الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استواء النبات، وكذلك استواء الإنسان على ظهر الدابة، واستواء الطير على رأس الإنسان، واستواؤه؛ على السطح فكل هذا استواء، ولكن استواء كل شيء بحسبه، تشترك في اللفظ، وتختلف في الحقيقة، فاستواء الله تعالى هو استواء واستعلاء يليق به تعالى ليس كمثله شيء.
وأما الاستيلاء فلم يأت إطلاقه على الله تعالى مطلقاً إلا على ألسنة المتكلمين فتأمل ما صنع الكلام بأهله لقد زين لهم أن يصفوا الله بشيء هو من طبيعة المخلوق واختصاصه ولم يرضوا أن يصفوه بالاستعلاء الذي لا يماثله شيء وقد قال به السلف، فلا عجب بعد ذلك أن اجتمعوا على ذم الكلام وأهله وتأتيك بعض النقول عنهم في الكتاب ووافقهم على ذلك بعض الخلف فقال السبكي في مقدمة رسالة " السيف الصقيل" (ص 12):
" وليس على العقائد أضر من شيئين: علم الكلام والحكمة اليونانية
…
وجميع الفرق الثلاث في كلامها مخاطرة إما خطأ في بعضه، وإما سقوط هيبته، والسالم من ذلك كله ما كان عليه الصحابة والتابعون وعموم الناس الباقون على الفطرة السليمة ".
" مختصر العلو"(ص25 - 32).
[1033] باب الرد على بعض أهل البدع ممن عطَّل صفة الاستواء وغيرها مع الكلام على مسند الربيع بن حبيب
[روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال]:
(موضوع).
[قال الإمام]:
وآثار الوضع والركة وعلم الكلام عليه ظاهرة، ولا غرابة في ذلك، فإنه لم يروه أحد من أهل السنة، وإنما تفرد به "مسند الربيع بن حبيب" الذي لا يُعرف مؤلفه بالثقة والضبط حتى عند أتباعه الإباضية! فقال فيه (3/ 216 - مطبعة الإستقامة): قال جابر بن زيد: حدثنا أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
…
فذكره.
قلت: وهذا إسناد معلَّق - فإنه رغم جهالة الربيع، - لم يصرح بسماعه من جابر بن زيد، فإنه مجهول العدالة مجهول الوفاة، وليس عند أتباعه علم به إلا الظن، فالذين طبعوا "مسنده" في دار (الفتح - بيروت)، طبعوا تحته ما نصه:"أحد أفراد النبغاء من آخر قرن البعثة"! والذين طبعوا شرحه للشيخ عبد الله بن حميد السالمي في سلطنة عُمان طبعوا مكان ذلك: "من أئمة المائة الثانية للهجرة"! {إِن نَّظُنُّ إِلَاّ ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِين} ! ومما يدل على ذلك أن الأستاذ التنوخي - عفا الله عنه، وقد حاباهم ما شاءت له المحاباة - قال في تقديمه للشرح المذكور (ص د):
"ومع أننا لم نعثر على تاريخ حياته، فإننا نقدر أنه بدأ بجمع "مسنده" في صدر المائة الثانية
…
".ومن قرأ مقدمة الشارح السالمي للمسند المزعوم يتبين له: "أنه كان مشوشاً، وأنه رتبه الشيخ يوسف بن إبراهيم السدراني، وأنه يحوي روايات الربيع عن أبي عبيدة عن جابر، وأن الشيخ المذكور ضم إليه روايات الربيع عن ضمام عن جابر، وروايات أبي سفيان عن الربيع، وروايات الإمام أفلح
عن أبي غانم وغيره، ومراسيل جابر بن زيد".قلت: فمن نكد الدنيا أن يسمى هذا (الكشكول): "مسند الربيع"! وأنكد منه أن يسميه الإباضية "الجامع الصحيح"! والواقع أن أحداً من العلماء بالحديث الشريف ورجاله لا يستطيع أن يثبت بطريق علمي صحة حديث واحد منه، فضلاً عن أن يثبت صحة نسبة الكتاب إلى الربيع أولاً! وكون الربيع نفسه من الثقات الحفاظ ثانياً! ومع هذه الطوام نجد ذاك الجاهل المتعالم الذي لا يعرف من العلم إلا الجعجعة، وتسويد الصفحات بالطعن على كبار المحدثين والعلماء، لا لشيء إلا لتمسكهم بعقيدة السلف، والاستعلاء على علماء عصره ونصبه نفسه عليهم معلماً، يوضح لهم ما كان خافياً، ويفرِّج عنهم كربة الحيرة والضلال في فهم أحاديث الصفات! فاسمع إليه كيف يقول في مقدمته لكتاب ابن الجوزي:"دفع شبه التشبيه"(ص 4):"وإنما نريد الإيضاح وخدمة أهل العلم والطلاب ".
