الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صح في المعقول وثبت بالواضح من الدليل أنه كان في الأزل لا في مكان - كما قال حافظ الأندلس ابن عبد البر رحمه الله في "التمهيد"(7/ 135 - 136) -، فهو تعالى ليس في مكان أزلاً وأبداً.
ومع هذا الجهل البالغ فقد وقعوا فيما منه فروا، لقد فروا مما توهموه ضلالاً - وهو الحق يقيناً، أن الله فوق المخلوقات كلها ومنها الأمكنة -، فوقعوا في الضلال الأكبر حين قالوا: إنه في كل مكان، وافترى بعض الإباضية في ذلك حديثاً نسبوه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما سترى في الحديث الذي بعده -. والله المستعان.
"الضعيفة"(13/ 2/728 - 734).
[1034] باب رد شبهة حول علوِّ الله تعالى
سؤال: شيخنا بعض الأحباش تلاميذ عبد الله الحبشي قاموا بمخاطبة بعض نساء هذا البلد عن طريق الفطرة يخاطبهم كمثال يقول لهم: من خلق المكان فيجيب النساء: الله، فيقول هذا الحبشي: وهل يجوز أن الله هو خالق المكان أن يكون داخل هذا المكان؟ فتجيب المرأة: طبعاً لا، فيقول لها: إذاً الله يعني لا يحده شيء لا هو في الأعلى ولا في الأسفل ولا للأمام ولا للخلف ولا عن اليمين وعن اليسار، وكذلك سائر الصفات يقول بأن اليد المتعارف عليها هي الجارحة التي بين البشر، وهذا محال أن يكون لخالق البشر وهو رب العباد؟ أفيدونا جزاكم الله خير.
الشيخ: ليتها كانت طريقة فطرية.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102){يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء:1){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب:70، 71] أما بعد .. فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
قبل أن أشرع في الإجابة عن هذا السؤال إني أُطَمئن المسلمين جميعاً الحاضرين منهم والغائبين، الرجال منهم والنساء بأن الله تبارك وتعالى منزه عن كل مكان؛ ذلك لأن المكان حينما يُطلق فإنما يقصد به ما كان عدماً ثم خلقه الله عز وجل فجعله مكاناً لمثل هذه المخلوقات الشتى من إنس وجن وملائكة، ولكن هذه الكلمة التي تُلقى من أولئك الناس وهم معلومون عند أهل العلم بأنهم يحييون سنة سيئة من علم الكلام القائم على العقل وليت هذا العقل كان عقلاً موحداً بين جميع الناس، بين المسلمين منهم والكافرين، بين الصالحين من المسلمين والطالحين، ليت هذا العقل كان عقلاً موحداً حتى يصح لكل عاقل أن يرجع في الحكم إليه، أما والعقول مختلفة أشد الاختلاف، ولذلك كان من الحماقة بمكان عظيم أن يحكم هؤلاء المنتمون إلى الإسلام بإخلاص أو بغير إخلاص فحسابهم على الله، لو كان العقل موحداً كان لهم نوع من العذر أن يُحَكِّموا عقولهم، أما والعقول أولاً مختلفة -كما قلنا ولا أعيد التفصيل- بين صالح وطالح، والآن أقول فرقاً آخر: عقل العالم يختلف كل الاختلاف عن عقل الجاهل، ولا أقول عقل عالم بالشرع وإنما أقول
عقل عالم بأي علم يختلف كل الاختلاف عن عقل آخر ليس بعالم بذاك العلم الذي عقله الرجل الأول، فمثلاً العاقل الطبيب لا يمكن أن يشاركه في عقله وفي علمه من لم يكن مشاركاً له في طبه والعكس بالعكس تماماً من كان عالماً مثلاً بالفيزياء أو الكيمياء لا يمكن أن يشاركه من كان عالماً بالطب، وهكذا نقول في النهاية .. في نهاية المطاف لا يمكن أن يكون العاقل العالم بالكتاب والسنة كذاك العاقل الجاهل بالكتاب والسنة، والأمر أهم من هذا التقسيم وهذا التفصيل العاقل العالم بالكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح لا يمكن أن يكون عقله كعقل ذاك الرجل
الذي يتكئ على عقله في فهم الكتاب والسنة ولا يرجع في فهمه إلى ما كان عليه السلف الصالح.
