الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الاستهزاء والسخرية)
[915] باب هل نثبت لله تعالى صفتي الاستهزاء والسخرية
؟
سؤال: يسأل سائل فيقول: ما القول الفصل في قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} (البقرة:15) وقوله تعالى: {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} (التوبة:79) وغيرها من الآيات المشابهة، هل نثبت ما أثبته الله لنفسه، أم نؤولها بلازمها كما يقول بعض المفسرين وجزاكم الله خير.
الشيخ: هذا السؤال جوابه معروف عند أهل السلف وأتباع السلف، وبالمقابل أتباع الخلف، من المعلوم أن السلف كانوا يقولون في مثل هذه الآية وتلك: أمروها كما جاءت، وهم لا يعنون كما يتوهم بعض الخلف اليوم .. لا يعنون أمروها بدون فهم، وإنما أمروها كما جاءت بفهم صحيح وبدون تشبيه وتكييف، وبالتالي بدون تأويل أو تعطيل.
والجواب الحاسم في مثل هاتين الآيتين هو أن نستحضر قول الله عز وجل في صفتين أخريين ألا وهما صفة السمع والبصر حين قال ربنا عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) ففي الآية تنزيه، وفيها إثبات لصفتي السمع والبصر، ومعنى التنزيه أننا حينما نثبت لله عز وجل صفًة جاءت في كتابه أو في سنة نبيه أننا نثبتها كما يليق بعظمته تبارك وتعالى وجلاله، ولا نُكَيَّف ذلك فلا نقول: سمعه كسمعنا وبصره كبصرنا، كما أننا لا نتأول ذلك كما فعل ذلك قديمًا بعض غلاة المعتزلة حيث تأوَّلوا السمع والبصر بالعلم، قالوا: {وَهُوَ السَّمِيعُ
البَصِيرُ} (الشورى:11) أي: العليم، علمًا بأن الله عز وجل قد وصف نفسه في غير ما آية في القرآن الكريم بالعلم، فحينما يأتي أولئك المعتزلة الغلاة فيتأولون السمع والبصر بالعلم فذلك هو التعطيل الذي قال عنه بعض علمائنا المتقدمين كابن تيمية وابن القيم الجوزية رحمهم الله قالوا: المعطل يعبد عدمًا والمُجسِّم يعبد صنمًا.
على هذا الأساس من التنزيه والإثبات بدون تشبيه أو تأويل نقول في الآيتين السابقتين من استهزاء الله عز وجل بالمستهزئين بآياته وسخرية الله عز وجل بأولئك وأمثالهم إنما هو استهزاء يليق بالله عز وجل وليس من باب سخرية الإنسان بالإنسان، واستهزاء الإنسان بالإنسان، فالآية والأخرى كلتاهما يساقان مساق الآيات المتشابهات، نمرُّها كما جاءت مع الفهم السليم على ما كان عليه السلف الصالح بدون تشبيه، فهنا لا نشبه استهزاء الله بالمشركين كاستهزاء الناس بعضهم في بعض، وإنما نقول: استهزاءً يليق بالله تبارك وتعالى كما جاء تمامًا في الأثر الصحيح الثابت عن الإمام مالك رحمه الله أن رجلًا جاء إليه فقال: يا مالك! {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) كيف استوى؟ قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، أخرجوا الرجل فإنه مبتدع.
كذلك نحن نعلم أن الاستهزاء لغًة معروف وهو مقابل مقابلة المستهزئ باستهزاء من نده، ولكن الله عز وجل ما دام أنه ثبت لدينا يقينًا أنه ليس كمثله شيء، فلا نقول: استهزاؤه كاستهزائنا نحن كما قال مالك تمامًا: استواء الله عز وجل على عرشه معروف، ولكنه بلا كيف، والسؤال عن الكيف بدعة، لذلك أمر بإخراج الرجل على اعتباره إياه مبتدعًا، كذلك نحن نقول في كل آيات الصفات منها صفة الاستهزاء والسخرية معناهما معروف لغًة، ولكن ليس هناك تكييف ولا تشبيه، وهذا هو المنهاج في كل آيات الصفات وأحاديث الصفات.
"أسئلة وفتاوى الإمارات"(2/ 00:42:55)