الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[820] باب الرد على المعطلة والمفوضة
السائل: بعض العلماء يقول أن مذهب السلف في الصفات أن تقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، ولا تقل: استوى بذاته.
الشيخ: أيوة.
مداخلة: نعم.
مداخلة: [كذلك] ينزل ربنا إلى السماء الدنيا، لا تقل بذاته، فقط استوى فقط، بدون تفسير بالمرة، فما جوابكم؟
الشيخ: جوابي كما قال إمام دار الهجرة الإمام مالك: الاستواء معلوم، والكيف مجهولة، والسؤال عنه بدعة، أخرجوا الرجل.
نحن نقول الذين حكيت عنهم ما ذكرتَ، وهم يُسمَّون بجماعة التفويض، فهؤلاء ليسوا من السلف من قريب أو بعيد.
نقول لهؤلاء: حين تقولون: لا تقل: الرحمن على العرش استوى بذاته، وإنما نقول: الرحمن على العرش استوى. هكذا يقولون.
نسألهم بفهم أم بغير فهم؟ نقول لهم: نوافق معكم مبدئياً، نقول: الرحمن على العرش استوى بدون قيد بذاته، لكن حين نقول نحن وأنتم: الرحمن على العرش استوى. بفهم أم بغير فهم؛ فإن قال: بغير فهم سقط، وانكشف وعرفنا منه أنه معطل يتستر وراء ما كان يَدِّعِيه كثيرون من قبل ومن بعد، أنهم يقصدون التنزيه.
نحن أيضاً نقصد التنزيه، ولكن مع الفهم، فما معنى: الرحمن على العرش استوى؟
لعلك فهمت إلى هنا؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: طيب.
{الرحمن على العرش استوى} كما تقول: سبحان ربي الأعلى. وكما تقول: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} (الملك:16) .. إلى آخر الآية، فالله عز وجل فوق عرشه كما قال الإمام عبد الله بن المبارك: الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته، [بائن من خلقه] وهو معكم بعلمه، ثلاثة أشياء: الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته، بائن من خلقه، وهو معهم بعلمه.
فحينما يقول الإمام عبد الله بن المبارك، إنما يقولها تفقهاً منه؛ لأن الرحمن من الأسماء التي يسمى بها ربنا عز وجل كاسم الإله، فهو من أسماء الذات، فلو قال: عليم .. بصير، فهذا اسم صفة، لكن الله والرحمن اسم الذات، فكلمة: بذاته، ليست إضافة من عندنا، وإنما هو ما يفهمه كل إنسان.
يعني مثلاً: الله خلق السموات والأرض.
إذا قلنا: الله بذاته خلق السموات والأرض، هذا ليس معنى ذلك أننا أضفنا معناً لا يؤخذ من كلمة الله، خلق الله السموات والأرض، أي: خلق الله بذاته، لم يشاركه في ذلك أحد سواه.
هذا التأويل، أي: التفسير لا يعني أننا نحن أولنا كما يريد أن يقول ذلك الناصح خطأً، قولوا: الرحمن على العرش استوى، ولا تقولوا: بذاته.
نحن إذا قلنا: الرحمن على العرش استوى. بفهم، فمعناه: بذاته، وإذا قلنا
الرحمن على العرش استوى. كلام لا ندري ما معناه، فقد خالفنا السلف الصالح، كما هو الشأن في كل الصفات التي نؤمن بها معهم دون تشبيه ودون تعطيل.
دون تشبيه لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11)، دون تعطيل لقوله:{وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، فبعض الفرق القديمة من المعتزلة كانوا يعطلون الله عن هاتين الصفتين: صفة السمع والبصر، فيقولون: يعني هو عليم.
الله عليم ثابت؛ {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (البقرة:29)، لكن هنا يقول:{وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، وأنكروهما؛ لأنهم يتوهمون أننا إذا آمنا بما جاء في كتاب ربنا بدون تشبيه، مع ذلك بظنهم أننا نشبهه.