فهنا إذاً في نهاية هذا التقسيم عالمان بالكتاب والسنة، لكن أحدهما يعتمد في فهمه للكتاب والسنة على الآثار السلفية التي تعود أولاً إلى أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الأولين، ثم من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
هذا الذي يعتمد على الكتاب والسنة وعلى هذا المنهج السلفي يختلف عقله كل الاختلاف عن ذاك الرجل الآخر الذي يعتمد على الكتاب والسنة، ولكن يعتمد على فهمه إياهما وليس على فهم السلف لهما، هؤلاء الناس من علماء الكلام المحدثين أو أولئك العلماء علماء الكلام القدامى كلهم يحكمون عقولهم، ليت عقلهم كان معتمداً فقط على الكتاب والسنة، وليس كالفريق الأول الذي يعتمد على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، لا أدري هذا المكان يتطلب مني وقفة أرجو أن تكون قصيرة للتفريق بين الرجلين الأول الذي يعتمد على الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح والآخر الذي يعتمد على الكتاب والسنة دون أن يلوي رأسه وعقله وفهمه إلى ما كان عليه سلفنا الصالح،
لعل هذا لا يحتاج إلى توضيح، أم أن الأمر بحاجة إلى شيء من التوضيح؟
الشيخ: إذا كان هذا التفريق واضحاً في آذان إخواننا الحاضرين وإخواننا الحاضرين الغائبين .. إذا كان هذا واضحاً فأقول: هذه فلسفة نعرفها من أقدم حينما يعتمدون على الكلام ولا أقول على العقل بعد ذاك التفصيل، وإنما على عقلهم فقط، يريدون أن ينزهوا الله عز وجل عن المكان وهو منزه عن المكان بحكم قول الله عز وجل:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11){وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} (البقرة:255) فالله عز وجل كما نعلم جميعاً على اختلاف الفرق الإسلامية كان الله ولا شيء معه، لم يكن ثمة زمان ولا مكان، ثم خلق الله عز وجل المكان والزمان، فلذلك فلا شك ولا ريب أن الله عز وجل ليس في مكان، ولكن الذي يجب الانتباه له أن تلك الكلمة الحبشية إذا صحت هذه النسبة يتبين لنا بهذه الكلمة الموجزة أنها كلمة حق أريد بها باطل، أي قولهم: إن المكان مخلوق ولا يُعقل أن يكون الله عز وجل حالاً في مخلوق .. هذا كلام صحيح، لكن هي كلمة حق أريد بها باطل، ما هو الباطل الذي يُراد بهذه الكلمة؟ يريدون أن يعطلوا الله عز وجل عن صفاته وعن أسماءه تبارك وتعالى المصرح بها في القرآن وفي السنة الصحيحة، فنحن نقول معهم بأن الله عز وجل ليس في مكان، ولكن هل يقولون معنا كما قال الله عز وجل في القرآن {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5]؟ هل يقولون معنا الآية الكريمة {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (فاطر:10)؟ هل يقولون معنا كما قال ربنا: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ في يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (المعارج:4)؟ هل يقولون .. هل يقولون؟ الجواب مع الأسف لا، إذاً تلك كلمة حق أريد بها باطل، والآن سيتضح لكم ولكل من قد يكون تسربت إليهم أو إليهن شيء من شبه أولئك الأحباش، سنقول: إن الله عز
وجل قد وصف في هذه الآيات وفي غيرها، وفي أحاديث كثيرة وكثيرة جداً أن له صفة العلو .. أن له تبارك وتعالى صفة العلو، فلا جرم أن المصلي حينما يسجد يقول: سبحان ربي الأعلى، وأن من أدب التلاوة في قيام الليل في صلاة الليل، إذا قرأ الإمام سبح اسم ربك الأعلى أن يقول المقتدون من وراءه: سبحان ربي الأعلى، ونحو ذلك من نصوص كثيرة في الكتاب والسنة قاطعة الدلالة على أن لله عز وجل صفة العلو على المخلوقات كلها، هل هم يقولون مع قولهم إن الله ليس في مكان أن الله على العرش استوى؟ لا يقولون بذلك، والسبب يعود إلى أمرين اثنين والأمر كما يقال أحلاهما مر: إما أن يكون الأمر هذا يعود إلى انحراف في الفكر والعقل بل وإلى نقص في العقل والفهم، وإما أن يكون القصد الهدم للإسلام من أقوى جوانبه ألا وهو العقيدة المتعلقة بالله تبارك وتعالى، وكما علمتم أحلاهما مر .. سواء كان قولهم هذا بأن ينكروا ما صرح الله عز وجل في تلك الآيات والنصوص ما ذكرنا منها وما لم نذكر بأن لله صفة العلو، إنكارهم لهذه الصفة إما أن يكون نقصاً في العقل والفهم والعلم، وإما أن يكون كيداً للإسلام والمسلمين فأحلاهما مر.
