الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(صفة الضحك)
[887] باب إثبات صفة الضحك
[قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم]:
[قال الإمام]:
الحديث صريح في إثبات صفة الضحك لله تعالى بحيث لا يمكن تأويله.
"الصحيحة"(6/ 2/732 - 733).
[888] باب إثبات صفة الضحك
والرد على من ضعَّف بعض أدلتها
[قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم]:
«آخرُ مَن يدخلُ الجنةَ رجلٌ؛ فهو يمشي مرة، ويكبو مرةً، وتسفعُهُ النارُ مرةً، فإذا ما جاوزَها التفتَ إليها فقال: تباركَ الذي نجاني منكِ، لقدْ أعطاني الله شيئاً ما أعطاه أحداً من الأولين والآخرين، فتُرفعُ لهُ شجرةٌ، فيقولُ: أيْ ربِّ! أدنني من هذه الشجرة، فلأستظلَّ بظلِّها، وأشربَ من مائها، فيقولُ الله عز وجل: يا ابن أدم! لعلِّي إن أعطيتُكَها سألتني غيرها؟ فيقولُ: لا يا ربِّ! ويعاهدُه أن لا يسألَه غيرها، وربُّه يعذِرُه؛ لأنَّه يرى ما لا صبْرَ لَهُ عليه، فيدنيهِ منها، فيستَظلُّ بظلِّها، ويشربُ من مائها.
ثم ترفعُ له شجرةً هي أحسن من الأولى، فيقولُ: أيْ ربِّ! أدنني من هذه لأشربَ من مائها، وأستظلَّ بظلِّها، لا أسأَلُكَ غيرها، فيقولُ: يا ابن آدم! ألم تعاهدْني أن لا تسألنِي غيرها؟ فيقول: لعلِّي إن أدنيتُك منها تسألُني غيرها؟ فيعاهدهُ أن لا يسألَه غيرَها، وربُّه يعذرُه؛ لأنَّه يرى ما لا صَبْرَ له عليه، فيدنيهِ منها، فيستظلُّ بظلِّها، ويشربُ من مائها.
ثم ترفعُ له شجرةٌ عند باب الجنة هي أحسن من الأولَيَيْنِ، فيقولُ: أيْ ربِّ! أدنني من هذه لأستظلَّ بظلِّها، وأشربَ من مائها، لا أسألُكَ غيرها! فيقولُ: يا ابن آدمَ! ألمْ تعاهدني أن لا تسألَني غيرها؟ قال: بلى يا ربِّ! هذه لا أسألُك غيرها، وربُّه يعذرُه؛ لأنه يرى ما لا صَبْرَ له عليها، فيدنيه منها.
فيسمعُ أصوات أهل الجنة فيقولُ: أيْ ربِّ! أدخِلنِيها، فيقول: أيِ ابنَ أدمَ! ما يَصْرِيني منكَ؟ أيرضيك أن أعطيكَ الدنيا ومثلَها معَها؟ قال: يا ربِّ! أتستهزئ مني وأنت ربُّ العالمين؟
فضحكَ ابنُ مسعودٍ، فقالَ: ألا تسألوني ممَ أضحكُ؟ فقالوا: ممَ تضحكُ؟ قال: من ضَحِكِ ربِّ العالمين حين قال: أتستهزئ مني وأنتَ ربُّ العالمين؟ فيقول: إني لا أستهزئُ منكَ، ولكنِّي على ما أشاء قادر.- وفي رواية: قدير-».
[قال الإمام]:
ثم وقفت بعد زمن من تحرير هذا التخريج على من ينكر صحة الحديث من جهة ما فيه من إثبات صفة الضحك لرب العالمين بقوله صلى الله عليه وآله وسلم:
وأعني به ذاك الجهمي الجاحد المعطل، فقد قال- فُضَّ فوه- في تعليقه على
"دفع الشبه "(ص 178) مشيراً إلى إنكاره هذه الصفة:
"وهي عندنا (!) لا تثبت؛ لأن راويها حماد بن سلمة ضعفه مشهور؛ وإن كان من رجال مسلم .. ".
