الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلماء وأعاظم الرجال وهذا هو الذي حملنا على إحسان الظن فيه في كثير من المواضع التي فيها مجال لناقد. انتهى كلام ابن مانع رحمه الله.
التعليق على متن الطحاوية" (ص33 - 36).
[843] باب الرد على المشبهة
[قال الإمام معلقاً عبى قول صاحب الطحاوية:"ولا يشبه الأنام"]:
فيه رد لقول المشبهة الذين يشبهون الخالق بالمخلوق سبحانه وتعالى قال عز وجل: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (الشورى: 11).
وليس المراد نفي الصفات كما يقول أهل البدع فمن كلام أبي حنيفة رحمه الله في " الفقه الأكبر ": لا يُشبه شيئاً من خلقه ولا يُشبِههُ شيءٌ من خلقه. ثم قال بعد ذلك: وصفاته كلها خلاف صفات المخلوقين: يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا. انتهى.
"التعليق على متن الطحاوية"(ص13)
[844] باب رد تهمة التجسيم عن شيخ الإسلام ابن تيمية
[قال الإمام في مقدمة "مختصر العلو" بعد أن ساق نصوصًا كثيرة عن السلف تثبت أن التفويض لم يكن مذهبهم كما يدَّعي أهلُ الأهواء]:
قلت: فهذا قُلٌّ من جُلٍّ النصوص التي سنراها في الكتاب وهي كلها متفقة على أن السلف كانوا يفهمون آيات الصفات ويفسرونها ويعينون المعنى المراد منها على ما يليق به تبارك وتعالى.
فلماذا لا يرفع الكوثري وأمثاله من الخلف رؤوسهم إلى هذه النصوص، ويظلون يصرون على أن السلف كانوا لا يفهمونها وإنما كانوا يُجرونها على ألسنتهم فقط دون تدبر لها وبيان لمعناها؟
والجواب: أحسن أحواله أن يكون حاله كحال الجويني الذي كان متأثراً بشيوخه من علماء الكلام، ولكنه لما كان مخلصا في علمه لله تعالى هداه الله تبارك وتعالى إلى عقيدة السلف في الاستواء وغيره مصداقاً لقوله تعالى:{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} فهل كان الكوثري وأمثالُه من الطاعنين في أئمة الحديث والسلف مخلصين أيضا؟
من الصعب جدا أن نجيب عن هذا بالإيجاب؛ لكثرة ما نرى من عدائه الشديد - في كل تعليقاته - لأئمة السلف والتوحيد واستمراره على اتهامهم بالتجسيم والتشبيه وبصورة خاصة لابن تيمية منهم، مع رد هذا على المجسمة ومبالغته في ذلك في سائر كتبه، فلا نكاد نراه في صدد الرد على المعطلة إلا ويشرك معهم في الرد المجسمة كما يعرف ذلك كل من له دراسة لكتبه رحمه الله تعالى، ومن كلامه في هذا الصدد قوله في " الحموية " (ص 160):
"فمن قال: لا أعقل علماً ويداً إلا من جنس العلم واليد المعهودين، قيل له: فكيف تعقل ذاتاً من غير جنس ذوات المخلوقين؟ ومن المعلوم أن صفات كل موصوف تناسب ذاته وتلائم حقيقته فمن لم يفهم من صفات الرب الذي ليس كمثله شيء إلا ما يناسب المخلوق فقد ضل في عقله ودينه ".
قلت: وهذا قليل من كثير من كلامه الذي يدل دلالة قاطعة على أن شيخ الإسلام ابن تيمية هو منزه وليس بمشبه أو مجسم كما يفتري الكوثري، وقد نقل
صديقه (1) العلامة أبو زهرة في كتابه " ابن تيمية " نصوصاً كثيرة من كلام ابن تيمية في موضع الصفات الإلهية ولخص عقيدته فيها تلخيصا جيداً لا تحامل فيه بل إنه قد برأه مما اتهمه الكوثري فقال (ص 264):
"وليس في ذلك ما يتنافى مع التنزيه أو يخالف التوحيد أو يثبت مشابهة بينه سبحانه وبين الحوادث ".ثم قال (ص 266 "):
"وينتهي بلا ريب إلى أن يثبت لله سبحانه وتعالى الاستواء واليد وغير
ذلك ولكن يقول: إن هذا كله بما يليق بذاته تعالى، لا نعرف حقيقته وعلينا
الإيمان به".
ولكنه عاد فنقل عن كتاب " رد شبه التشبيه " لابن الجوزي كلاما له ينتصر فيه للتأويل ويرد به على من يرميهم بالتشبيه فقال أبو زهرة (ص 272) عقبه: " وهو مؤدى كلامهم، ومهما حاولوا نفي التشبيه فإنه لاصق بهم، وإذا جاء ابن تيمية من بعده بأكثر من قرن وقال: إنه اشتراك في الاسم لا في الحقيقة فإنهم إن فسروا الاستواء بظاهر اللفظ فإنه الاقتعاد والجلوس، والجسمية لازمة لا محالة، وإن فسروه بغير المحسوس فهو تأويل وقد وقعوا فيما نهوا عنه "
فأقول: " رويدك يا فضيلة الشيخ فأنت تعلم أن ابن تيمية لا يفسر الاستواء بشيء مما ذكرت وإنما بالعلو، وكتبه طافحة بذلك فلماذا أوهمت القراء خلاف الواقع، فهلا جريت على سننك في نقل أقوال ابن تيمية وأنت تشرح عقيدته ورأيه، أم ضقت ذرعاً بالتزام النقل الصحيح فأخذت تنسب إليه ما ليس بصحيح تارةً بالتلويح كما فعلت هنا وتارة بالتصريح كما فعلت في كتابك الآخر " المذاهب
(1) كما صرح به في " المذاهب الإسلامية "(ص 290). [منه].
الإسلامية " إذ قلت في بحث " السلفية " والإمام ابن تيمية (ص 320):
" وهكذا يثبتون كل ما جاء في القرآن والسنة عن أوصافه سبحانه
…
ويثبتون الاستقرار على العرش "
فأين رأيت ابن تيمية يقول بالاستقرار على العرش علماً بأنه أمر زائد على العلو وهو مما لم يرد به الشرع، ولذلك رأينا مؤلفنا الحافظ الذهبي قد أنكر على بعض القائلين بصفة العلو التعبير عنها بالاستقرار كما نراه في الترجمة (158، الفقرة 322)، ويقول أبو زهرة أيضاً (ص 322) من كتابه المذكور:
" يقرر ابن تيمية أن مذهب السلف: هو إثبات كل ما جاء في القرآن من فوقية وتحتية واستواء على العرش " وقال في الصحف التي قبلها: " فيكرر هذا المعنى فيقول مؤكداً أن الله ينزل ويكون في فوق وتحت من غير كيف ".
فأين قرر ابن تيمية وأثبت لله تعالى صفة التحتية؟ غالب الظن أن الشيخ أبا زهرة فهم من أحاديث النزول التحتية المزعومة، ثم عزا ذلك لابن تيمية، كما فهم من آيات الاستواء: الاستقرار ثم عزاه إليه، وكل ذلك خطأ عليه كما يعلم ذلك من درس كتبه دراسة تفُّهم ووعي لا دراسة سريعة من أجل النقل عنه في ترجمته وتسويد صفحاتها.
ومثل هذا العزو منه لابن تيمية دلني على أنه لم يفهم ابن تيمية وعقيدته وأفكاره فهماً جيداً بل لعله لم يقرأ كل ما لابن تيمية من البحث والتحقيق في المسائل التي أثارها الشيخ أبو زهرة في ما طبع من كتب ابن تيمية فضلاً عن المخطوطة منها ككتابه المطبوع في المكتب الإسلامي: " شرح حديث النزول " فإن ابن تيمية رحمه الله قد قرر فيه أنه لا يلزم من نزوله تعالى أن يصير العرش فوقه
تعالى وهو تحت العرش؛ فإن هذا من طبيعة المخلوق والله ليس كمثله شيء كما سيأتي الإشارة إلى ذلك في ترجمة الإمام إسحاق بن راهويه من الكتاب تعليقاً على الفقرة (211)(1) بل قد قال ابن تيمية في " منهاج السنة "(2/ 248):
(ومن ظن من الجهال أنه إذا نزل إلى سماء الدنيا كما جاء الحديث سيكون العرش فوقه ويكون محصوراً بين طبقتين من العالم؛ فقوله مخالف لإجماع السلف مخالف للكتاب والسنة كما قد بسط في موضعه "
وإن مما يؤكد ما ذكرته من عدم فهمه لابن تيمية أنه لم يقتنع لما لخصه هو نفسه عن ابن تيمية (ص 276) من كتابه " ابن تيمية " فقال:
" إن ابن تيمية يرى أن الألفاظ في اليد والنزول والقدم والوجه والاستواء على ظاهرها ولكن بمعان تليق بذاته الكريمة كما نقلنا من قبل ".
لم يقتنع بصواب رأي ابن تيمية هذا مع أنه الحق الصراح بل أخذ يرد عليه بكلام هزيل مضطرب لا طائل تحته وهذا أحسن ما يقال فيه فقال عقبه:
" ومن هنا نقف وقفة: إن هذه الألفاظ وضعت في أصل معناها لهذه المعاني الحسية ولا تطلق على وجه الحقيقة على سواها، وإذا أطلقت على غيرها سواء أكان معلوماً أم مجهولاً فإنها قد استعملت في غير معناها، ولا تكون بحال
من الأحوال مستعملة في ظواهرها بل تكون مؤولة، وعلى ذلك يكون ابن تيمية قد فر من التأويل ليقع في تأويل آخر، وفر من التفسير المجازي ليقع في تفسير مجازي آخر ".
(1) الصفحة (181). [منه].
فقل لي بربك - أيها القارئ اللبيب - هل يقول هذا في ابن تيمية عالم كأبي زهرة فهم كلام ابن تيمية الذي نقله هو نفسه أكثر من مرة كقوله أنه لا يلزم من الاشتراك في الاسم الاشتراك في الحقيقة. ويبين ذلك ما نقله (ص 265) عن " التدمرية " لابن تيمية (ص 12) أنه قال:
" إذا كان من المعلوم بالضرورة أن في الوجود ما هو قديم واجب بنفسه وما هو محدث ممكن يقبل الوجود والعدم؛ فمعلوم أن هذا موجود وهذا موجود، ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود أن يكون وجود هذا مثل وجود هذا، بل وجود هذا يخصه ووجود هذا يخصه، واتفاقهما في اسم عام لا يقتضي تماثلهما في مسمى ذلك الاسم عند الإضافة والتخصص والتقيد، فلا يقول عاقل إذا قيل له: إن العرش شيء موجود، وإن البعوض شيء موجود: " إن هذا مثل هذا؛ لاتفاقهما في مسمى الشيء والوجود [وإذا قيل هذا موجود وهذا موجود فوجود كل منهما يخصه لا يشركه غيره مع أن الاسم حقيقة في كل منهما](1).
ثم علق أبو زهرة على هذا الكلام بما يوضحه قال:
" ولذا يقول ابن تيمية في هذا المقام:
" قد سمى الله نفسه حياًّ فقال سبحانه: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} وسمى بعض خلقه حياًّ فقال: {يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي} وليس هذا الحي مثل هذا الحي؛ لأن قوله " الحي " اسم لله مختص به وقوله {يخرج الحي من الميت} اسم للحي المخلوق مختص به وإنما يتفقان إذا أطلقا وجُرِّدا عن التخصيص
…
"
(1) زيادة من (التدمرية) ص (13 - 14) طبع المكتب الإسلامي. [منه].
فهل تجد أيها القارئ أثرا للتأويل الذي زعمه أبو زهرة في تفسيره لهذه الأسماء والآيات، أم هو يصرح بأنها كلها حقائق تتناسب مع ذواتها وتختلف حقائقها باختلاف ذواتها، غير أن ما في الأمر أن ما كان منها محسوساً فمن الممكن أن نعرف حقيقته بخلاف ما كان غائباً عنا كصفات الله تعالى بل والجنة والنار فلا نعرف حقيقته، فقد ضرب لك أمثلة توضح للناس هذا الموضوع الخطير الذي كان الجهل به سبباً كبيراً لانحراف الناس في الصفات عن طريق السلف. فنحن جميعاً نقول:" الله موجود " كما نقول: " الخلق موجود "، ووجود كل منهما حقيقة تتناسب مع ذواتهما وتقول:" الله حي " و" وأنا حي " حياة كل منهما حقيقة تتناسب مع ذواتهما، وهكذا طرد ذلك في جميع الأسماء والصفات تجد كلام شيخ الإسلام واضحاً بيناً مقنعاً لكل ذي لب، وإذا كان الشيخ أبو زهرة لم يفهم كلام ابن تيمية وبناءً عليه نسب إليه التأويل خطأً، فهذا الخطب فيه سهل جداً بالنسبة لخطأ آخر في كلامه السابق فإنه إذا كان يعتقد " أن هذه الألفاظ وضعت في أصل معناها لهذه المعاني الحسية، ولا تطلق على وجه الحقيقة على سواها، وإذا أطلق على غيرها سواء أكان معلوماً أم مجهولاً فإنها قد استعملت في غير معناها
…
" إلخ كلامه السابق.
أقول: إذا كان الشيخ يعتقد هذا فإن معنى كلامه - لو كان يدري ما يقول - وهو يجادل شيخ الإسلام متأثراً بعلم الكلام: أن وجود المخلوق وحياته وعلمه واستواؤه وغير ذلك كله حقيقة، وأما وجود الخالق سبحانه وحياته وعلمه واستواءه وغير ذلك من صفاته فهي مجاز وليست بحقيقة، ولازمه أن الله غير موجود، وليس بحي، ولا هو يعلم، ولا هو مستو على العرش، ولا ولا
…
إلخ ما هنالك من أساليب معروفة يقول بها الفلاسفة وبعض من تأثر بهم من المعتزلة
وعلماء الكلام، نقول هذا لأن الشيخ - هدانا الله وإياه قال:" إن هذه الألفاظ وضعت في أصل معناها لهذه المعاني الحسيةً " ووجوده الله وعلمه وحياته وسائر صفاته ليست حسية، وعليه فلا تطلق عليها كما قال إلا مجازاً فهل أحس الشيخ أين طَوَّحت به كلمته هذه؟ فإن كنت لا تدري
…
فأقول: قد عرفنا معنى الوجود المحسوس والحياة المحسوسة والعلم المحسوس والاستواء المحسوس، فما هو معنى هذه الأسماء إذا أضيفت إلى الله تعالى وهو غير محسوس؟ فالجواب: إنه لا معاني لها وإنما هي أسماء له فقط كما تقوله المعتزلة تماماً كما حكاه الشيخ نفسه عنهم فإنه قال في " المذاهب "(ص 303):
" نفى المعتزلة الصفات كما قررنا وأثبتها الأشعري، وقالوا إنها شيء غير الذات فقد أثبتوا القدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام، وقالوا: إنها غير الذات، وقال المعتزلة لا شيء غير الذات وإن المذكور في القرآن من مثل قوله تعالى: " عليم، وخبير، وحكيم، وسميع، وبصير، هو أسماء له تعالى ".
أي لا معاني لها وإنما هي كالأعلام المحضة المترادفة، ولذلك نعى ذلك عليهم العلماء ونسبوهم إلى التعطيل كما هو مبين في كتب شيخ الإسلام وغيره.
فهل يلتزم فضيلة الشيخ أبو زهرة ما لزمه من كلامه السابق من التعطيل الذي حكى مثله عن المعتزلة فيكون على ذلك مثلهم منكراً لصفات الله تعالى الثابتة بالقرآن والسنة، أم يتراجع عن تلك الكلمة لأنها زلة لسان ويلتزم المذهب الذي شرحه ابن تيمية شرحاً ليس من السهل الاستدراك عليه فيه، ومنه الاستواء؛ فيؤمن به على أنه صفة حقيقية لله تعالى تليق به، كما ينبغي أن يؤمن كذلك بجميع صفاته عز وجل كالعلم والكلام ولا يصرفها إلى المجاز فيقع في التعطيل؟ كنت أرجو أن أعتبر تلك الكلمة منه زلة لسان صدرت منه، ولكن صدني عن ذلك هو نفسه
حيث رأيته قد مال كما سيأتي إلى تفسير " الاستواء " بالمعنى المجازي وهو السلطان الكامل، وتفسير "النزول " بفيوض النعم الإلهية دون أن يتنبه الشيخ المسكين أن مثل هذا التفسير لازمه الكفر لأن تمام حديث النزول - كما يعلم - فيقول: ألا هل من داع فاستجيب له ألا
…
ألا
…
فهل الفيوض هي التي تستجيب وتغفر وتعطي أم الله عز وجل لا شريك له.
وجملة القول فيما نقله الكوثري عن ابن تيمية أنه أراد أن يكون معه نزيهاً أديباً غير متأثر بموقف صاحبه الكوثري منه، ولكنه - مع الأسف - تغلب عليه أثر الصحبة فأخذ يطعن في عقيدة ابن تيمية ولكن تلويحاً لا تصريحاً كما يفعل صاحبه، وينسب إليه صراحةً ما لم يقله كما تقدم بيانه، ولا أقول إنه فعل ذلك عمداً كصاحبه لا؛ وإنما أُتي من سوء فهمه لكلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، ومما يؤكد ذلك قوله عقب ما سبق نقله من كلامه الذي فيه " وعلى ذلك يكون ابن تيمية قد فر من التأويل ليقع في تأويل آخر
…
".فقال (ص 277):
" ثم ما المآل وما الغاية من التفسير الظاهري أيؤدي إلى معرفة حقيقة أم لا يؤدي إلا إلى متاهات أخرى إنه يقول " يعني ابن تيمية ": إن الحقيقة غير معروفة فيقول: إن الله له وجه غير معروف الماهية
…
وله استواء غير معروف الماهية ويد
…
و
…
إننا بلا شك إذا فسرنا تلك المعاني (كذا قال ولعله سبق قلم وإنما أراد الألفاظ) بتفسيرات لا تجعلنا نحمله على مجهولات يكون ذلك التفسير أحرى بالقبول ما دامت اللغة تتسع له، وما دام المجاز بينا فيها؛ كتفسير اليد بمعنى: القوة أو النقمة، والاستواء: بمعنى السلطان الكامل، وتفسير النزول: بفيوض النعم
الإلهية إلخ، ولا يعترض بأن (1) ذلك ليس فيه أخذ بالظاهر؛ لأن الذي اختاره ليس فيه أخذ بالظاهر ".
كذا قال ولو أردنا أن نبين ما تحته من الخطأ والبعد عن جادة الصواب الذي لا يجوز أن يقع فيه عالم مثله لطال بنا المقام أكثر مما تتحمله هذه المقدمة، ولكني أقول للشيخ كلمة موجزة:
ألا يكفيك يا فضيلة الشيخ مآلا وغاية أن تفهم أن الاستواء هو صفة لله غير صفة النزول، وأن هذه الصفة غير صفة السيطرة والإنعام وهكذا، كما يكفيك - فيما أرجو - أن تعتقد أن صفة السمع غير صفة البصر وأنهما غير صفة العلم، وأن لا تعطلهما وتنكر وجودهما بتأويلك إياهما بما يعود إلى أن المراد بهما صفة العلم كما يقوله بعض المعتزلة، وإن كان كثيرون منهم ينكرون جميع صفات الذات لله تبارك وتعالى كما نقلناه عنهم فيما سبق؟
بلى إنه يكفيك هذا، وإلا فما الفرق بين تفسيرنا تبعا للسلف لهذه الصفات على ظاهرها مع اعتقاد أن حقيقتها لا يعلمها إلا المتصف بها سبحانه وتعالى؛ وبين إنكارك الاستواء مثلاً وإيمانك - فيما أظن- بتفسيرنا لسائر الصفات ككونه حياًّ قديراً مريداً حكيماً
…
إلخ صفاته تعالى تفسيراً لها على ظاهرها دون تأويل أيضاً مع اعتقاد أن حقيقتها لا يعلمها إلا الله؟
الذي أعتقده وأقطع به: أن كل عاقل من أهل العلم لا بد من أن يسلم بأنه لا فرق بين هذا وهذا أبداً؛ إذ الكل يعود إلى صفات ذات الله تعالى، فكما أننا نؤمن
(1) في الأصل: " مختصر العلو": "بأمن" وهو خطأ ظاهر.
بذاته تعالى دون أن نعلم كنهها وحقيقتها، فكذلك القول في صفاته سبحانه ولا فرق، وإذا كان الأمر كذلك فإما أن يؤمن الشيخ معنا بحقائق الصفات ومنها الاستواء على ما شرحنا، وإما أن يتأولها كلها وبذلك يُلْزَم بإنكار وجود الله تعالى؛ لأنه لا يعرف حقيقته، وكل ما لا يعرف حقيقته كالاستواء فهو يتأوله، وهذا ما وقع فيه الباطنية وكثير من الفلاسفة وقارب ذلك المعتزلة ومن تأثر بهم من علماء الكلام كما فصل ذلك شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في كتبه الكثيرة جزاه الله عن الإسلام خيراً.
"مختصر العلو"(ص38 - 64).