نحن سنقول الآن: الله عز وجل ليس في مكان خلقه بعد أن كان عدماً، هذه حقيقة لا شك ولا ريب فيها، لكن هل الله عز وجل فوق المخلوقات كلها وهو ليس في مكان لا تلازم؟ وهنا يظهر جهل هؤلاء أو كيدهم، لا تلازم إطلاقاً بين إثبات صفات العلو لله عز وجل على المخلوقات كلها، وبين أن يكون هو في مكان؛ لأن المكان حينما يُطلق إنما يراد به شيئاً كان مسبوقاً بالعدم ثم خلقه الله عز وجل.
إذاً هؤلاء الذين يبدؤون الكلام بالفلسفة الكلامية المكان مخلوق أم ليس
بمخلوق؟
نعم هو مخلوق.
هل يليق بالله عز وجل أن يكون في مكان خلقه؟
الجواب: لا يليق.
إذاً كيف يقال: إن الله في مكان؟
نقول: لا أحد من المسلمين يقول إن الله في مكان إلا المنحرفين عن الكتاب والسنة، هناك طائفتان اثنتان: طائفة تثبت المكان لله ولعلكم تسمعون هذا الإثبات من ألسنة من ينتمون إلى أهل السنة والجماعة من بين أظهرنا، لا نذهب بكم بعيداً عنا فأحدنا في بعض المجالس طالما سمع بأذنيه قائلاً من المسلمين وليسوا من الأحباشيين، طالما سمعناهم يقولون: الله في كل مكان، الله موجود في كل الوجود .. ! هذه عقيدة ليست من عقائد المسلمين إطلاقاً، وهذا إنما هو عقيدة طائفة من طائفتين انحرفتا عن العقيدة الصحيحة التي ذكرناها آنفاً من المقطوع بها في القرآن وفي السنة وهي أن الله عز وجل على العرش استوى، هم المعتزلة قديماً وحديثاً، المعتزلة القدامى يصرحون بأن الله في كل مكان، ومن هؤلاء الطوائف التي لا تُعرف اليوم باسم المعتزلة لكنهم يُعرفون باسم آخر وهم طائفة من الخوارج الذين نعرف جميعاً شيئاً من تاريخهم ومن انحرافهم في كثير من العقائد الصحيحة تلك الطائفة الموجودة اليوم هم المعروفون بالإباضية .. الإباضية الآن يتبنون عقيدة المعتزلة أن الله عز وجل في كل مكان، لا كلام لنا الآن مع هؤلاء؛ لأنهم قد عرفتم بأنهم مبطلون حينما يحشرون الله عز وجل في كل مكان، لكن مع الأسف يجب أن تتنبهوا وأن تتذكروا أن هؤلاء الأحباش وأمثالهم حينما يلتقون
مع بعض المسلمين أو المسلمات ويشككونهم في عقيدتهم الصحيحة وهي أن الله عز وجل على العرش استوى، كيف لا كيف كما تعلمون، وهذا له بحث آخر .. فبدل أن يعالجوا ما نسمعه في مجالس أهل السنة والجماعة كما يقولون اليوم إن الله موجود في كل مكان، بدل أن يعالجوا هذا الخطأ يعالجون عقيدة صحيحة باسم إنكار هذا الخطأ، فالمعتزلة قديماً ومن على شاكلتهم من الإباضية حديثاً يصرحون بأن الله في كل مكان، وهذا ضلال ما بعده ضلال، ولعلنا نعرج لتفصيل شيء من هذا الضلال ..