فهذا بحث يطول ونهايته أن يؤدي بهؤلاء المعطلة إلى إنكار وجود الله تبارك وتعالى من الأصل، وقد أشار إلى ذلك الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله، حين قال: المجسم إنما يعبد صنماً، والمعطل إنما يعبد عدماً.
كلاهما ضال، لكن أيهما أشد ضلالاً؟ الذي نفى نفياً مطلقاً؛ لأنهم يقولون
…
- وهذا ذكرناه في بعض مجالسنا القديمة -، حينما يتحدثون عن الله عز وجل وأنه على العرش استوى، يقولون: لا، لا يوصف ربنا، لا يقال فيه عز وجل -عندهم-: الله فوق، لا يقال: فوق. لا هو فوق، لا هو تحت، لا هو يمين، لا هو يسار، لا هو داخل العالم، ولا خارجه.
إذاً: رجعوا إلى العدم؛ لذلك قال ابن القيم بحق: المعطل يعبد عدماً
محضاً.
فإذا لم يكن لا داخل العالم ولا خارجه، لو قيل لأفصح الناس بياناً: صف لنا
المعدوم ما هو؟ فقال لك: لا هو فوق ولا هو تحت، لا يمين لا يسار، لا أمام لا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه.
نقول له: صدقت هذا هو المعدوم، فقد وصفوا ربَّهم بأنه معدوم لما عطلوه من الصفات، فالمعطل إذاً: يعبد عدماً، نحن يجب أن نقف عند حدود الشرع ولا نستعمل الأقيسة؛ لأن الله عز وجل إذا كان سميعاً بصيراً، فسمعه ليس كسمعنا، وبصره ليس كبصرنا، كما أن وجوده ليس كوجودنا، فنحن الآن نقول: الله موجود، وأنا موجود، فهل معنى ذلك أن نقول -حتى لا نقع فيما يزعمون فيه من التشبيه- أحد شيئين .. ننكر حقيقة من حقيقتين: الله موجود، وأنا وأنت وهذه المخلوقات موجودة، فلا بد من إنكار حقيقة من الحقيقتين وأيهما أنكرت، فقد قرمطت.
إذا قلت: أنا موجود، الله موجود.
صار هنا اشتراك، صار هنا تشبيه؟
إذاً: الله ليس موجوداً؛ لأنه فيه تشبيه الخالق بالمخلوق، كيف غير موجود؟ موجود.
إذاً: أنا الذي لست موجوداً.
وأحلاهما مر.
إذاً: الله موجود، وأنا موجود، لكن وجوده كما يقولون: وجود بدون موجد، واجب الوجود، أما أنا ممكن الوجود؛ لأن الله عز وجل هو الذي أوجدني، وإن شاء أعدمني؛ ولذلك قال تحقيقاً لهذه الفارقة العظيمة:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} (الرحمن:26 - 27).
فإذاً: نحن نثبت ما أثبت، وننفي ما نفى، نفى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11)، وهو السميع البصير، أثبت.
فسمعه وبصره حقيقتان صفتان ثابتتان، ولكن: ليس كمثله شيء، وعلى ذلك طَرِّد كل الصفات، فتستريح ولا تقع في التشبيه ولا في التعطيل.
هذا جواب ما سألت من السؤال.
مداخلة: قال لي هذا القائل: الرحمن على العرش استوى، استوى على، هذا فهمك لاستوى، فما تقول لفهمك ليد الله، ماذا تقول معناها، فماذا أقول له؟
الشيخ: اليد التي يعطي بها، أقول وهي ليست خيالية، ما هذه المشكلة الكبيرة، وماذا يقول هو؟
مداخلة: هو يقول: ما دام أن اليد لا تستطيع أن تفسرها، ..
