الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: ومن أذنابهم من يتظاهر بتكفيرهم لقولهم هذا، ثم يصرح بما هو شر منه، وهو جحد وجوده تعالى، فيصفه بما يصف به المعدوم، فيقول:" ليس داخل العالم ولا خارجه"!! تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
"صحيح الأدب المفرد"(ص205).
[995] باب إثبات صفة العلو للواحد القهار
وبيان سبب خطأ المؤولة في أبواب الصفات
الشيخ: كان وُجِّهَ سؤال فيما سبق من الجلسات حول صفة العلو لله عز وجل والآية التي يتوهم الكثيرون منها أنها تنافي صفة العلو لله تبارك وتعالى، ألا وهي قوله عز وجل:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4)، فيجب أن نعلم في هذا الصدد أن الله تبارك وتعالى له كل صفات الكمال، وهو منزه عن جميع صفات النقصان، وأن صفات الكمال منها ما هو معلوم بمجرد العقل والفطرة السليمة، وهذا قليل، مثل كون الله عز وجل فوق المخلوقات أو كلها، فهذا يعرف بمجرد العلم بأن الله عز وجل يليق به كل صفات الكمال، كأن يكون الله عز وجل فوق المخلوقات ولا عكس فهو مما يُعْرَفُ ببديهة العقل، ومع ذلك فقد جاءت النصوص الكثيرة في الكتاب والسنة تصرح تصريحاً ليس بعده تصريح بأن الله عز وجل فوق المخلوقات كلها، وبعض هذه النصوص تبين بأنه فوق العرش بصورة خاصة، كآية {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) التي تكررت في عديد من الآيات الكريمة أشهر من أن تذكر، فالعرش خلق من خلق الله عز وجل، بل هو أعظم مخلوقات الله تبارك وتعالى، فتنصيص رب العالمين على أنه فوق العرش العظيم هو من العقائد التي يجب على المسلم أن يتبناها ولا يجوز له أن ينحرف
عن دلالتها الظاهرة إلى المعاني المخترعة المبتدعة والتي يذهب إليها كثير من علماء الكلام المعروفين بانحرافهم عما كان عليه السلف الصالح من الإيمان بآيات الصفات كلها وأحاديث الصفات كلها، دون أي تحريف أو تأويل.
وقد تواتر أو على الأقل اشتهر عن الإمام مالك رحمه الله أنه جاءه رجل فقال: يا مالك! الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟، فكان جوابه رحمه الله أن قال: الاستواء معلوم، يعني: لغةً، وهو العلو، الاستواء لغة معناه العلو، هكذا يعني الإمام مالك بقوله: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، والسؤال عنه أي: عن الكيف بدعة، فالإمام مالك رحمه الله يقرر في جوابه هذا للسائل العقيدة السلفية الجامعة لكل صفات الله عز وجل، فهي تثبت كما جاءت وبالمعنى الثابت لغة ولكن لا [يجوز] تمثيلها وتشبيهها؛ لأن الله عز وجل يقول في القرآن الكريم:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) ففي الآية نفي وهو تنزيه (ليس كمثله شيء) وفي الآية إثبات لصفتين من صفات الله عز وجل وهو أنه سميع بصير، فسمعه لا يشبه الأسماع، وبصره لا يشبه الأبصار، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} .
كذلك بهذه الآية حين قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11) ننفي عنه مشابهته للحوادث، ومشابهة الحوادث له، ولكن ذلك لا يعني أن ننفي عنه الصفات التي أثبتها تبارك وتعالى لنفسه.