أما الطائفة الأخرى فهم الذين يقولون إن الله ليس في مكان مطلقاً سواء كان المكان مكاناً وجودياً أي الذي كان عدماً ثم خلقه الله، أو كان مكاناً ذهنياً، كلنا يعلم كما ذكرت لكم آنفاً بأن الله عز وجل كان ولا زمان ولا مكان، فهل كان في مكان؟ إن كان المقصود بالمكان مكان المخلوق فحاشاه، كان ولا شيء معه مطلقاً، أما إن كان في هذا العدم الذي كونه فيما بعد فجعل قسماً منه خلقاً بقوله:{كُنْ فَيَكُونُ} (البقرة:117) فالله كان وهو من هذه الحيثية لا يزال كما كان، أي ليس في مكان مخلوق، هذا واضح جداً .. فالطائفة الأخرى ينكرون أن يكون الله عز وجل كما كان في الأزل ليس في مكان، ولذلك فهم لا يثبتون له صفة العلو على المخلوقات كلها، هؤلاء لهم قولة من أبطل ما يقوله كافر لا أقول مسلم، هؤلاء الفريق الثاني الذين يخالفون المعتزلة في ضلالهم عرفتم المعتزلة يقولون: إن الله في كل مكان .. ! هذا ضلال واضح ولا يحتاج إلى بيان إن شاء الله على الأقل الآن، أولئك الذين يقولون الله ليس في مكان كما تقول المعتزلة وكما تقول الأحباش، هؤلاء لا يقولون إن الله عز وجل له صفة العلو على المخلوقات كلها، لا يعلم كيفية ذلك إلا الله عز وجل ماذا يقولون؟ يقولون اسمعوا الآن وانتبهوا،
وهذه عقيدة الأحباش فأرجو مَنْ تمكنوا مِنْ الوسوسة إليهم أن يعرفوا حصيلة وسوستهم ألا وهي جحد الخالق والمصير إلى الإلحاد المطلق كما هو مذهب الشيوعيين والدهريين والزنادقة والملاحدة الذين يقولون: لا شيء إلا المادة، اسمعوا الآن بماذا يصفون ربهم؟ يقولون: الله تبارك وتعالى لا فوق ولا تحت
ولا يمين ولا يسار ولا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه، ها نحن
اتفقنا معهم المكان مخلوق وهو العالم، فالله ليس داخل العالم، ولكن ما بالهم يقولون: أيضاً ليس خارج العالم؟ هذا هو الإلحاد وهذا هو الجحد المطلق، زاد بعضهم إغراقاً في التعطيل وفي النفي فقالوا بعد أن قالوا: لا داخل العالم ولا خارجه، قالوا: لا متصلاً به ولا منفصلاً عنه، هذا هو الجحد، هذا الذي يقوله الدهريون جميعاً.
ويعجبني بهذه المناسبة مناظرة وقعت بين شيخ الإسلام وبين بعض علماء الكلام من أمثال الأحباش هؤلاء كانوا قد شكُوا شيخ الإسلام ابن تيمية إلى حاكم البلد يومئذ في دمشق، بأنه يقول كذا وكذا وكذا .. ويجسم ويتهمونه بما ليس فيه، وطلبوا عقد مجلس مناظرة معه، فاستجاب الأمير لذلك ودعا شيخ الإسلام ابن تيمية والمخالفين له، فجلسوا أمام الأمير فسمع الأمير دعوى هؤلاء المشائخ، وسمع من شيخ الإسلام الآيات والأحاديث التي تُثبت لله عز وجل صفة العلو على خلقه مع التنزيه التام كما هو مصرح به في القرآن {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) فلما سمع كلام الشيخ من جهة وكلام أولئك العلماء من جهة أخرى قال وهذا يدل على عقل وذكاء ممتاز قال: هؤلاء قوم أضاعوا ربهم، هذه كلمة حق .. أناس يقولون عن ربهم باختصار، ما في داعي نعيد عليكم .. حسبكم أن تتذكروا الحصيلة لا داخل العالم ولا خارجه، لا متصلاً به ولا
منفصلاً عنه، صدق ذلك الأمير حينما قال عن هؤلاء الأقوام: هؤلاء قوم أضاعوا ربهم؛ لأننا إذا قلنا لأفصح رجل في اللغة العربية صف لنا المعدوم الذي لا وجود له؟ لما استطاع أن يصفه بأكثر مما يصف هؤلاء معبودهم وربهم، المعدوم: الذي ليس داخل العالم ولا خارجه، فهل الله كذلك؟ حاشا لله، كان الله ولا شيء معه، لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الحقيقة يصف الطريقين المجسمة الذين يشبهون الله ببعض مخلوقاته، هؤلاء الذين يتستر من ورائهم الأحباش هؤلاء فينكرون أن يكون لله مثلاً صفة اليد التي ذكرها في القرآن والصفات الأخرى التي قد نتعرض لذكر شيء منها قريباً إن شاء الله .. وصف هؤلاء ابن تيمية المجسمة بوصف دقيق جداً كما أنه وصف المعطّلة وقرن الطائفتين وجمعهم في وصف يجمعهم الضلال قال: المُجسِّم يعبد صنماً والمعطّل يعبد عدماً، الله ليس جسماً .. ! حاشا لله، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) أما المعطل فيعبد عدماً، كيف؟ لا داخل العالم ولا خارج العالم، لا متصلاً به ولا منفصلاً عنه هذه هي عقيدة المعتزلة وعلماء الكلام ومنهم الأشاعرة اليوم، ومنهم بعض الماتريدية قديماً وقد يكونون اليوم عامة الماتريدية حيث لا يقولون بقولة الحق التي قالها بعض الماتريدية القدامى الذين تمسكوا بهدي السلف الصالح فقال قائلهم بحق:
