الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1025] باب هل تأويل قوله تعالى: {وهو معكم أينما كنتم} بمعية العلم؛ من التأويل المذموم
؟
سؤال: يسأل سائل فيقول: هل ما ورد عن السلف في تفسير قول الله تبارك وتعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4)، قالوا: أي بعلمه، هل هذا يُعدُّ من التأويل المذموم، وما هو الضابط في ذلك؟
الشيخ: هذا ليس تأويلاً، التأويل في الاصطلاح العلمي: هو إخراج العبارة أو الجملة عن ظاهر دلالتها المتبادرة، هذا هو التأويل، وإنما يصار إليه إذا قام الدليل الشرعي أو العقلي المقطوع بدلالته، حينئذٍ يصار للتأويل.
أما هنا فلا تأويل؛ لأن سياق الآية وسباقها لا يعني المعية الذاتية، وإنما يعني المعية العلمية، {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4)؛ لأن الآية أظن أولها: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو معهم.
مداخلة: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} (المجادلة:7).
الشيخ: نعم، فالمعية هنا معيةٌ اطِّلاعية وعلمية؛ ولذلك فالمعية هنا كما جاء عن السلف هي معية علمية، ليس هذا تأويلاً وإن كان بعضهم يسميه تأويلاً.
وأشهر مثال على ذلك آية: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} (يوسف:82)، اسأل القرية: اللفظ: القرية هي البنيان والجدران والحيطان القائمة على تلك الأرضية القرية، لكن إذا أخذَتَ الآية بتمامها وجدْتَ نفسك مضطراً لا يتبادر إلى ذهنك هذا المعنى المقصود من لفظة القرية، وإنما يتبادر إلى ذهنك سكانها.
{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} (يوسف:82).والعير التي
أقبلنا فيها: العير أيضاً كلفظ معناه: هذه القافلة من البعران، الجمال، الإبل. لكن لا يُنظر إلى اللفظة مفصولة عن سباقها وعن سياقها، وإنما يُنظر إلى الجملة بكاملها: من أولها إلى آخرها، حينئذٍ الذي يتبادر لك من هذه الآية غير المعنى الذي يتبادر من لفظ موجود في هذه الآية، هو القرية أو العير.
فستجد نفسك مضطراً أن تقول: إن المعنى الذي يتبادر إلى ذهن، واسأل القرية: سكانها، والعير أي المرافقين لها، هذا ليس تأويلاً أبداً، والأمثلة على هذا تكثر، وتكثر جداً.
من ذلك مثلاً: {فَسِيحُوا في الأَرْضِ} (التوبة:2)."في" ظرفية، لكن إذا نظرت إلى هذه الآية، إلى هذا الحرف في هذه الآية ما تفهم أنها ظرفية، بل تفهمها بأنها بمعنى: على، قل سيحوا في الأرض فانظروا، {قُلْ سِيرُوا في الأَرْضِ فَانظُرُوا} (النمل:69)، مش في جوف الأرض، وإنما على الأرض، وعلى هذا أمثلة كثيرة، وكثيرة جداً.
وعلى ذلك جاء قوله تبارك وتعالى أيضاً في سورة طه لما فرعون طغى وبغى وقال للناس: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} (النازعات:24)، وأحضر السحرة لينتصر بهم على معجزة موسى عليه السلام، فكانت العاقبة لموسى عليه السلام، وكانت العاقبة أن السحرة آمنوا:{قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} (طه:70)، فماذا هددهم، قال:{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ في جُذُوعِ النَّخْلِ} (طه:71)، أيضاً هنا في جذوع النخل، إذا فُصِلت "في" عن مكانها هنا فهمتها بمعنى ظرفية، لكن هنا لا تصلح لا يصلح هذا الفهم إلا أنها بمعنى "على"، {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ في جُذُوعِ النَّخْلِ} (طه:71)، أي: على جذوع النخل هذا أيضاً ليس تأويلاً، لأن الجملة هي تفرض عليك أن تفهم "في" هنا وهناك بمعنى "على".
وأخيراً قوله عليه الصلاة والسلام، وهذا موضوع له علاقة بعقيدة زل عنها جماهير المسلمين قديماً وحديثاً، قوله عليه الصلاة والسلام:«الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» ، أيش معنى ارحموا من في الأرض؟، يعني: الديدان والحشرات التي تعيش في جوف الأرض ولا تستطيعون أن تطولوها بشيء من الرحمة، ما يتبادر هذا المعنى إلى ذهن عربي إطلاقاً، وإنما هنا "في" كهناك "على"، «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض» ، من على الأرض معكم «يرحمكم من في السماء» .أيضاً يرحمكم من في السماء، "في" هنا ليست ظرفية كما هناك في الأرض ليست ظرفية، وإنما هي بمعنى على، وعلى ذلك يجب أن نفهم قوله تعالى في سورة تبارك:{أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} (الملك:16، 17)، أيش معنى ارحموا من في الأرض؟ يعني: الديدان والحشرات التي تعيش في جوف الأرض ولا تستطيعون أن تطولوها بشيء من الرحمة، ما يتبادر هذا المعنى إلى ذهن عربي إطلاقاً، وإنما هنا في كهناك على، «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض» من على الأرض معكم يرحمكم من في السماء. أيضاً يرحمكم من في السماء: "في" هنا ليست ظرفية كما هناك في الأرض ليست ظرفية، وإنما هي بمعنى "على"، وعلى ذلك يجب أن نفهم قوله تعالى في سورة تبارك:{أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} (الملك:16، 17)، أي: من على السماء، أأمنتم من على السماء، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] الآيات كلها تلتقي بعضها مع بعض، بمعنى إثبات العلو لله عز وجل على سائر خلقه، فالله عز وجل على الخلق