وقال في آخرته (ص 274):"نسأل الله تعالى أن نكون بهذا التعليق قد فرجنا عن أهل العلم وطلابه كربة الحيرة في هذه الأحاديث المتعلقة بالصفات".
هذا الجاهل المتعالم يصف الربيع بن حبيب الإباضي في تعليقه (ص 124) بـ "الإمام"، ويصف "مسنده" بـ"الجامع الصحيح"،وقال فض فوه: "وهو كتاب محفوظ منقول بالاعتناء عند أهل مذهبه، ككتب الفقه المنقولة عن الأئمة المقتدى بهم، ففيه
…
".
ثم ساق له حديثين، لأنهما يشهدان لتعطيله وتجهمه، وإنكاره للصفات
- كالإباضية القائلين بأن القرآن مخلوق، وأن الله تعالى لا يراه المؤمنون يوم القيامة، وغيرها من عقائدهم الباطلة -، فترى هذا الجاهل الأفين يستشهد بهذا
"المسند" ويُشَبِّهه بكتب الأئمة - وهو كاذب في ذلك يقيناً -.هذا الحديث أحدهما، والآخر فيه زيادة باطلة على حديث "الصحيحين" عن أبي موسى الذي فيه: «إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً
…
» ولا مجال الآن لبيان ذلك، ولكني أريد أن أبيِّن لهذا الجاهل الذي عزا الحديثين لإمامه (!) الربيع، وساق إسناد الربيع فيه: أخبرنا أبو ربيعة زيد بن عوف العامري البصري قال: أخبرنا حماد بن سلمة
…
إلخ، فأقول: إن هذا الإسناد مما يدل على بطلان إدعاء الإباضية المتقدم أن الربيع "من آخر قرن البعثة"! بل وادعاء من قال: إنه من أئمة المائة الثانية "! وذلك لأن حماد بن سلمة الذي هو شيخ زيد بن عوف في هذا الإسناد هونفسه من أئمة المائة الثانية، بل من أواخرها، فإنه مات سنة (167)، وزيد بن عوف شيخ الربيع في هذا الإسناد هو من شيوخ أبي حاتم كتابة عنه، وقد توفي سنة (277).
وعلى هذا فالربيع إن كان هو الراوي عن زيد بن عوف، يكون من رجال القرن الثالث، وإلا، فالراوي عنه ليس هو الربيع، فيكون عزو الحديث إليه كذباً من جهل هذا المتعالم اغتراراً منه بدعاوى الإباضية.
وهذا هو الذي يترجح عندي: أن الراوي للحديث الثاني هو غير الربيع، لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن، لكن يكفي الإباضية ومن على شاكلتهم ما ذكره الشيخ السالمي الإباضي في (مقدمته) أن من شيوخ الربيع حماد بن سلمة، وهذا في إسناد الحديث شيخ شيخ الربيع: زيد بن عوف - كما تقدم -.
ومن الغرائب التي تدل على جهل علماء الإباضية - أو على الأقل عدم اعتمادهم على كتب علماء الحديث في تراجم الحديث -: أن الشيخ السالمي أورد حماد بن سلمة وغيره من شيوخ الربيع - كما زعم - في جملة شيوخ الربيع
المجاهيل!! مع أن حماد بن سلمة من أشهر علماء الحديث والذابين عن السنة - كما يعرف ذلك صغار الطلبة -، ولعله لهذا السبب تجاهله الإباضية.