ورب العرش فوق العرش لكن
…
بلا وصف التمكن واتصال
أي أن الله عز وجل كما قال: {إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (العنكبوت:6) فالله عز وجل استوى على العرش أي استوى على المخلوقات كلها ليس لأنه بحاجة إليها وإنما ليكون مهيمناً وقاهراً لكل مخلوقاته.
يأتي هنا أن نقول لهؤلاء الأحباش وأمثالهم من المنحرفين عن عقيدة السلف
الصالح أن الله عز وجل فوق العرش استعلى بنص القرآن الكريم وتفسير السلف الصالح ها أنتم تقولون إن الله عز وجل ليس في مكان، هل يجوز للمسلم أن يقول أين الله؟ هنا سينكشف البرقع عن هؤلاء المتسترين بتنزيه الله عز وجل عن المكان المخلوق، لكننا نسألهم هل يجوز للمسلم أن يقول أين الله؟ إعتقادي وتجربتي في أكثر من نصف قرن من الزمان أنهم يأبون أن يُسأل المسلم مثل هذا السؤال أين الله؟ بالتالي من باب أولى أنهم يأبون أن يكون جواب هذا السؤال:
الله عز وجل في السماء، علماً بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي سن لنا نحن معشر المسلمين المتبعين للكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح هو الذي سن لنا أن نسأل من نشك في إيمانه بالله عز وجل: أين الله؟ وبالتالي سن لنا الجواب أن يكون هو: الله في السماء، لكن هذا لا بد أنه بحاجة إلى شيء من البيان، أي حينما نقول الله في السماء، وهذا سأقوم به إن شاء الله بعد أن أذكر إخواننا وأخواتنا السامعات بحديث أخرجه الأئمة في كتبهم واتفق علماء الحديث وعلماء التفسير وفقهاء الأئمة الأربعة وغيرهم على صحة الحديث التالي، وقد أخرجه من أهل الحديث الإمام مسلم في صحيحه ومن قبله الإمام مالك في موطئه ومن بعده الإمام أحمد في مسنده، وغيرهم كثير وكثير جداً ممن تبعوهم بإحسان، ذلك الحديث هو ما جاء بالسند الصحيح عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله تعالى عنه أنه صلى يوماً وراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعطس رجل بجانبه فقال له وهو يصلي: يرحمك الله، فنظروا إليه بأطراف أعينهم مسكتين له، لكنه يبدو أنه كان حديث عهد بالإسلام حديث عهد بمعرفة الأحكام المتعلقة بالصلاة، ولذلك فقد ضاق بهم ذرعاً حينما رآهم ينظرون إليه نظرة تسكيت له، فقال رافعاً صوته: واثكل أمياه، ما بالكم تنظرون إلي؟ فأخذوا ضرباً على أفخاذهم، أيضاً يتابعونه
بالإسكات، فحينئذ كأنه تبين أنه على خطأ، فذكر من هديه عليه السلام ولطفه معه قال: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة أقبل إليّ فوالله ما قهرني ولا كهرني ولا ضربني ولا شتمني وإنما قال لي: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي تسبيح وتكبير وتحميد» ، لما وجد هذا الرجل هذا اللطف وكل شيء من معدنه جميل فهو الذي وصفه رب العالمين في القرآن الكريم {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم:4) حينما وجد منه هذا اللطف في التعليم طمع أن يزداد علماً بعد أن عرف أنه أخطأ في الصلاة وتكلم ولا يجوز له الكلام، فقال: يا رسول الله إن منا أقواماً يتطيرون قال: فلا يصدنكم، قال: إن منا أقواماً يأتون الكهان، قال: فلا تأتوهم، قال: إن منا أقواماً يخطون بالرمل، ضرب الرمل معروف إلى اليوم مع الأسف، قال عليه الصلاة والسلام:«قد كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه خطه فذاك» ، قال: يا رسول الله .. والشاهد الآن يأتي، وما مضى يحتاج إلى محاضرة بل وأكثر من محاضرة، ولكن الشاهد الآن هو ما يأتي .. قال: يا رسول الله لي جارية ترعى غنماً لي في أُحُد فسطا الذئب يوماً على غنمي وأنا رجل أغضب كما يغضب البشر فصككتها صكة وعليّ عتق رقبة، فقال عليه الصلاة والسلام:«هاتها» ، فلما جاء قال لها عليه الصلاة والسلام:«أين الله؟ قالت: في السماء قال لها: من أنا قالت: أنت رسول الله قال لسيدها: اعتقها فإنها مؤمنة» .
