْجيه من الخُلْدِ في النار، لكنَّ الكافِرَ ليس معه ما يُنْجيه من الخُلُودِ في النار.
إذن: الأَرْجَحُ العموم؛ وَجْهُه: أنَّ هذا هو ظاهِرُ النَّصِّ، وأنَّ الكافِرَ أَوْلَى أن يُخَوَّف بالنَّارِ من المُؤْمِن؛ لأنَّ مع المؤمن ما ينجو به من الخلود في النَّار، وليس مع الكافر شيءٌ ينجو به، فكيف نَصْرِفُ التَّخويف عمن هو أحَقُّ بالتَّخويفِ؟!
إذن: فالصَّحيح أنَّ المراد بالعباد العُمُوم؛ يعني: يُخَوِّف اللهُ بهذا العذابِ جَميعَ النَّاسِ. ثم وجَّه اللهُ الخطابَ إلى النَّاس عُمُومًا، فقال:{يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ} : {يَاعِبَادِ}
يعني: جميع العباد، كما قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ} [لقمان: 33]، وقال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: 1]، والآيات كثيرةٌ في تَوْجيهِ الأَمْر بالتَّقْوى إلى جميع النَّاس، والكافر محتاجٌ للتَّقْوى؛ كما أنَّ المؤْمِنَ كذلك؛ فقول المُفَسِّر رحمه الله:[يَدُلُّ عليه] فيه نظر، ففي حكم المُفَسِّر رحمه الله نَظَرٌ، وفي الاستدلال لهذا الحُكْم نَظَرٌ. وقوله:{فَاتَّقُونِ} غريبٌ أن تأتي النونُ مع فِعْلِ الأمر، والمعروف أنَّ فِعْل الأمر المقرون بواو الجماعَةِ أو ألفِ الاثْنَينِ أو ياء المخاطبة تُحْذَفُ منه النون؛ وهذه النونُ هي للوِقايَة؛ وأَصْلها: فاتَّقُونِي؛ والدليل: كَسْرُ النون؛ لأنَّها لو كانت نونَ الرَّفْعِ لكانت بِفَتْحِ النون، فإنَّ نون الرفع تكون مَفْتوحَةً.
ومن مثال ذلك أيضًا: قوله تبارك وتعالى في سورة الأنبياء: {فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ} [الأنبياء: 37] بعض الطَّلَبَة يُشْكِل عليه كيف قال: (لا تَسْتَعْجِلونِ) لا الناهية، وتأتي النون مع النَّاهِيَة؟ نقول: النون هنا للوِقَايَة بدليلِ أنَّها مَكْسُورة، ولو أنَّكَ واصلتَ فقلت: فلا تَسْتَعْجلونِي وَجَبَ الكَسْرُ، وكذلك في سورة الذَّارياتِ قوله تعالى:{فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ} [الذاريات: 59]؛ فالنون هنا للوِقايَة وليست نونَ الرَّفْع.
أمَّا قوله تعالى: {يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ} فقد سبق معنى التَّقْوى مرارًا، فلا حاجة لإعادتها؛ ومن جملة التقوى تَرْكُ الكُفْر؛ لأنَّ التقوى اتخاذ الوِقايَة من عذاب الله؛ ومن جُمْلَتِها الإيمانُ؛ ولهذا جاءت الآية:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ} [لقمان: 33]{يَاأَيُّهَا النَّاسُ} أي: عمومًا؛ وجاءت آية أخرى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