الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يثبت له عز وجل من الصفات كل ما أثبته لنفسه في كتابه أو حديث نبيه دون تمثيل وهذا هو مذهب السلف وعليه المصنف رحمه الله تبعا لأبي حنيفة وسائر الأئمة كما تراه مفصلا في الشرح {فبهداهم اقتده} (الأنعام: 90).
"التعليق على متن الطحاوية"(ص10 - 11).
[841] باب هل هناك جهمية في العصر الحديث؟
والكلام على ضلال الجهمية، والرد على شبه المعطلة، والكلام على حديث الجارية
الشيخ: (هناك طوائف) في الحديث (1) قطعاً تتبنى بعض أفكار الجهمية القديمة لكنها لا تنتمي إليها اسماً ولا مذهباً، وإنما تلتقي في بعض ما كانت الجهمية تذهب إليه فكراً وعقيدةً، غلاة الجهمية الحقيقة يلتقون مع القائلين بوحدة الوجود؛ لأنهم لا يصفون الله عز وجل بالصفات التي جاء ذكرها في القرآن الكريم، ينفون عنه الصفات، وإذا نفوا عنه الصفات عَطَّلُوه، يعني حكموا عليه بعدم الوجود، كما يقول الدهريون تماماً، هؤلاء غلاة الجهمية.
دونهم طبقة من الجهمية ينكرون ما سبق ذكره آنفاً من أن الله عز وجل فوق مخلوقاته كلها، ويُصرِّحون بما يصرح به عامة المسلمين مع أنهم لا يقصدون ذلك المعنى الذي يقصده أولئك الجهمية، يصرحون بأن الله عز وجل في كل مكان، فكثير من الناس اليوم حتى الكُتَّاب ونحو ذلك ممن لم يدرسوا العقيدة الإسلامية الصحيحة، يقولون بهذه الكلمة، وينفون أيضاً عن الله عز وجل صفاتاً أخرى
(1) أي في العصر الحديث.
كثيرة، منها مثلاً يقولون على الرغم من تصريح القرآن بقوله عز وجل:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (النساء:164)، يقولون بأن الله لا يتكلم، هذا من عقيدة الجهمية، ووافقهم على ذلك المعتزلة كلهم، فالمعتزلة يُصرِّحون بأنه ليس من صفات الله الكلام، وهذا سبب هذا الإنكار حديثاً وقديماً، وهو تسليط العقول كما أشرت آنفاً على أمورٍ غيبيةٍ وعالِمُ الغيوب هو الله تبارك وتعالى، فلا يجوز نحن أن نكيف صفات الله عز وجل بالكيفية التي يعرفها بعضنا من بعض، مثلاً: الكلام، نحن الكلام نعرفه، لا بد من جهاز معروف هو الفم، هو اللسان، هو الحلق، هو الأسنان، أضراس، إذا نقص شيء من هذه الآلات التي خلقها الله في الإنسان صار الكلام غير طبيعي، فلما هم بيتصوروا أن الله كلم موسى تكليماً، ينتقل تصورهم من المخلوق إلى الخالق، ويستنتجوا من ذلك أن الله يتكلم بلهاة .. بلسان .. بأضراس .. وهذا طبعاً تشبيه، والتشبيه باطل، فما لزم منه الباطل فهو باطل، مقدمات يقيمونها هي في الأصل على شرف جرف هار: خيال، ثم يبنون
عليها علالي وقصوراً، وهذا الذي يبنون عليه تعطيل النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية.
ربنا عز وجل بحكمته البالغة خلق لهذا البشر في هذا العصر آلة صماء بكماء، وهو المسجلة، من قبل صندوق السمع بتعرفونه يتكلم بكلام عربي مبين، وليس هناك شيء من هذه الآلات التي يتكلم بها الإنسان، فالله عز وجل الذي خلق هذا الجهاز جامد، ليس بإنسان، والإنسان كما نعلم جميعاً مفضل على المخلوقات كلها، {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ في الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء:70)، هذا الجهاز الأصم الأبكم يتكلم بدون ما يكون له تلك الآلات، تُرَى! ربنا عز وجل القادر على كل شيء لا
يستطيع أن يتكلم مع أنبيائه ورسله بدون أن نتصور نحن تصور المعتزلة، أن الإنسان يتكلم بوسائل، فإذاً ربنا لا بد أن يكون له كذا وكذا .. حاشاه؛ ولذلك يقول عز وجل في القرآن الكريم جمعاً بين -كما يقول العلماء -الإثبات لصفات الله، وتنزيها لهذه الصفات أن تُشابه صفات المخلوقات، فيقول سبحانه وتعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11).
من العجيب أنك ترى هؤلاء المعتزلة وبعض المتشبهين بهم قديماً وحديثاً، يقولون: الله سميع وبصير.
طيب، كما أثبتم صفة السمع والبصر وما قلتم: لازم يكون له حدقة، ولازم يكون له أجفان، ولازم يكون له عين الإنسان، ما قلتم شيء من ذلك أطلقتم، قال تعالى:{وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، كذلك قولوا عن كلام الله عز وجل:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11) وتنتهي القضية، مع ذلك بعض من طَرَّدَ الفرار من التشبيه بالتعطيل، جاء إلى هذه الآية نفسها:{وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، فنفى أن يكون له سمع، ونفى أن يكون له بصر، بحجة أن الإنسان له بصر، والإنسان له سمع، وهذا تشبيه. سبحان الله!
أجابهم أهل الإثبات من أهل السنة والجماعة، إذا أنتم طَرَّدْتُم أن تنفوا عن الله كلَّ الصفات التي أثبتها لنفسه، لمجرد الاشتراك في الاسم، وليس في الحقيقة، إذاً: قولوا كما قال غلاة الصوفية: لا وجودان، إنما هو وجود واحد؛ لأن الآن يسأل بعضنا البعض: نحن موجودين وِلَاّ معدومين؟ طبعاً موجودين.
الله موجود أو معدوم؟ الله موجود هو موجود ووجوده الحق كما قلنا من قبل.
فإذاً: صار هنا اشتراك بوجود الله ووجود الإنسان، تنكروا إذاً ووجود الله، وتخرجوا من المشاكل كلها، لا وجود غير وجودنا، كلمة حق اثبتوا عليها، وجوده غير وجودنا، صفاته غير صفاتنا، وانتهت المشكلة.
فنقول: كلامه ليس ككلامنا، بصره ليسه كبصرنا، سمعه، كل ما أثبت الله عز وجل له من صفات هي لا تشبه صفات المخلوقات، كما في الآية السابقة:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11).
إذاً: جهمية العصر الحاضر هم الذين يلتقون مع الجهمية الأولين في إنكار بعض صفات الله، أولئك نفوا صفات الله كلها، هؤلاء يشتركون مع الجهمية القديمة، في إنكار بعض الصفات باسم التنزيه، لكن حقيقة التنزيه أن نثبت لله عز وجل ما أثبته لنفسه دون تكييف ودون تشبيه، وبهذه المناسبة يقول ابن القيم الجوزية رحمه الله كلمة حق وهي:
العلم قال الله قال رسوله
…
قال الصحاب ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة
…
بين الرسول وبين رأي فقيه
فنفي الصفات خوفاً من التشبيه والتعطيل، هذا مذهب المعتزلة الذين هم فرع من الجهمية، ومذهب بعض المعاصرين اليوم ممن يلتقون مع أولئك في بعض ما أنكروا من الصفات.
ويحضرني أيضاً في هذه المناسبة قصة وقعت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في زمانه، والحقيقة أنه كان عالماً فذاًّ في إحاطتة بعلم الكتاب والسنة، زائد معرفته بعقائد الفرق المخالفة بما فيهم الفلاسفة الذين ينكرون الشرائع، فكان من مزاياه الشجاعة التي قلما توجد مع الأسف في أهل العلم، فشكوه إلى الوالي في
دمشق يومئذ؛ بأن هذه يعتقد كذا .. وكذا، يرمونه بالتشبيه، فعقد له مع الشيوخ مجلس مناظرة، فسمع الأمير من كلٍّ من الشيخ والجماعة، الجماعة ينكرون بعض الصفات منها: أن يكون الله عز وجل فوق مخلوقاته. وسمع من الشيخ آيات كثيرة ذكرنا نحن آنفاً بعضها، ومما ذَكَرَ حديث يعرف عند علماء الحديث بحديث الجارية، وهذا الحديث رواه الإمام مالك من الأئمة الأربعة كما تعلمون في "موطئه"، والإمام أحمد في «مسنده» ، والإمام مسلم في «صحيحه» بالسند الصحيح عن رجل
…
[حصل هنا انقطاع صوتي] فيقول معاوية هذا يُحَدِّثُ عما وقع له في أول إسلامه، قال:«صلَّيت وراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوماً، فعطس رجل بجانبي، فقلت له: يرحمك الله وهو يصلي، قال: فنظروا إلي هكذا .. فقلت: وا ثكل أمياه! والرجال يصلون، وا ثكل أمياه مالكم تنظرون إلي» ؟،هو حديث عهد بالإسلام، ليس متعلم أحكام الصلاة كما ينبغي، (فلا يدري) هو أن الكلام في الصلاة يفسدها ويبطلها، ولذلك صاح بعادة الأعراب، ورفع عقيرته «وا ثكل أمياه، مالكم تنظرون إليَّ» :ماذا عملت أنا معكم، الجماعة يضربون على أفخاذهم تسكيتاً له، بلا شك الرجل صلى وما درى كيف صلى، يريد أن يعرف ما هو ذنبه، لكن بلا شك بصفةٍ عامة أنه فهم أن الجماعة ما عاملوه هذه المعاملة إلا أنه مخطئ، ولذلك هو يتصور الآن أن هذا النبي الذي يصلى خلفه، تُرَى ماذا سيفعل به، وإذا به يفاجئ كما هو الأمر الطبيعي من الرسول عليه السلام، «فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة أقبل إليّ، فو الله ما قهرني، ولا كهرني، ولا ضربني، ولا شتمني، وإنما قال لي: إنما هذه صلاة لا يصلح فيها من كلام الناس، إنما هي تسبيح وتكبير وذكر وتلاوة للقرآن» هذا كل شيء فعله معه، ولا شك أن الواحد منا عندما يبدو أنه
أخطأ خطأً مع رجل كبير، يتصور أن هذا الكبير سينهره وسيقهره، وإذا به يُفاجأ بما هو المفروض واللائق بالرسول، كما قال تعالى:{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران:159)، وإذا به لم ير منه إلا التعليم، وكأنه لم يصنع شيئاً:«لا يصلح فيها شيء من كلام الناس .. » إلى آخره.
فلما رأى هذا اللطف، وهو يشعر الآن بأنه بحاجة إلى أن يتعلم، فأخذ يلقي السؤال على الرسول عليه السلام، بعد السؤال، والرسول يجيبه، فقال:«يا رسول الله! إن منا أقواماً يأتون الكهان» المنجمين العرافين المسمون البصارة، قال:«فلا تأتوهم» . الكلام موجز شَرْحُهُ معروفٌ عند العلماء.
قال: «يا رسول الله! إن منا أقواماً يخطون» الخط يعني: ضرب الرمل.
فقال عليه السلام: «قد كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه خطهم فذاكا» هذا يسميه العلماء بالتعليق بالمحال.
مداخلة: المقصود بالخط مش مفهوم؟ .. كلمة خط.
الشيخ: الرمل يا أستاذي، يكتبوا على الرمل، بعض المنجمين يستعملون الرمل كوسيلة بزعمهم لاكتشاف المغيبات، ألا يوجد عندكم هذا الشيء؟
مداخلة: معروف .. البصارة
…
مداخلة: كان أحد الأنبياء يستعمل هذه الطريقة؟
الشيخ: سآتيك بالكلام.
يقول الرسول عليه السلام لهذا السائل: «قد كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه خطه فذاك» قلت آخر ما قلت: إن هذا يسميه العلماء بالتعليق بالمحال،
أي: إن الله عز وجل كان قد جعل لنبي من الأنبياء السابقين الضرب على الرمل وسيلة من الوسائل الخاصة به لاكتشاف بعض المغيبات؛ لذلك قال عليه السلام لهذا السائل، لما قال له إن فينا أقواماً يخطون، كان جوابه:«قد كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطُّه منكم خطَّ ذاك فذاك» أي: مصيب، لكن هذا تعليق بالمحال، هذا مستحيل؛ لأن تلك كانت معجزة لذلك النبي.
قال: «يا رسول الله! إن منا أقواماً يتطيرون، قال: فلا يصدنكم» التطير: التشاؤم، معروف هذا، والتشاؤم اليوم بالرغم من أن الإسلام أبطله وقال:«لا طيرة» فتجد كثير من المسلمين بسبب إغراقهم في جهلهم يتطيروا، خاصة النساء منهن، يعني إنه الغسيل يوم كذا ما بيجوز، إدخال الصابون ما بيجوز يوم كذا، هذه خرافات كثيرة وكثيرة جداً، هذا كله تطير لا يجوز في الإسلام، لا طيرة في الإسلام.
قال: إن منا أقواماً يتطيروى قال:
«فلا يصدنكم» جواب في منتهى الحكمة واللطف وعدم التحذير والتضييق على الناس؛ لأنه لا يقول: لا تتطيروا، في فرق كبير جداً بين ما قاله عليه السلام:«لا يصدنكم» وبين ما لو كان القول: لا تتطيروا، لو قال لا تتطيروا تكليف بما لا يطاق، والله يقول:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة:286)، لكن كَلَّفهم
بما يطيقون.
أصل كلمة التطير مشتقة من الطير، وكانوا في الجاهلية من خرافاتهم وسخافاتهم، كان أحدهم إذا عزم على سفر، وخرج من داره لا بد ما يصادفه طير، هذا الطير الحيوان إذا طار يميناً، فالسفر ميمون في زعم هذا الإنسان
…
إذا طار هذا الطير وهو الطير نفسه لو سُئل: «لماذا طرت يميناً» ما يدري، إذا طار يميناً فسفره ميمون، وإذا طار شمالاً فسفره مشؤوم، هذه عادة الجاهلية.
طار شمالاً يعود إلى بيته كل التخطيط الذي وضعه في هذا السفر يبطل بمجرد طيران الطير شمالاً ويساراً، فالرسول عليه السلام أبطل هذه الطِّيَرة، لكن ما أبطلها كشيء يصدر من الإنسان فجأة دون تفكير، دون تخطيط، لكن أبطل التجاوب مع الطيرة، فقال: لا يصدنكم.
مثلاً إنسان أيضاً عزم على سفر، خرج من بيته آخذ الشنطة معه .. إلى آخره، وإذا بواحد يتشاجر مع شخص آخر، فيقول له: الله لا يوفقك. تجي طق في أذنه، يتشاءم منها، ويرجع، لكن لو كان مسلم متأدب بآداب الرسول لا يرجع، كلمة جاءت على الطاير مثل ذاك الطير، ما هو تأثيرها؟ ليس لها تأثير، لذلك قال عليه السلام:«لا يصدنكم» ، فأنت سمعت كلمة فيها تشاؤم، لا تتجاوب معها، كونك تشاءمت لأول وهلة ما عليك مؤاخذة، لكن إذا تجاوبت معها فهنا تأتي المؤاخذة.
والآن يأتي الشاهد: قال: «يا رسول الله! عندي جارية ترعى غنماً لي في أحد، فسطا الذئب يوماً على غنمي» افترس الذئب ما شاء الله من غنم هذا الرجل.
قال: «وأنا بشر أغضب كما يغضب البشر، فصككتها صكةً» أين كنتي؟! غافلة .. نائمة .. إلى آخره، حتى سطا الذئب على غنمي، طبعاً هو صكها هذه الصكة ثم ندم، لذلك يقول في تمام سؤاله:«وعليّ عتق رقبة» كأنه يقول: أَعِتْقُهَا يجوز لي كفارة؟ قال: «ائت بها» فلما جاءت قال لها عليه الصلاة والسلام: «أين الله؟ قالت: في السماء، قال لها: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال لسيدها: اعتقها فإنها مؤمنة» .
يقول أهل العلم: عرفت ربها في السماء كما قال: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} (الملك:16) إلى آخر الآية التي ذكرناها آنفاً، وعرفت أن محمداً عبده ورسوله في الأرض، فشهد لها بالإيمان، وقال لسيدها:«اعتقها» فعتقك إياها وفاء لنذرك أن تعتق رقبة.
الشاهد: أن في قصة ابن تيمية مع مجلس الاختبار والمناقشة والمناظرة، فذكر ابن تيمية من هذه الأحاديث ما شاء الله، منها الحديث الذي هو والحمد الله لا يزال شائعاً على ألسنة الناس:«الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» .
سمع كلام ابن تيمية قال الله، قال رسوله، مثلما قال ابن القيم في
الشعر السابق:
العلم قال الله قال رسوله
…
قال الصحاب ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة
…
بين الرسول وبين رأي فقيه
كلا ولا جحد الصفات ونفيها
…
حذراً من التعطيل والتشبيه
سمع ابن تيميه يثبت وجود الله، وأنه فوق المخلوقات كلها، أما المشائخ، فإذا قيل لهم: أين الله؟! قالوا: لا ندري. فماذا كان جواب الأمير العاقل، قال: هؤلاء قوم أضاعوا ربهم.
فعلاً: ربنا الذي خلق الكون وكان الله - كما جاء في حديث عمران بن حصين في "صحيح البخاري"-: «كان الله ولا شيء معه، ثم خلق هذا الكون» بما فيه من سماوات من أرضين من جبال من وديان، من ملائكة، من جن، من إنس، من دواب، كيف لا يدرون أين الله، والآيات والأحاديث متواترة، كلها على أن الله
عز وجل فوق المخلوقات كلها، ولذلك كان من أوراد المسلم إذا وضع جبهته ساجداً لربه أن يعظمه ويقول: سبحان ربي الأعلى.
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} (الأعلى:1)، من السنة إذا الإنسان سمع هذه الآية تتلى أن يقول: سبحان ربي الأعلى؛ لأن الله أمر في الآية أن يقول أحدنا: سبحان ربي الأعلى، فلما سمع المناظرة ذلك الأميرُ العاقل، الذي قاس بين الشيخ من جهة والمشايخ من جهة أخرى، قال: هؤلاء قوم أضاعوا ربهم.
فعلاً، هذه حقيقة نسمعها اليوم، ونلمسها لمس اليد، إما أن يقول: لا ندري، ويتبع هذا النفي إنكار السؤال الصادر من الرسول، الرسول قال للجارية:«أين الله» فالآن نسمع إنكار السؤال الصادر من الرسول، فضلاً أن يُقرِّوا الجواب الصادر من الجارية، والذي عليه شهد الرسول عليه السلام لها بالإيمان، وبناء على ذلك أمر سيدها بأن يعتقها.
الناس اليوم إما أن يقولوا حقيقةً: إن الله في كل مكان، وهؤلاء هم الجهمية وبعض المعتزلة، وإما أن يقولوا جواباًَ عن سؤال الرسول للجارية: أين الله؟:لا ندري، وأنا سمعت أحد الخطباء ممن درست عليه الفقه وعلم النحو على المنبر، وفي مسجد إذا كان فيكم أحد يعرف دمشق جيداً، اسمه جامع التربة في العقيبة، سمعته يقول: الله لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه.
وأنا أقول يا جماعة وأظن ستؤيدونني جميعاً: لو قيل لأفصح العرب لساناً صف لنا المعدوم الذي لا وجود له، لما وسعته اللغة العربية الفصيحة كلها أن يصف المعدوم بمثل ما وصف هذا الشيخ -وهذا
…
متلقيه من كتب-، بمثل ما وصف هذا الشيخ ربه، حيث قال: لا فوق، ولا تحت، ولا يمين، ولا يسار، لا