ومن هنا جاء انحراف الذين انحرفوا عن طريق السلف الصالح وهو من عدم جمعهم بين التنزيه والتثبيت للصفات، لأن الآية نفت وأثبتت، نفت شيئاً وأثبتت شيئاً، فلا يكون الإيمان بالله عز وجل إلا بالإيمان بهذين الأمرين اللذين ذكرهما
الله في هذه الآية، تنزيه وإثبات، تنزيه الله عز وجل عن مشابهته للحوادث، وإثبات الصفات لله عز وجل التي أثبتها الله عز وجل لنفسه، فصفات الله كثيرة، وهي مبثوثة في نصوص الكتاب والسنة، وفي بعضها اتفاق وفي كثير منها اختلاف، ويهمنا الآن البحث بصورة خاصة في صفة من هذه الصفات التي اختلف فيها المسلمون منذ أن وجدت المعتزلة وتأثر من تأثر بهم ممن ينتمي إلى مذهب أهل السنة كالأشاعرة بصورة خاصة، فالمعتزلة أنكروا كثيراً من الصفات الثابتة في الكتاب والسنة؛ يهمنا البحث الآن في صفة العلو لله العلي الغفار:
فقد ذهبت المعتزلة وتبعتهم الأشاعرة ثم لحقهم في ذلك جميع المسلمين الذين هم اليوم على وجه الأرض إلا قليلاً منهم وهم أهل الحديث، المعتزلة والأشاعرة وأكثر المسلمين اليوم ينكرون أن يكون الله تبارك وتعالى فوق مخلوقاته كلها، بل يُصرِّحون بأن الله عز وجل في كل مكان، وأن الله تبارك وتعالى موجود في كل الوجود، أما الآيات الكثيرة والأحاديث الأكثر التي تثبت لله صفة علوه على خلقه فهم يتأولونها بتأويل يعطلون معانيها، أي: هذه التآويل تؤدي بهم إلى إنكار حقائق هذه المعاني التي تضمنتها النصوص المشار إليها من الكتاب والسنة، فمثلاً: من هذه النصوص الصريحة في إثبات العلو لله عز وجل الآية السابقة: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) فهم يؤولون هذه الآية فيعطلون معنى العلو فيها بقولهم: الرحمن على العرش استوى أي: استولى، هكذا يفسرون الآية، الرحمن على العرش استوى يعني: استولى من الاستيلاء، ويحتجون على ما ذهبوا إليه من التأويل المذكور بشعر معروف وهو:
استوى بشر على العراق بغير سيف ودم مهراق
استوى بشر على العراق بمعنى استولى، هكذا يفسرون الآية الكريمة:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) معناه عندهم استولى، وهم حينما يفسرون هذا التفسير لا يتنبهون مع الأسف الشديد إلى أنهم صح فيهم المثل العامي: كان تحت المطر صار تحت المزراب؛ لأنهم بزعمهم نزهوا الله من أن يكون فوق المخلوقات بزعمهم أن هذا لا يليق بالله عز وجل، لأننا إذا قلنا: إنه فوق المخلوقات حصرناه بمكان، هذه شبهتهم وسنأتي على إبطالها قريباً إن شاء الله، ففراراً من هذا الزعم الذي زعموه أنه يلزم من وصف الله بأنه فوق المخلوقات تحييزه بمكان فروا بزعمهم من هذا فوقعوا فيما هو شر منه، وذلك حينما فسروا استوى بمعنى استولى، فإن معناه أن الله عز وجل قبل ذلك لم يكن مستولياً، لأنه في بعض الآيات المتعلقة باستواء الرب على عرشه قال تعالى:{خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (الأعراف:54) وكلنا يعلم أن «ثم» تفيد التراخي، فبعد أن خلق السماوات والأرض استولى على العرش، ومعناه أنه قبل ذلك لم يكن مستولياً، ولازم هذا أنه كان عاجزاً عن الاستيلاء شأن الخالق الأكبر سبحانه وتعالى كشأن بشر الذي ضربوا به المثل، فقالوا في الشعر:
استوى بشر على العراق
هذا بلا شك معناه لم يكن قبل ذلك مستوياً، ولماذا؟ لأنه لم يكن قادراً على الاستيلاء، فلذلك قال:
استوى بشر على العراق بغير سيف ودم مهراق
فكلمة استوى بمعنى استولى فيه تعجيز لرب العالمين لم يتنبهوا له، لأنه «ثم استوى» أي: ثم استولى، وقبل ذلك ماذا كان؟ كان غير مستولٍ مع أن المسلم
لمجرد أن يستحضر عظمة الله تبارك وتعالى، وأنه قادر على كل شيء مجرد استحضاره لهذا المعنى يعلم أنه ما يخلق شيئاً إلا وهو مسيطر عليه لا تنفك سيطرته عنه لحظة مهما دقت وصغرت.
فإذاً: هم بزعمهم في سبيل تنزيه الله عن المعنى الخاطئ الذي قام في نفوسهم وقعوا في تنقيص الله عز وجل وفي نسبتهم له إلى العجز والتقصير لأنه لم يكن مستولياً على العرش ولو لحظة من الزمن، ثم استولى على العرش، وهذا ضلال لا يحتاج إلى كثير شرح.