فأقول: مجال الكلام في الرد عليه واسع جداً لا سبيل إليه الآن، فحسبي منه ما يأتي؛ مما يؤكد تجهمه وعداءه لأئمة السنة وكذبه عليهم!
أولاً: قوله في حماد- رحمه الله! "ضعفه مشهور"؛ كذب وزور، لم يسبقه إليه أحد من المسلمين! فخذ ما شئت من كتب الرجال، فلن تجد فيها هذا التضعيف المطلق فضلاً عن أن يكون مقروناً بأنه مشهور!! غاية ما قيل فيه: إنه يخطئ! وهل هناك من لا يخطئ غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!
ومع ذلك؛ فحماد موصوف بالضبط والإتقان فيما يرويه عن بعض التابعين؛ ومنهم ثابت البناني راوي هذا الحديث عند مسلم وغيره كما رأيت، وقد قال الإمام أحمد في "العلل " (1/ 263 و2/ 222):
"حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت البناني ".
وكذا قال ابن المديني وغيره.
ولو أن القارئ الكريم راجع ترجمته في المطوَّلات من كتب الرجال والتاريخ؛ لرأى العجب العجاب من الثناء عليه والرفع من شأنه، وحسبك في ذلك قول إمام المؤرخين- الذي لا يحابي ولا يداري- الحافظ الذهبي، فقد أورده في "تذكرة الحفاظ "، وفي "أعلام النبلاء"، ووصفه بالحافظ الإمام القدوة شيخ الإسلام، ثم قال:
"قلت: كان بحراً من بحور العلم، وله أوهام في سعة ما روى؛ وهو صدوق حجة .. وكان مع إمامته في الحديث إماماً كبيراً في العربية، فقيهاً فصيحاً، رأساً في السنة .. ".
وقال ابن حبان في " الثقات "(6/ 216):
"لم يكن من أقرانه مثله في البصرة في الفضل والدين والعلم، والنسك، والصلابة في السنة، والقمع لأهل البدعة، ولم يكن يَثْلُبُه في أيامه إلا قدري أو مبتدع جهمي، لما كان يظهر من السنن الصحيحة التي ينكرها المعتزلة".
قلت: سبحان الله اما أشبه اليوم بالبارحة، فها هو الجهمي المبتدع- بل الجاحد- يثلبه من جديد ويطعن فيه تقليداً منه للكوثري والغماري وأمثالهما من المتجهمة للسبب نفسه الذي ذكره ابن حبان- رحمه الله، لذلك؛ تجده قد نصب نفسه- مثلهما- لرميه بما لا يصح، حتى ضعف به هذا الحديث الصحيح المتلقى من الأمة بالقبول، حتى من ابن الجوزي في "الدفع " الذي فتح له باب التجهم؛ فإنه لعلمه بثقة حماد لم يَسَعْهُ إلا التسليم به، ولكنه فسره بالمجاز الذي يؤدي بهم إلى أن يفسروا وجود ذاته تعالى بالمجاز أيضاً؛ لأن للمخلوقات وجوداً أيضاً، فإذا قالوا: لا ينسب الضحك إلى الله لأن الضحك من صفة الإنسان؛ فلينفوا إذن وجوده تعالى؛ لأن الإنسان موجود أيضاً! فسيقولون: وجوده تعالى ليس كوجودنا .. فنقول: قولوا إذن في كل صفة لله ثبتت في الكتاب أو السنة: إنها ليست كصفتنا؛ تستريحوا وتهتدوا {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} ؛ فله سمع ولكن ليس كسمعنا، وبصر ليس كبصرنا .. ويضحك ولكن ليس كضحكنا؛ فإنه يقال في الصفات كلها ما يقال في الذات إثباتاً وتنزيهاً.
فهذا الحق ما به من خفاءٍ
…
فدعني عن بُنَيَّات الطريق.