الشيخ: لا، هو ماذا يقول؟ ما المقصود باليد عنده؟
مداخلة: هو مفوض.
الشيخ: هذا هو، معطل إذاً.
إذاً: نرجع لنفس الموضوع: ما هو الله؟ موجود أو مفقود؟
مداخلة: موجود.
الشيخ: موجود، وأنا موجود، إذاً: أنكر إحدى الحقيقتين وحينئذ نحكم عليك بأنه سقط التكليف عنك.
مداخلة: شيخنا في نفس المسألة، أستاذي هم في الحقيقة متأخرو الأشاعرة
نفوا لفظ: موجود، كما أشرت في آخر كلامك أستاذنا، فقالوا: لأن لفظ موجود يقتضي موجداً، فهو واجب الوجود، فهربوا في شرح البيجوري وكذا، هربوا من لفظ موجود، قالوا: لا نقول: موجود؛ لأن الموجود يثبت موجداً، والله
واجب الوجود.
الشيخ: هذه مناقشة لفظية.
مداخلة: أي نعم.
الشيخ: لكن هذا لا يرد في الأخذ والرد.
مداخلة: لكن أنا أحب أن توضح لنا يا شيخنا هذه الجزئية، لفظ موجود هل هو في الحقيقة كما يزعمون يقتضي موجداً؟
الشيخ: لا، لكن هذه مناقشة بيزنطية كما يقولون فعلاً؛ لأنهم هم يناقشون الآن مناقشة لفظية.
فعلاً: اسم موجود، اسم مفعول، يستلزم عادة بالنسبة للعرف البشري أن يكون له موجداً، فهذا الكأس وهذا الإبريق .. إلى آخره، موجود، أوجده الذي صنعه .. إلى آخره، لكن الله عز وجل كما قلنا في أثناء الكلام: هو واجب الوجود، لكن كونه واجب الوجود ما ينفي أن يكون قائماً وجوده، فنترك كلمة موجود، قائماً وجوده متحققاً وجوده، فحينئذ هم يفرون من المناقشة تمسكاً بلفظ لا يقدم ولا يؤخر.
مداخلة: حقيقة البحث.
الشيخ: محينا هذا الاسم، اسم موجود ألغيناه من قاموس اللغة في هذا البحث، لكن متحقق وجوده، لا يستطيعون أن يقولوا: لا، مفقود.
مداخلة: صحيح.
الشيخ: فإذاً: التمسك بهذا اللفظ لا يفيدهم شيئاً.
وأرجو إخواننا أن يحفظوا كلمة كنت قرأتها في رسالة لا تزال مخطوطة من كلام الخطيب البغدادي، وربما نقلت في بعض الكتب: ما يقال في الصفات يقال في الذات سلباً وإثباتاً.
هل تقول في الله موجود ولاّ؟ موجود.
إذا قلت إنه موجود، وقد أوضحنا المقصود من لفظة الموجود، هل يلزم من ذلك مشابهة الخالق بالمخلوق؟
الجواب: لا.
كذلك قل في الصفات ما تقول في الذات، تستريح من كل هذه المناقشات؛ لأنه الحقيقة الدخول في تفاصيل هذه المسائل والتناقش فيها مضلة؛ لأن كثير من الناس قد أوتوا منطقاً وأُوتوا جدلاً، وناس آخرون لم يعطوا علماً ولم يُعطوا جدلاً، وعندهم سلامة وعقيدة صحيحة، لكن ذلك المجادل قد يتغلب عليه بجدله؛ بسبب سلامة علم هذا الإنسان وقلبه.
ولذلك فعلى كل مسلم أن يحفظ هذه القاعدة وهي قائمة على الآية السابقة: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11).
يقال في الصفات ما يقال في الذات سلباً وإثباتاً، حينذاك تستريح من أي مناقشة قد تضطر للدخول فيها وأنت غير مستعد لها.
" الهدى والنور"(281/ 33: 00: 00)