الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا يتضمَّن أَمْرًا إِمْرًا؛ إذ إنَّك إذا قلت: لا إله موجودٌ إلا الله، جَعَلْتَ الآلِهَة الموجودَةَ جَعَلْتَها الله، وهذا خطأ عظيم! بل الواجب أن نقول: لا إله حقٌّ إلا الله، نَعَم، إلا الله؛ أما في الآية فـ (إلا هو).
إذن: فما محل: (هو) من الإعراب؟
الجوابُ: بدلٌ من الخَبَرِ المحذوف. يقول: {فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} : (أنَّى) اسْمُ استفهامٍ، والمراد به: التَّوْبيخُ والتَّعَجُّب يعني: كيف تُصْرَفُون عن عبادة الله عز وجل وأنتم تعلمون أنه لا إله إلا هو، هذا خطأ، سَفَهٌ في العقل، وضلالٌ في الدِّين.
وقوله: {فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} قال المفَسِّر رحمه الله: [عن عبادته إلى عبادة غَيْرِه].
إذا كان هذا الاستفهام للتَّوبيخ والتَّعجُّب فإنه يقتضي أن يكون هذا الانصراف حرامًا؛ لأنَّه لا يوبَّخُ إلا على شيء مُحَرَّم - والله أعلم - لأنَّ أهواءهم هي التي غَلَبَتْهُم، وكلمة {تُصْرَفُونَ} تدل على الانْصِراف؛ لأنَّهُم صُرِفوا، لكنَّهم صَرَفَتْهم أهواؤُهُم والشياطينُ.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّ أَصْلَ البَشَرِيَّة من آدم، وليس كما يقول القرود: إنَّ أصلها قِرْد ثم تطوَّر؛ لقوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى كيف خلق هذه النَّفْس في مواضع من القرآن.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ البشرية حادِثَة وليست أَزَلِيَّة؛ لقوله: {خَلَقَكُمْ} والخلق يقتضي الحدوث.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ الله جعل أزواجَ بني آدم من جِنْسه؛ لقوله: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا
زَوْجَهَا} ولو كانت الزَّوْجَة من غير الجنس لم تَحْصُلِ الأُلْفة والمودَّة، ولكن الله جعلها من الجنس لهذا.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: ما مَنَّ الله به علينا مِن إنزال الأنعام؛ الأصناف الثَّمانِيَة، ومنها أن إنعام الله بهذه الأَصْنافِ الثَّمانية أكثر مِن إنعامه بغيرها؛ كالظِّباء والأرانب وما أشبهها؛ لأنَّ الله امتَنَّ بهذه الأصنافِ الثَّمانِيَة دون غيرها؛ لأنَّها أشَدُّ نِعْمَة الله أظْهَر وأبْيَن، ولأنَّها أنعام مألوفَةٌ وأليفة خلافَ الأنعام الأخرى.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: الإشارة إلى أنَّ تَكْوينَ هذه الخَليقة مِن زَوْجَينِ، كما قال تعالى:{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات: 49] فكلُّ شيءٍ مِن الخَليقَة فلا بُدَّ لتَركيبه مِن زوجينِ؛ حتى المياه، وحتى الهواء، وحتى كل شيءٍ، {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات: 49] وهنا يقول: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزمر: 6].
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: بيان حِكمة الله عز وجل في تطوير الخَلْقِ في قوله: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} [الزمر: 6]، ولو شاء لخَلَقنا طَوْرًا واحدًا، ولكنَّ حِكْمَتَه تَأبَى ذلك، بل يتطوَّرُ الإنسان مِن طوْرٍ إلى آخر؛ للتدرُّج في الخَلق، كما أنَّ التدرج أيضًا في التشريع والحكمة، فالشَّرْع لم يَنْزِل جُملةً واحدة، يُكَلَّفُ النَّاسُ به مِن أوَّلِه إلى آخِرِه، ولكِنْ نَزَل بالتَّدْريجِ، وما نحن فيه من الحَمْل، لو أنَّ هذا الحَمْل نَشأ في بَطْن الأم دفعةً واحدَةً، لَكان في ذلك ضررٌ عليها، لكنه يتطوَّرُ وينمو شيئًا فشيئًا، حتى يتَّسِعَ البطن شيئًا فشيئًا بدون مَشَقَّة على الأم.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: مِنَّةُ الله سبحانه وتعالى على البَشَرِ في أنه يُطوِّرَهم في هذا الخَلْق في مكانٍ لا يمكن أن يَصِلَ إليه أحد؛ لقوله: {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} كما قال الله تعالى: {فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ} [المرسلات: 21، 22].
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: حماية اللهِ الجنينَ لكونه في هذه الظُّلُمات الثَّلاثِ؛ لأنَّ أشِعَّة الضَّوء ربما تَضُرُّه، فجعله الله سبحانه وتعالى في هذه الظُّلُمات الثَّلاث.
الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: أنَّ القادر على هذا هو المُسْتَحِقُّ للأُلوهِيَّة والعِبادَةِ؛ لقوله: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} .
الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: انفرادُ الله سبحانه وتعالى بالملك؛ لقوله: {لَهُ الْمُلْكُ} فلا مالِكَ إلا اللهُ، وهل المُلك مُلك التَّصرُّف الكونيِّ أو الكوني والشَّرْعي؟
الجواب: الكَوْني والشَّرْعي، فلا مالِكَ إلا الله كونًا، ولا مالِكَ إلا اللهُ شَرعًا، ولهذا له الحُكم الكونيُّ والشَّرعيُّ عز وجل.
الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: النداء الصارخ في تَسْفيهِ هؤلاء القوم الذين اتَّخَذوا مِن دونه أولياءَ، بعد ظهور هذه الآيات العظيمة؛ لقوله:{فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} ؛ يعني: كيف تُصْرَفون عن الحَقِّ مع وضوحه وبيانه؟!