وكان شراً منهم ذلك الجاهل الذي يطعن في أحاديثه، ويعتبر وجوده في
إسناد حديث ما مسقطاً لصحة الحديث إلا إذا وافق هواه، فانظر حديث قوله صلى الله عليه وآله وسلم للجارية:"من ربك؟ "، فإنه صححه في غير مكان من تعليقه على " دفع شبه التشبيه"، مع أنه أساء القول فيه جداً مقلداً للشيخ الكوثري، فراجع هذا الحديث في "الصحيحة"(3161)، فقد جمعت فيه طرقه وألفاظه التي منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم للجارية:"أين الله؟ ".
أخرجه مسلم وغيره من أهل الصحاح، كأبي عوانة وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود، وصححه أيضاً البيهقي والبغوي والذهبي والعسقلاني وغيرهم. ومع ذلك فإن هذا الجاهل الأفين يستعلي على هؤلاء الأئمة الفحول، ويخطئهم في تصحيحهم لهذا الحديث ويقول (ص 108):"ونحن نقطع بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل لفظ: (أين الله؟) ".
ويصف هذا اللفظ النبوي في مكان آخر (ص 188) فيقول - فض فوه-: "اللفظ المستشنع الشاذ"!
ويبني على ذلك إنكار ما في جواب الجارية: "في السماء"
…
المطابق لقوله تعالى: {أأمنتم من في السماء} ، فيقول في نفس الصفحة دون أدنى تردد أو حياء:"ولا عبرة بكلام المعلق على "الفتح" البتة، لأنه لا يعرف التوحيد! فليخجل بعد هذا من يدعو الناس إلى عقيدة (الله في السماء) وليتب"!! ويشير بقوله: "المعلق على (الفتح) " إلى فضيلة الشيخ ابن باز حفظه الله من كل مكروه ونفع به
المسلمين، وذلك لأنه قال في تعليقه:
"الصواب عند أهل السنة وصف الله سبحانه بأنه فوق العرش - كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة -، ويجوز عند أهل السنة السؤال عنه بـ: (أين)، كما في "صحيح مسلم"
…
".
وهذا حق لا يخفى إلا على أعمى البصر والبصيرة عياذاً بالله تعالى.
وإن مما يؤكد ضلال هذا الجاهل وزيغه ومحاربته لعلماء الحديث والسنة: أنه يستعين على ترويج ضلاله وتجهمه احتجاجه بهذا الحديث على تعطيل علوه تعالى على خلقه، واستوائه على عرشه استواءً يليق بجلاله وعظمته، ويتأول الاستواء بتأويل المعطلة، فيقول (ص 124):"معناه قهر واستولى"! ثم يؤيد ذلك بهذا الحديث الباطل، الذي يرمي المؤمنين بصفاته تعالى بالشرك، وأنهم يحدون الله حداً بالصفة! فالإيمان باستعلائه تعالى واستوائه على عرشه تحديد له، لزعمهم أن ذلك يستلزم القول بالتشبيه والتجسيم، ولذلك يرميني هذا الجاهل الضال ويصفني كلما ذكرني بـ "المجسم"! ولا غرابة في ذلك فإنه يرمي بذلك كبار العلماء الأئمة كابن خزيمة وابن تيمية وابن القيم وغيرهم ممن هم على نهج السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين (1).
وإن من عجيب أمر هؤلاء المعطلة النفاة لعلو الله على عرشه أنهم يتوهمون من إثبات العلو إثبات المكان لله عز وجل، وهذا مما يدل على بالغ جهلهم! لأن الله تعالى كان قبل كل شيء ثم خلق الأمكنة والسماوات والأرض وما بينهما، وقد
(1) ويصرح الخبيث بتكفير من يرميهم بالتجسيم، فيقول (ص 245):"لا يجوز أن نتهاون مع المجسمة، فالمجسمة كفار بلا مثنوية" ّ عليه من الله ما يستحق. [منه].