هذا الحديث اتفق علماء المسلمين على اختلاف تخصصاتهم من علماء الحديث وهذا تخصصهم، وعلماء التفسير وعلماء الفقه وعلماء التوحيد .. كلهم اتفقوا على تصحيح هذا الحديث إلا علماء الكلام الذين يركبون رؤوسهم ويتبعون أهواءهم فهم الذين يردُّون هذا الحديث بعقولهم العقول التي عرفتم أنها لا قيمة لها، هذا الحديث سن لنا أنه يجوز لنا أن نسأل الأحباشيين وأمثالهم من
أذناب المعتزلة أو الإباضية: أين الله؟ فتراهم حيارى، والجريء منهم يقول: هذا السؤال لا يجوز، وهم يجهلون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي سَنَّ هذا السؤال لأمته، فهم إذاً يردون على نبيهم الذي يزعمون أنهم يؤمنون به، ثم كان الجواب من الجارية الله في السماء، قد لا تصدقون ولكن الكتاب موجود، إن بعض العلماء في العصر الحاضر يقولون إن القول بأن الله في السماء هي عقيدة الجاهلية وليست عقيدة المسلمين، وأن هذه الكلمة أن الله في السماء هي حكاها عنهم رب العالمين في القرآن الكريم، والله كما تعلمون من سورة تبارك {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} (الملك:16، 17) هناك قسم آخر أقرب إلى الهدى وأبعد عن ضلال القسم الأول الذين قالوا إن القول بأن الله في السماء هو قول الجاهلية يتأولون هذه الآية بتأويل: يقولون من في السماء، يعني الملائكة، وهذا من شؤم ما يسمونه بالمجاز إنهم يسلكون طرق المجاز لتعطيل الصفات الإلهية.
يأتي هنا أحاديث كثيرة لإبطال مثل هذا التأويل من ذلك الحديث المتداول بين الناس اليوم ولكن أكثر الناس لا يعلمون بل لا يفقهون ما به يتكلمون، ذلك الحديث هو:«الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء .. » من في السماء: هو الله، من في الأرض: خلق الله من إنسان ومن حيوان ومن دواب إلى آخره .. هذا الحديث لأنه يوضح المعنى المقصود من قوله تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} وهذا الذي قلت آنفاً ربما نعرج لبيان معنى في السماء؛ لأن في من حيث الاستعمال العربي تأتي في بعض الأحيان بمعنى الظرفية، وأحياناً تأتي بمعنى آخر من حروف الجر فتأتي بمعنى على، فيا تُرى «في» هنا في هذه الآية هل هي بالمعنى المعهود، أي إنها ظرف؟ الجواب لا، ومن
هنا يظن علماء الكلام أنهم إذا نفوا أن يكون الله في السماء أنهم نزهوه، هم في الحقيقة نزهوه عن فهمهم الخطأ للآية، لكن قد أنكروا أن يقولوا كما قال الله: الله في السماء، فجهلوا معنى أن الله في السماء أنه على السماء، وفي ذلك أو في هذه الحالة يلتقي معنى هذه الآية مفسراً بالحديث السابق:«ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» ، من في الأرض ليس المقصود من كان في جوف الأرض من ديدان وحشرات وو إلى آخره، وإنما المعنى واضح جداً من على الأرض، من تتعاملون معهم من بني جنسكم من الإنس أو مما ذلل الله لكم من الحيوانات .. ارحموا من على الأرض يرحمكم من في السماء، أي من على السماء حينئذ هذا التفسير الذي يُوضِّحه هذا الحديث يلتقي تماماً مع كل الآيات التي ذكرنا بعضها وأحاديث أخرى أن الله عز وجل له صفة العلو، فحينما نوجه السؤال إلى هؤلاء الأحباش أو غيرهم ممن هم على شاكلتهم في ضلالهم أين الله؟ يجب أن يكون جوابهم كما قالت الجارية: الله في السماء، لكن ليس بمفهومهم "في" ظرفية؟ لا، وإنما بالمفهوم الذي وضحه الحديث أولاً وكان عليه سلفنا الصالح ثانياً؛ أي: أن الله في السماء أي على السماء، أي على العرش؛ لأن كل ما علاك فهو سماء، فحينئذ تسد الطرق كلها أمام هؤلاء الأحباش الذين يظنون أولاً أنه لا يجوز أن يسأل المسلم أين الله، وثانياً يظنون أنه لا يجوز أن يقول أن الله في السماء بعد أن تبين لهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي سَنَّ هذا السؤال: أين الله؟ وهو الذي شهد لتلك الجارية بالإيمان حينما نطقت بلفظ القرآن: الله في السماء.
وهنا عبرة لا بد من أن أذكرها وهي .. يتبين لنا الفرق بين الحياة التي كان يعيشها عامة المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى الجارية راعية الغنم، وبين ما يعيشه اليوم عامة المسلمين وكثير من خاصتهم؛ لأن هذا السؤال لو وُجِّه إلى كثير
من الخاصة وفيهم بعض كبار علماء الأزهر الذي يوصف فيقال: الأزهر الشريف، إذا وجِّه إليهم هذا السؤال: أين الله؟ لم يجيبوا بجواب الجارية، ما هذه الفارقة بين كبار العلماء في العصر الحاضر لا يجيبون عن سؤال الرسول عليه السلام بينما راعية الغنم تعرف الجواب الصحيح لهذا السؤال الوجيه، أقول: هذا دليل أن المسلمين في العهد الأول كانوا ربوا جميعاً لا فرق بين خاصتهم وعامتهم، كانوا ربوا جميعاً بتربية النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما يتعلق على الأقل بالعقيدة التي لا بد لكل مسلم أن يكون فاهماً لها أولاً، ثم مؤمناً بها، هذه جارية كيف عرفت العقيدة الصحيحة؟ الجواب: الجارية لا نتصور أنها كانت تتمكن أن تحضر حلقات العلم التي كان يحضرها كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخاصتهم، بينما الآخرون ما كانوا يحضرون جلسات الرسول عليه السلام، إذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما بُلّغ حديثاً من أبي هريرة رضي الله عنه ندم فقال: شغلنا الصفق في الأسواق، إذا كان هذا عمر فماذا نقول عن الصحابة الآخرين، وماذا نقول عن النساء، بل ماذا نقول أخيراً عن الجواري وعن راعية الغنم.
أريد من هذه التوطئة كيف فهمت هذه الجارية هذه العقيدة الصحيحة التي إلى الآن لم يفهمها بعض الخاصة من أهل العلم؟ إنها كانت تعيش في جو مُوحِّد في التوحيد الصحيح، لا مثيل له في الدنيا إطلاقاً بسبب وجود الرسول عليه السلام، بسبب وجود النور بين ظهراني أولئك الصحابة من الرجال والنساء من الخاصة والعامة، هذه الجارية تلقت هذه العقيدة من سيدها، فسيدها يسمع العقيدة الصحيحة بل والأحكام الشرعية من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم لا يقتصر على الاحتفاظ بها بل ينقلها إلى من هو يعوله من ينفق عليه مادةً، وينفق عليه أيضاً علماً ومعنى، من هنا نعرف لماذا عرفت الجارية هذه العقيدة الصحيحة؛ لأنها عاشت في ذلك الجو
الوحيد في فهمهم للتوحيد الصحيح، أما اليوم فالمسلمون يعيشون في أجواء متباينة، في عقائد متفرقة متضاربة أشد التضارب ولذلك فلا نجاة للمسلمين في هذا الزمان إلا أن يعودوا إلى ما كان عليه السلف الصالح، وأن يحققوا في أنفسهم خبر نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال واصفاً للفرقة الناجية قال: هي التي تكون على ما أنا عليه وأصحابي.
أردت أن أختم الكلمة بهذا الحديث، لكني تذكرت أنه كان في جملة السؤال المطروح آنفاً أن هؤلاء الأحباش ينكرون في جملة ما ينكرون اليد التي وصف الله عز وجل نفسه بها، يقولون: اليد جارحة .. ! سبحان الله، وهم يتكلمون عن أنفسهم، فكيف يقولون في اليد التي ذكرها الله إنها جارحة؟ هؤلاء من أجهل الناس إن لم يكونوا من أضل الناس؛ ذلك لأنهم يقيسون الغائب على الشاهد، بل يقيسون غيب الغيوب وهو الله تبارك وتعالى على أنفسهم، هذا في منتهى الحماقة إن لم يكن في منتهى الضلال، نحن نجاريهم جدلاً لا عقيدةً وحاشى أن نشاركهم في عقيدتهم، نقول لهم: الله ذات متصف بصفات الكمال، هل تقولون معنا؟ لا بد أن يقولوا معنا: نعم أو يقولوا: لا، فإن قالوا: لا فذاك هو الذي يدل على ضلالهم ويؤكد ما هم فيه فلا كلام لنا معهم؛ لأن الكلام حينئذ يكون مع الزنادقة، والمفروض الآن أننا نتكلم مع مسلمين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويصلون وو إلى آخره .. فإذا قالوا نحن معكم بأن الله عز وجل له كل صفات الكمال، فإذا قالوا هذه الكلمة فقد تناقضوا حينما قالوا الله ذات وله صفات، وأنت أيها المتكلم بكلام علماء الكلام حينما تقول اليد جارحة هذه جارحة بالنسبة لذاتك، فهل ذاتك كذات الله أو ذات الله كذاتك؟ ستقول حاشى لله، ذاته ليست كالذوات، وبالتالي صفاته ليست كسائر صفات المخلوقات، إذاً انتهت المشكلة يا جماعة .. يقال في الذات ما يقال في الصفات، يقال في الصفات
ما يقال في الذات إيجاباً وسلباً الله ذات له كل صفات الكمال ومنزه عن كل صفات النقص، ذلك قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) فهو سميع وبصير صدق الله، لكن سمعه ليس كسمعنا، بصره ليس كبصرنا، لا بد لهؤلاء المجادلين بالباطل والمتسترين بكلام ظاهره حق وباطنه باطل، لا بد لهؤلاء أن ينكروا كل صفات الله عز وجل، لماذا؟ لأن وصف الله بهذه الصفات في الغالب فيها اشتراك لفظي ليس حقيقي معنوي، الله عز وجل قال عن آدم {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (الإنسان:2) ووصف نفسه بأنه سميع بصير، إذاً انتهى الوقت؟
إذاً ننهي هذا الكلام فنقول: إذا كان الله عز وجل قال: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) ووصف آدم عليه السلام بأنه جعله سميعاً بصيراً، فعلى طريقة هؤلاء الأحباش وأمثالهم من المعطلة لا بد من أحد شيئين: إما أن نقول إن الله ليس كما قال: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11]) لأنه قال في آدم: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (الإنسان:2) أو أن نقول لا هو كما وصف به نفسه لكن قوله في آدم {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (الإنسان:2) ليس كذلك فلا بد من تعطيل أحد الوصفين إما ما كان منهما متعلقاً بالله عز وجل وهذا كفر، وإما ما كان متعلقاً بوصف الله لآدم عليه السلام بأنه جعله سميعاً بصيراً إنكار أيضاً هذا فهو كفر فهم دائرون ما بين كفر وكفر وذلك عاقبة من لا يتبع السلف الصالح، ولذلك قيل:
وكل خير في اتباع من سلف
…
وكل شر في ابتداع من خلف
فنوصي الحاضرين جميعاً ألا يصغوا لعلماء الكلام ولا لأذنابهم، وعليهم أن يعرفوا عقيدة السلف ليكونوا إن شاء الله مهتدين، والحمد لله رب العالمين.
"الهدى والنور"(695/ 54: 00: 00) و (695/ 43: 27: 00)