الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: الحُور والوِلْدان والمَلائِكة، ولا يَمنَع منه كلام المُفَسِّر رحمه الله؛ لقوله:[وغيرهما].
وقيل: الله أَعلَمُ نَقول: إلَّا مَن شاء الله تعالى، كما أَبهَم الله عز وجل، ولا نَتعَرَّض للتَّفصيل؛ لأنه ليس هناك دليلٌ صحيحٌ صريحٌ في تَعيُّن هؤلاءِ المُستَثْنَيْنَ.
وقوله تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى} ، والنافِخُ إسرافيلُ، وقوله تعالى:{أُخْرَى} مَفعول مُطلَق أي: نَفْخة أخرى، أو نَقول: إنها وَصْف لمَوْصوف مَحذوف، والتَّقدير: نَفْخة أُخرى، كما في قوله تعالى:{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} [الحاقة: 13].
وقوله رحمه الله: [{فَإِذَا هُمْ} أي: جميع الخلائِق المَوْتى، {قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} يَنتَظِرون ما يُفعَل بهم] قوله تعالى: {فَإِذَا هُمْ} الفاء حرفُ عَطْف، و (إذا) فُجائِيَّة، والفُجائِيَّة تَدُلُّ على حُصول ما بعدَها مُفاجأةً، بمَعنَى: أنه يَأتِي بسُرعة.
وقوله تعالى: {هُمْ قِيَامٌ} جملةٌ اسمِيَّةٌ، والغرَض منها الثُّبوت والاستِمْرار، وهي أبلَغُ ممَّا لو قال: فقاموا؛ لأن قوله تعالى: {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ} تَدُلُّ على أن هذا وَصْف لهم كأنه أَمْر ثابِت من قديم، مُستَقِرٌّ مع أنهم لم يَقوموا إلَّا في النَّفْخة الواحِدة الأخيرة.
وقوله تعالى: {يَنْظُرُونَ} قال: [يَنتَظِرون ماذا يُفعَل بهِمْ]، ويُحتَمَل أن يَكون المعنى: يَنظُرون ما حدَث، من النظَر بالعَيْن، وهذا الاحتِمالُ لا يُنافِي ما ذكَره المُفسِّر رحمه الله؛ فتَكون الآية شامِلةً لهذا وهذا، أي: يَنظُرون بأعينهم ما حصَل، ويَنتَظِرون ماذا يُفعَل بهم.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: إثبات النَّفْخ في الصُّور، وأنه واقِع لا محَالةَ، يُؤخَذ من قوله تعالى:{وَنُفِخَ} حيث عبَّر عنه بالماضِي.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: عِظَم هذا النَّفخِ، ويُؤخَذ من إبهام الفاعِل.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن هذا النفخَ عَظيم في تأثيره، حيث يَفزَع الناس منه، ثُم يُصعَقون، أي: يَموتون.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن الصَّعْق شامِل لكل مَن في السمَوات ومَن في الأرض إلَّا مَن شاء الله تعالى، وهم أقلُّ ممَّن يُصعَقون؛ لأن الغالِب أن المُستَثْنى يَكون أقلَّ من المُستَثْنى منه.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: إثبات المَشيئة لله عز وجل، وهي كثيرة في كِتاب الله سبحانه وتعالى، ولم يُنكِرها أحَد من الناس إلَّا فيما يَتَعلَّق بأفعال العِباد، حيث أَنكَرها القدَرية.
الْفَائِدَةُ السَّادِسةُ: أنه يُنفَخ في الصُّور مرَّتَيْن؛ لقوله سبحانه وتعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى} .
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أن النَّفْخة الأخرى يَكون بها البَعْث؛ لقوله تعالى: {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} .
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: أن القِيام من القُبور يَلِي النَّفْخ في الصُّور مُباشَرةً، نَأخُذها من (إذا) الفُجائِية.
الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: أنهم - أيِ: الذين يَقومون - يَقومون وكأنَّ لهم زمَنًا طويلًا في القيام، بدليل أنه أتَى في ذلك بصيغة الجُمْلة الاسمِيَّة.
الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: تَمام قُدْرة الله جَلَّ وَعَلَا، حيث إن الخَلائِق كلها تَقوم مرَّةً واحِدة بهذه النَّفْخة، وقد قال الله سبحانه وتعالى:{فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات: 13، 14] أي: على سَطْح الأرض وظَهْر الأرض.
فإذا قال قائِل: ما عَلاقةُ نَفْخ الصُّور بحياة الناس وبَعْثهم من القُبور؟
فالجَوابُ: أن هذا الصُّورَ مُجتَمَع الأرواح تُجمَع فيه أرواح الخلائِق، ثُمَّ إذا حصَل نَفْخ تَطايَرتِ الأرواح ودخَلَت كلُّ رُوحٍ في جسَدها الذي كانت تَعمُره في الدنيا، لا تُخطِئه أبدًا على كَثْرة الخَلْق وتَفرُّقهم، فإن أرواحهم لا تُخطِئ أجسامهم، فكلُّ رُوح تَدخُل في جسَدها الذي كانت تَعمُره في الدنيا.
فإن قال قائِل: ما حُجَّتهم على أن الأرواح تُوجَد داخِلَ الصُّور قبل النَّفْخ وبعد النَّفْخ تُوضَع في الأجساد، فتُوضَع كلُّ رُوح في الجَسَد، وهو من الأمور الغَيْبية؟
فالجَوابُ: دليلهم حديث الصُّورِ الطويلُ (1)، وهذا الحديثُ فيه أشياءُ مُنكَرةٌ، لكن فيه أشياءُ تَشهَد لها النُّصوص الأخرى الصحيحة، وفيه أشياءُ ليسَتْ مُنكَرة، وليس فيها ما يَشهَد لها في الأحاديث الصحيحة، لكن العُلَماءَ رحمهم الله تَلقَّوْه بالقَبول.
(1) أخرجه الطبراني في الأحاديث الطوال رقم (36)، والبيهقي في البعث والنشور رقم (609)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقال الحافظ في الفتح (11/ 368): مداره على إسماعيل بن رافع، واضطرب في سنده مع ضعفه.