الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
به هذه الريحُ من الرِّمال {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} فقال الله تعالى: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 24، 25].
قال رحمه الله: [{قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} من الأُمَم كقارونَ وقومه الراضِين بها] أي: بهذه المَقالةِ، فقوله سبحانه وتعالى:{قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي: قالوا بعد أن أَعطاهم الله تعالى النِّعَم: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} .
وهذا قد صرَّح الله تعالى به عن قارونَ في سورة القَصص حين خرَج على قومه في زِينته فنَصَحوه، وقالوا له:{وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 77، 78]، فالمَقالة هي المَقالة، وقد سبَقَ أن الإنسان يُعجَب بعمَله فيَظُنُّ أن ما حصَل له من النِّعَم بسبَب عمَله مع أنه من فَضْل الله عز وجل.
وقوله تعالى: {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} : (ما) هذه نافية وقد سبَقَ شَرْحها.
وقوله رحمه الله: [{وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} أي: جَزاؤها] أيِ: السَّيِّئات، ولكنه عبَّر بالسيِّئات نفسِها؛ لأن الجزاء من جِنْس العمَل وهو مُقابِلٌ لها لا يَزيد.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: أن الشَّرَّ يَتْبَع بعضُه بعضًا؛ لقوله: {قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} .
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: تَسلية الرسول صلى الله عليه وسلم فإن هؤلاء الذين قالوا هذا في عَصْره قد قاله مَن سبَقَهم.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن لأهل الشَّرِّ قُدوةً يَقتَدون بها كما أن لأهل الخَير قُدوةً يَقتَدون
بها؛ ولهذا جاء في الحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَنَّ في الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَنَّ في الْإسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"(1).
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن كل ما كسَبه الإنسان من مال أو جاهٍ فإنه لا يُغنيه من الله تعالى شيئًا؛ لقوله تعالى: {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} حتى لو كسَب أَقوَى صَنْعة في الأرض فإنها لا تُغنِي عنه من الله تعالى شيئًا، وإذا أَراد الله سبحانه وتعالى أن يُتلِف هذه القُوَّةَ أَتلَفَها بكلِمةٍ واحِدةٍ منه:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82].
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنه يَجِب على الإنسان اللُّجوء إلى الله تعالى، حيث إن جميع ما كسَبه من مال، أو جاهٍ، أو ولد، أو زوجة، أو غيره لا تُغنِي عنه من الله تعالى شيئًا، فلا يَرجِع إلَّا إلى الله عز وجل.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: الردُّ على الجَبْرية؛ لقوله تعالى: {مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} فإن عمَلَ الإنسان كَسْبٌ له، أمَّا الجَبْرية فيَقولون: إن عمَل الإنسان ليس كَسْبًا له؛ لأنه مُرغَمٌ عليه ومُجبَرٌ عليه فلا يَكون كَسْبًا له، ولا يُضاف إليه.
(1) أخرجه مسلم: كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة، رقم (1017)، من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه.