الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[818] باب ذكر بعض أهل
الضلال من المعطلة في الصفات والرد عليهم
[قال الإمام]:
وهو (أي حسن السقاف) إلى ذلك خلفي العقيدة، معتزلي النزعة، ينكر الصفات الإلهية، ويرمي المؤمنين بها من الأئمة وأتباعهم - وأنا منهم والحمد لله - في تعليقاته التي سوَّدها على كتاب ابن الجوزي "دفع شبه التشبيه"، ويكذب عليهم أنواعاً من الأكاذيب لو استقصيت لكان من ذلك كتاب في مجلد؛ فهو يقول - على سبيل المثال - (ص114) من تعليقاته:
"ندم الحافظ ابن خزيمة على تأليفه كتابه "التوحيد" أخيراً؛ كما روى ذلك الحافظ البيهقي في "الأسماء والصفات " (ص267) ".
وهذا كذب مزدوج؛ لأن ابن خزيمة لم يندم البتة، ولأن البيهقي لم ينسب ذلك إليه، وكيف يُعقل أن يندم الحافظ ابن خزيمة على "توحيده" وهو الإيمان المحض؟! بل كيف يعقل أن ينقل ذلك الحافظ البيقهي؟! سبحانك هذا بهتان عظيم من أفاك أثيم.
وأنت أيها القارئ الكريم! إن رجعت إلى الصفحة المذكورة من"الأسماء والصفات"؛ لم تجد فيها الندم المُفترى، وإنما فيها اعتراف ابن خزيمة بأنه لا يحسن علم الكلام، في قصة رواها البيقهي إن صحت؛ فإن أبا الفضل البطاييني لم أعرفه، ولا ذكره السمعاني في هذه النسبة؛ فالله أعلم به، ومع ذلك فإني أقول:
إن الاعتراف المذكور من ابن خزيمة - إن صح عنه - لا يعيبه كما يظن ذلك الجاهل المغرض، بل هو مما يرفع شأنه، ويزيد من فضله؛ فإن له في ذلك الأسوة
الحسنة بالسلف الصالح والأئمة الأربعة ومن تبعهم بإحسان، وليس منهم يقيناً (علماء الكلام)، كيف وهم القائلون:"علم السلف أسلم، وعلم الخلف أعلم وأحكم (1) "؟! وهذا هو الكفر بعينه لو كانوا يعلمون، {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} (2) كيف لا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على رأس السلف الذين غمزوا من علمهم! وليس الآن مجال ضرب الأمثلة التي خالفوا فيها سلف الأمة، ولكن يكفي المسلم الموفق أن يعلم أنهم وافقوا المعتزلة والخوارج في كثير من ضلالاتهم، من ذلك قولهم بأن القرآن كلام الله مخلوق، ولكنهم لا يصرحون تصريح المعتزلة، بل يقولون - تقية-: كلام الله، غير مخلوق "! ثم يتأولونه بالكلام النفسي الذي لا يسمع! ولكنه يفهم! فعطلوا بذلك صريح قوله تعالى لكليمه موسى عليه السلام:{فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} (3).، فجعلوا الكلام الإِلهي هو العلم الإِلهي (4)، فعطلوا صفة الكلام، ولكن باللف والدوران! تماماً كما فعل المعتزلة - أو بعضهم - بصفة السمع والبصر، فقالوا: إن المراد: العلم (5)! فعطلوا بذلك صفتي السمع والبصر كما عطلوا صفة الكلام، فإن لم يكن هذا هو التعطيل؛ فليس في الدنيا تعطيل.
(1) انظر "حاشية الباجوري"(ص55).انظر إبطال هذه الخرافة في مقدمتي لكتابي "مختصر العلو"(ص34 - 36). [منه].
(2)
الكهف: 5. [منه].
(3)
طه: 13. [منه].
(4)
وهو مذهب الكوثري الجهمي، كما صرح في "مقالاته"(ص27)، شيخ ذاك الجاهل الباغي السقاف. {منه} .
(5)
انظر مقدمتي لكتابي "مختصر العلو"(ص26). [منه].
ولوضوح بطلان علم الكلام تاب منه جمع من أفاضل علمائهم (1)؛ مثل الشيخ (العلامة أبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني) والد إمام الحرمين رحمهم الله، (ورسالته في اثبات الاستواء والفوقية والحرف والصوت في القرآن المجيد)، من أقوى الأدلة على ذلك؛ فقد كتبها نصيحة لإخوانه في الله، بيَّن لهم فيها سبب تراجعه عن الأشعرية إلى السلفية، وهي مفيدة جدّاً لمن كان يرجو الله واليوم الآخر؛ فلتُراجع في " مجموعة الرسائل المنيرية"(1/ 570/587).
ولقد جرى على سننه (ابنه إمام الحرمين)؛ في التوبة والرجوع إلى مذهب السلف؛ كما حكى ذلك عنه غير واحد من العلماء، منهم الحافظ ابن حجر العسقلاني؛ فقد نقل في "الفتح"(13/ 350) عنه أنه لم يستفد من علم الكلام إلا الحيرة، ولذلك قال:"والآن؛ فقد رجعت واعتقدت مذهب السلف".
وقال عند موته ناصحاً لأصحابه كما فعل أبوه من قبل: "يا أصحابنا! لا تشتغلوا بالكلام؛ فلو عرفت أنه يبلغ بي ما بلغت؛ ما تشاغلت به ".وإذا أردت أيها القارئ الكريم أن ترى أثراً من آثار علم الكلام الخطيرة، والمنافية للنقل الصحيح والعقل الصريح؛ فاقرأ كتب الكوثري ومن جرى مجراه، كذاك التلميذ السقاف، فسوف ترى ما يزيدك بصيرة وقناعة بأن الذي يتعلمونه منهم إنما {يَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} (2)، بل هو الكفر بعينه إذا التزموه، ولا أدل على ذلك من اتفاقهم على إنكار صفة العلو لله العلي القطعية الثبوت القطيعة الدلالة؛ لتواترها في الكتاب والسنة وأقوال السلف والأئمة، محكمين فيها عقولهم العفنة، ومن ثم
(1) انظر المصدر السابق (ص27).بمنه].
فقد اختلفوا: فمنهم - كالإباضية والمعتزلة (1) - من قال: إنه في كل مكان! ولازمه القول بالحلول أو وحدة الوجود كما هو عقيدة غلاة الصوفية! ومنهم من يقول: إنه لا فوق ولا تحت، ولا يمين ولا يسار، ولا أما م ولا خلف، ولا داخل العالم ولا خارجه! ولقد سمعت هذا من بعض المشايخ في دمشق في خطبة الجمعة!! وأعرق بعضهم في التعطيل، فقال لا متصلاً به، ولا منفصلاً عنه!! وهذا لعمر الله هو الكفر والجحد للوجود الإلهي؛ فإنه لو قيل لأفصح العرب بياناً: صف لنا المعدوم الذي لا وجود له؛ لما استطاع أن يصفه بأكثر من هذا الذي وصف هؤلاء به ربهم!! وهذا الجحد هو الذي وقع فيه هذا الجاهل المتعالم الطاعن في أئمة السلف، والمفتري على أهل السنة شتى الافتراءات، فقال في رسالته المزعومة "التنديد لمن عدد التوحيد" (ص50):
"صرح أهل السنة والجماعة بأن الله سبحانه لا يوصف بأنه خارج العالم ولا داخله". وكرر هذا في رسالة أخرى لما أسماها كذباً وزوراً: "عقيدة أهل السنة"(ص26).
قلت: فلينظر المسلم في هذا الوصف: هل هو وصف لموجود أم لمعدوم؟ َ! {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا} (2).
(1) يثني السقاف على الإباضية وكتابهم "مسند الربيع"، ويوافقهم على تسميتهم إياه بـ "الجامع الصحيح" معارضة منهم لـ "صحيح البخاري"، وهي زور؛ لكثرة الأحاديث الموضوعة فيه، ارتضى بعضها السقاف (ص125)، ويصف الربيع بـ (الإمام)! انظر "الضعيفة"(6331)، ويصرح (ص 127) بأنه يوافق المعتزلة في تفسيرهم (الاستواء) بالاستيلاء! ويرد على أبي الحسن الأشعري لأنه رد ذلك عليهم!!. [منه].
(2)
الإسراء: 43. [منه].
ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية؛ فإنه أصاب كبد الحقيقة حين وصف هؤلاء النفاة المعطلة ومعارضيهم من المشبهة بقوله:
"المشبه يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدماً، والمشبه أعشى، والمعطل
أعمى"َ! والحق الذي عليه السلف والأئمة: إثبات الصفات بدون تشبيه، وتنزيه بدون تعطيل. ومن اللطائف التي وقعت لبعض الأمراء العقلاء أنه لما سمع
ذلك الوصف المُعطِّل من بعض المشايخ المجادلين بالباطل؛ قال: "هؤلاء قومٌ أضاعوا ربَّهم"!
ويبدو لي أن ذلك الجاهل الطاعن في السلف شعر بخطورة الوصف المذكور، وأنه مرفوض نقلاً وعقلاً؛ لذا لجأ إلى التدليس على القراء بعبارة أخرى تؤدي الغرض الكمين في نفسه دون أن ينتبه له عامة قرائه، فقال في تعليقه له على كتاب ابن الجوزي المتقدم (ص127):
"وهنا أمر مهم جدّاً، وهو أننا لا نقول بأن الله موجود في كل مكان ألبتة، بل نُكَفِّر من يقول ذلك، ونعتقد أن الله سبحانه موجود بلا مكان؛ لأنه خالق المكان"! فأقول: هذا تصريح منك يناقض تصريحك السابق: أن الله تعالى ليس بخارج العالم، وذلك أنه لا مكان خارج العالم، فإن كنت صادقاً في قولك هذا؛ فقد اهتديت ورجعت إلى عقيدة السلف التي كنت ولا تزال - فيما نعلم- تتهم من دان بها بالكفر والتجسيم؛ مثل ابن تيمية وغيره كمثلي، وإلا قرأنا عليك قول الحق {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} (1)؛ مذكِّرين بالمثل العامي:(من كان بيته من زجاج؛ فلا يرم الناس بالحجارة!) وإن من تلك الآثار السيئة لعلماء الكلام
(1) - (ص:27). [منه].
والمتأثرين بفلسفتهم كذاك السقاف المغرور بهم: أنهم لا يقيمون وزناً لجهود أئمة الحديث وعلمائهم ونقادهم؛ فإنهم يسلطون أهواءهم على ما صححوا من الأحاديث أو ضعفوا، فما راق لهم منها قبلوه واحتجوا به، ولو كان ضعيفاً، وإلا رفضوه ولو كان صحيحاً!! وهذا ظاهر جدّاً في المتقدمين منهم والمتأخرين، وأوضح مثال على ذلك الشيخ الكوثري، وعبد الله الغماري؛ فقد ضعفوا حديث الجارية الذي فيه سؤاله صلى الله عليه وآله وسلم "أين الله؟ ".قالت: في السماء: قال صلى الله عليه وآله وسلم: "أعتقها فإنها مؤمنة"، وتبعهم على ذلك ذاك الهالك في تقليدهم؛ السقاف! بل إنه زاد عليهم طغياناً وغروراً، فقال في "تعليقه على دفع شبه التشبيه" (ص108):
"ونحن نقطع بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل: أين الله "!
وقال (ص188):
"ذاك اللفظ المستشنع"!
يقول المستهتر هذا وهو يعلم أن الحديث متَّفق على صحته عند علماء المسلمين، متلقي بالقبول خلفاً عن سلف، واحتج به كبار الأئمة؛ كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم، وصححه مسلم وأبو عوانة وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان، ثم تبعهم على ذلك جماعة من الحفاظ - وبعضهم من المتأولة - كالبيهقي والبغوي وابن الجوزي والذهبي والعسقلاني وغيرهم.
فماذا يقول المسلم العاقل في جاهل جاحد مكابر يخالف هؤلاء الأئمة والحفاظ؟! ويستشنع لفظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي صححوه!! بل ويصف الذين يردِّدون هذا اللفظ النبوي (ص187) بـ (المجسمة)، بل ويصف فضيلة الشيخ ابن باز لأنه انتصر في تعليقه على "الفتح"(1/ 188) لعقيدة استواء الله على عرشه، وأنه
يجوز السؤال بـ (أين الله؟)، فيقول مشيراً للشيخ حفظه الله:
"ولا عبره بكلام المعلق عليه - "الفتح" - البتة؛ لأنه لا يعرف التوحيد فليخجل بعد هذا من يدعو الناس إلى عقيدة "الله في السماء" وليتب"!!
وبالجملة؛ فهو جهمي جلد، وينكر معاني آيات الصفات بطريق التأويل والتعطيل، كما فعل بآيات الاستواء، وينكر أحاديث الصفات الصحيحة بادعاء ضعفهم ومخالفة علماء الحديث والجرح والتعديل، كهذا الحديث ونحوه كثير؛ فهو يضعف قوله صلى الله عليه وآله وسلم:"رأيت ربي في أحسن صورة "، ويفتري في تخريجه على بعض الأئمة، كما يضعف أحاديث اليدين، والقبضة، والأصابع، والضحك وغيرها، فلعل بعض إخواننا يتفرغون له، ويكشفون للناس جهله وضلاله وعواره، كفى الله المؤمنين شروره.
إذا عرفت أيها القارئ الكريم ما سبق من البيان لحال هذا الإنسان - وهو قُلُّ من جُلٍّ - ينكشف لك سبب حمله وطعنه على أتباع السنة وأئمتها والداعين إليها والذابين عنها، فلا يكاد يخلو صفحة من صحائف ما سودَّه من غمزه ولمزه، وقد خصَّني بقسط وافر منه، فلا يكاد يذكرني إلا وهو يصفني بـ (المجسم) و (المتناقض)!! مقروناً بالزور والكذب، والأمر الذي يدل دلالة قاطعة أنه يحمل في قلبه {غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا}! وأنه دبَّ إليه داء الأمم من قبلنا: البغضاء والحسد، وهي الحالقة: حالقة الدين والعياذ بالله، إلى جهل بالغ بطرق نقد الأحاديث وتصحيحها.
"السلسلة الصحيحة"(1/ 1/ص5 - 12).