الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (57)
* قَالَ اللهُ عز وجل: {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [الزمر: 57].
يَعنِي: أو تَقول نَفْس، وهذه مَعطوفة على قوله تعالى:{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ} .
وقوله تعالى: {أَوْ تَقُولَ} أي: النفسُ [{لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي} بالطاعة فاهتَدَيْت {لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}]{لَوْ} هذه شَرْطية، فِعْل الشرط فيها مَحذوف، وجوابُ الشَّرْط فيها قوله تعالى:{لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} ، وتَقديره - أي: تَقدير المَحذوف وهو فِعْل الشَّرْط - لو ثبَت أن الله هَداني لكُنتُ من المُتَّقين.
وهذا احتِجاجٌ بالقدَر، يَعنِي: لو أن الله تعالى هَداني ووفَّقَني فاهتَدَيْت لكُنتُ من المُتَّقين، فهي تَنْدَم وتَحْتَجُّ، يَعنِي: جمَعت بين الندَم على عدَم التَّقوى والهِداية، وبين الاحتِجاج كقول القائِل: لو أَعطَيْتَني أُجرةً لعمِلْت لكَ، ولو أَطْعَمْتَني لشَبِعت. يَعنِي: فلم تُطعِمْني ولم تُعطِني أُجرة. فهُمْ يَقولون: لو أن الله تعالى هَداني لاهتَدَيْت وكُنتُ من المُتَّقين.
وعلى هذا فالمُرادُ بالهِداية هنا هِدايةُ التَّوْفيق، ويَكون هذا احتِجاجًا من النَّفْس بقَدَر الله تعالى على الضلال - والعِياذُ بالله -.
وقوله تعالى: {لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} قال المُفَسِّر رحمه الله: [عَذابَه] وهذا
مَفعول {الْمُتَّقِينَ} ، ولكن الصواب: أن نُقدِّر: (لكُنتُ من المُتَّقين الله)؛ لأن الأصل هو تَقوَى الله عز وجل، وتَقوى عذاب الله من تَقوَى الله تعالى، فيَنبَغي أن نُقدِّر الأَصْل، أي: لكُنتُ من المُتَّقين اللهَ تعالى.
وأَصْل التَّقوى مَأخوذة من الوِقاية، فأَصلُها (وَقْوَى) بالواو، لكن قُلِبت الواو تاءً لعِلَّةٍ تَصريفية، فإذا كانت من الوِقاية فسَّرْناها بأنها اتِّخاذُ ما يَقِي من عَذاب الله تعالى، ولا يَقِي من عَذاب الله تعالى إلَّا فِعْل أوامِره واجتِناب نواهِيه.
ولهذا نَقول: إنَّ أَجمَعَ ما قيل في التَّقوى أنها فِعْل الأوامِر واجتِناب النواهِي.
وقيل: إن التَّقوى أن تَعمَل بطاعة الله تعالى على نورٍ من الله تعالى تَرجو ثوابَ الله تعالى، وأن تَترُك ما نهى الله تعالى على نورٍ من الله تعالى تَخشَى عِقاب الله تعالى؛ وهذا المَعنَى أَطوَلُ ممَّا قُلْنا، لكن ما قُلْنا مُشتَمِلٌ عليه.
وقيل في التَّقوى:
خَلِّ الذُّنُوبَ صَغِيرَهَا
…
وَكبِيرَهَا ذَاكَ التُّقَى
وَاعْمَلْ كَمَاشٍ فَوْقَ أَرْ
…
ضِ الشَّوْكِ يَحْذَرُ مَا يَرَى
لَا تَحْقِرَنَّ صَغِيرَةً
…
إِنَّ الجبَالَ مِنَ الحَصَى (1)
وهذا أيضًا تَعريفٌ شيِّق؛ لأنه مَنظوم، فقوله:
خَلِّ الذُّنُوبَ صَغِيرَهَا
…
وَكبِيرَهَا ذَاكَ التُّقَى
والذُّنوب إمَّا فِعْل مُحرَّم، أو تَرْك واجِب.
(1) الأبيات لابن المعتز، انظر: ديوانه (ص: 29).