ما الذي أوصلهم إلى مثل هذا التأويل؟
زعموا بأنهم أرادوا الخلاص من جعل الله عز وجل بمكان وبظنهم أن المسلم إذا آمن بقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (الأعراف:54) بمعنى استعلى في ظنهم أن معنى هذه الآية أن الله عز وجل بمكان، وهذا ظن خاطئ، ورأي عاطل لا ينبغي أن يتورط أو أن يغتر به المسلم؛ لأن الله تبارك وتعالى ليس بمكان، لا قبل المخلوقات ولا بعد المخلوقات، كان الله ولا شيء معه، الله تبارك وتعالى غني عن مخلوقاته فإنه تبارك وتعالى من أوصافه وهو الغني عن العالمين، كما قال:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (آل عمران:97) فكان الله كما نعلم جميعاً ولا شيء معه، ولا خلق معه، ثم خلق المخلوقات كلها، فقبل أن يخلق المخلوقات لم يكن في مكان قطعاً، لأن المكان وجد بوجود الخلق، أما قبل وجود الخلق فلم يكن هناك مكان، فإذاً: كان الله ولا خلق معه أي: ولا مكان معه أيضاً، فلما خلق الله تبارك وتعالى المخلوقات وجد المكان، فهل حل في هذا المكان؟ حاشا لربنا أن يكون فقيراً محتاجاً إلى شيء من خلقه، فهو عز وجل من هذه الحيثية ليس بمكان وليس بحاجة إلى
مكان، فهو الآن كما عليه كان قبل وجود مكان، قبل وجود المكان لم يكن في المكان، فهو كذلك بعد وجود المكان ليس في المكان، هذه حقيقة بدهية، وهؤلاء الذين يفسرون الآية السابقة: استوى بمعنى استولى هم يريدون الفرار من إثبات المكان لله، وليس هذا طريق هذا الفرار، كما قيل:
أوردها سعد وسعد مشتمل
…
ما هكذا يا سعد تورد الإبل
على المسلم أن يثبت أن الله عز وجل لم يكن في مكان وهو كذلك بعد أن خلق المكان ليس في مكان، فاعتبار المسلم أن الله فوق المخلوقات لا يعني أنه في مكان، لأن المخلوقات محدودة المدى، فكل شيء محدود من المخلوقات، فإذا كانت المخلوقات محدودة فما وراء المخلوقات عدم ليس هناك مكان، فإذا كنا نقول: كان الله ولا شيء ولا مكان، فإذاً: هو لم يكن في مكان، فهو كذلك أيضاً ما دام أنه وراء المخلوقات فهو ليس في مكان.
إذاً: المشكلة التي اضطرتهم إلى تأويل عشرات النصوص في الكتاب والسنة هو وهم وخيال؛ لأنهم يتوهمون أن إثبات الفوقية لله معنى ذلك جعلوه في مكان، والفوقية التي هي صفة الله عز وجل لها علاقة بالله الأزلي القديم وليس لها علاقة بالحادث المخلوق الذي وجد بعد أن لم يكن، فهذا المخلوق محدود، ففي حدوده المكان والزمان، أما ما وراء هذا المخلوق فلا مكان ولا زمان، فأي شيء وراء هذا المخلوق ليس إلا الله تبارك وتعالى.
ومن هنا يقول السلف رضي الله عنهم كالإمام أحمد وعبد الله بن المبارك وغيرهم أن الذين ينفون صفة العلو عن الله تبارك وتعالى وأن الله ليس فوق مخلوقاته إنما يريدون إنكار وجود الله عز وجل ولكن بطريقة ملتوية ليست
صحيحة في الإنكار، فهم بدل أن يقولوا: لا إله مطلقاً يقولون مثلاً: الله لا فوق ولا تحت، ولا يمين ولا يسار، ولا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه، فأين الله إذاً؟
لو قيل لأفصح العرب بياناً: صف لنا المعدوم، لم يستطع أن يصف المعدوم بأكثر مما يصف هؤلاء نفاة العلو، لا يستطيع هذا الفقيه أن يصف المعدوم بأكثر مما يصف هؤلاء الذين ينكرون صفة الله عز وجل، حين يقولون: الله تبارك وتعالى لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه، إذاً: أين الله؟
بعض الملوك العقلاء جمع في زمانه أو بالتعبير الأدق: بعض النواب، نائب أحد الملوك هناك في دمشق جمع شيخ الإسلام بن تيمية مع أمثال هؤلاء العلماء النفاة لصفة العلو، جمعهم في مجالس عديدة، وجرى نقاش بين ابن تيمية رحمه الله وبين هؤلاء النفاة، وسمع من ابن تيمية حججه وكلامه، وسمع من الآخرين، فقال ذلك النائب نائب الملك في آخر الحديث، قال: هؤلاء قوم ضيعوا ربهم، هذا رجل ما هو عالم، لكنه عاقل، لما سمع حجج ابن تيمية في إثبات الله عز وجل وجوداً وصفةً، ومن صفاته أنه هو القاهر على عباده، وسمع حجج النفاة في هذه الصفة أن الله لا يوصف بأنه فوق لا تحت ولا يمين ولا أمام ولا خلف ولا داخل العالم ولا خارجه، وبعضهم يزيد على ذلك فيقول: لا متصلاً به ولا منفصلاً عنه تأكيداً للتعطيل، لما سمع هذا النائب أو الوالي بالتعبير العصري اليوم، قال: هؤلاء قوم ضيعوا ربهم، وهذه كلمة حق، لأن الذي لا يعرف [أن] ربه فوق المخلوقات كلها معناه أنه لم يعرف ربه، لأنه إن لم يكن لا داخل العالم ولا خارجه فليس
الكون إلا شيء [إما] هذا العالم المخلوق، [وإما] شيء خارج العالم المخلوق، وليس هو إلا الله تبارك وتعالى.
