الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: الثَّناء على الله عز وجل بالكَمال والإِفْضال؛ لقوله تعالى: {الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} فإن صِدْق الوَعْد كَمال، ثُمَّ إن إِيراثَهم الجَنَّة إِفْضال، فجمَعوا في هذا بين الحَمْد على الكَمال والحَمْد على الإِفْضال؛ لأن الله تعالى يُحمَد على الأمرَيْن جميعًا، على كَماله وعلى إِفْضاله، فيَكون هذا جامِعًا بين الحمد والشُّكْر.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: صِدْق اللهِ تعالى وَعْدَه؛ لقوله تعالى: {الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} ، وقد أَخبَر الله تعالى في آيات مُتعَدِّدة أنه لا يُخلِف الميعاد، وذلك لكَمال صِدْقه وكَمال قُدْرته، فإن إِخْلاف الوَعْد إمَّا أن يَكون لكَذِب الوَعْد، وإمَّا أن يَكون لعَجْز الواعِد، وكلاهما ممَّا يُنزَّه الله تعالى عنه؛ فيَكون فيه كَمال الصِّدْق وكَمال القُدْرة.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: شُكْر أهل الجَنَّة على إِيراثِهم الأرضَ ونَصرِهم وظُهورهم على الكافِرين؛ لقوله تعالى: {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ} .
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن الإنسان يَتَبوَّأ بنَفْسه من الجَنَّة حيث يَشاءُ وذلك بعمَله؛ لقوله تعالى: {نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} .
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: الرَّدُّ على الجَبْرية الذين يَقولون: إن الإنسان مُجبَر على عمَله وليس فيه اختِيار، وذلك لقوله تعالى:{نَتَبَوَّأ} فإن الفِعْل هنا ظاهِر بنِسْبته إليهم فيَكون باختِيارهم؛ ففيه: إِثبات المَشيئة للعَبْد.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أن أهل الجَنَّة في مَنازِلهم لا يُريدون غيرها؛ لقوله تعالى: {حَيْثُ نَشَاءُ} ، وهذا من تَمام النعيم؛ لأن الإنسان لو تَطلَّع إلى مَنازِل غيره لرَأَى أنه لم يُكمَل له النَّعيم، يَقول مثَلًا: فلان أَحسَنُ مِنِّي قِصَرًا، فلان أكثَرُ منِّي مالًا. فيَتَنَغَّص
عليه النعيم، لكن إذا رأَى أنه في المكان الذي يَشاؤُه ولا يُريد التَّحوُّل عنه فإن هذا من كمال النَّعيم، قال الله تعالى:{لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف: 108].
فإن قال قائِل: ما تَوجيهكم لقول ابن القَيِّم (1) رحمه الله بأن ذِكْرَ الله تعالى أمانٌ من الحَسْرة في الجَنَّة، واستَدَلَّ بحَديث:"أَنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ لَا يَتَحَسَّرُونَ إِلَّا عَلَى سَاعَةٍ مَرَّتْ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَذْكُرُوا اللهَ فِيهَا"(2)، فهل هذه الحَسرةُ تَتَوجَّه مع ما تَقدَّم؛ لأنهم يَنظُرون مَن سَبَقهم ومَن هو أَعلَى منهم؟
فالجَوابُ: هذه ليس حَسْرة، هذا تَمَنٍّ، يَعنِي: يَتَمنَّون أنهم فعَلوا ذلك، وتَمنِّي الشيء لا يَدُلُّ على الحَسْرة، ولا يُمكِن أن يَكون في الجَنَّة حَسْرة بمَعنَى الندَم والانقِباض مثَلًا؛ لأنَّ هذا يُنافِي كمال النَّعيم.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: الثَّناء على هذا الثوابِ الذي حصَل لأَهْل الجَنَّة في قوله تعالى: {فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} .
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: بَيان مِنَّة الله سبحانه وتعالى بالجَزاء، حيث جعَله أَجْرًا، وكأنه أَجْر مَفروض على الله عز وجل.
فإن قال قائِل: كيف تَجعَلون على الله تعالى شَيئًا مَفروضًا؟
قُلْنا: أنَجْعَلْه نحن، لكنه عز وجل هو الذي جعَله على نَفْسه.
الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: الحثُّ على العمَل الصالِح الذي يُورِث الجَنَّةَ، وأن الإنسان لا يَنبَغي أن يَكون كَسولًا مُتراخِيًا الهِمَّةَ في الأعمال الصالِحة.
(1) انظر: الوابل الصيب (ص 44).
(2)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (20/ 93 رقم 182)، والبيهقي في شعب الإيمان رقم (509)، من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.