فإذا عرفنا هذه الحقيقة عرفنا بالتالي يقيناً أنَّ لا ضرورة لتأويل الآية {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) فلا نقول: استوى بمعنى استولى، لا نقول هكذا: وإذا قلنا استوى بمعنى استعلى ليس معنى ذلك أننا جعلنا لله مكاناً، لأن المكان في الخلق والله وراء الخلق وفوق الخلق.
لذلك نجد الأحاديث فضلاً عن الآيات الكثيرة تؤكد هذه الصفة الإلهية، أن الله عز وجل فوق خلقه، ونجد أن إنكار الفوقية هي طبيعة الملاحدة قديماً وحديثاً، فنعي مثلاً إلى قول فرعون حين قال لوزيره هامان:{ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} (غافر:36، 37) يكذب موسى عليه الصلاة والسلام، ويريد أن يكذبه ببرهان مادي يخيل به على أتباعه الذين ألَّهوه من دون الله تعالى، بأن يبني قصراً شامخاً رفيعاً ممتداً هكذا في السماء، ماذا يعني بهذا البناء الشاهق الرفيع؟ قال: لعلي أبلغ الأسباب، أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى الذي يقول، ماذا يقول موسى؟ أن الله فوق، وإني لأظنه كاذباً، سأبني هذا البنيان الشامخ الرفيع ثم لا أجد الإله الذي يدعوكم موسى إلى عبادته من دوني،
…
إذاً: هذه الآية فيها إثبات حقيقة وهي التوحيد ووجود الله عز وجل، وإثبات من كان ينكر هذه الحقيقة، هذه الآية فيها إثبات أن الأنبياء والرسل وفي مقدمتهم موسى عليه الصلاة والسلام كان يثبت لله صفة الفوقية، وصفة العلو والاستعلاء على عرشه، وأنه دعا موسى فرعون وجنده إلى أن يؤمنوا بهذا الإله الموصوف بصفة الفوقية، فكذبه موسى بقوله: وإني لأظنه كاذباً.
وفي الآية إثبات أن الذي ينكر هذه الصفة صفة الفوقية فإنما هو ملحد كفرعون تماماً، هذه الآية من جملة الآيات التي تثبت هذه الصفة، ويجب أن نتنبه لهذه الآية إذا تلوناها فنفهم أن فيها إثباتاً لهذه الصفة، ورداًّ على فرعون الذي أنكرها لرده على موسى وقوله: إني لأظنه كاذباً.
كذلك هناك آية: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (فاطر:10) فإذاً: لله صفة العلو ولذلك يرفع العمل الصالح إليه، كذلك وهذا من عجائب الأمور، قال تعالى:{تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ في يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (المعارج:4) فالملائكة تعرج، هل معنى العروج النزول أم الصعود؟ الصعود، تعرج إلى من؟ إلى الله تبارك وتعالى تقدم إليه ما سجلته من أعمال الإنسان في الأرض، والأدهى من هذا كله أن المسلمين جميعاً يؤمنون بأن الله عرج بنبيه إلى السماوات العلى، إلى من عرج؟ هؤلاء الذين ضيعوا ربهم فضيعوا أنفسهم يثبتون حقائق وينكرون حقائق، يثبتون هذه الحقيقة ويحتفلون بها كل سنة، أن الله عرج بنبيه إليه، وإلا إذا كان الله ليس له صفة العلو فإلى من عرج الرسول عليه الصلاة والسلام، إذا كان كما يتوهمون الله موجود في كل مكان، فإذاً: الرسول هذا العروج لم يكن عروجه إلى الله، لأن الله معنا في كل مكان، وسيأتي البحث على كل حال في قوله تعالى:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4).
إذاً: فهذه الحقائق حينما يدخل التأويل تتعطل هذه الحقائق من أذهان الناس وتتبخر، ويصير أمرهم أنهم ينكرون ما أثبت الله عز وجل في كتابه، وما شرحه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه.
"الهدى والنور"(483/ 25: 27: 00).