الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[786] باب في وجوب تصفية العقيدة مما شابها من البدع بما فيها أبواب الأسماء والصفات
الشيخ: كثير من الناس من هؤلاء الموحِّدين يمرون على بعض الآيات التي فيها تتضمن عقيدة وبعض الأحاديث الأخرى وهم غير منتبهين لما تتضمن هذه النصوص من عقيدة صحيحة! وهي من تمام الإيمان بالله عز وجل، خذوا مثلاً عقيدة أو الإيمان بعلو الله عز وجل على خلقه أنا أعرف بالتجربة أن كثيراً من إخواننا الموحِّدين السلفيين يعتقدون معنا بأن الله عز وجل على العرش استوى دون تأويل ودون تكييف ولكنهم حينما يأتيهم معتزلي عصري أو جهمي عصري، أو ماتريدي أو أشعري عصري فيلقي إليه شبهة قائمة على ظاهر آية لم يفهم معناها لا الموسْوِس ولا الموَسْوَس إليه، فيحار في عقيدته ويضل عنها بعيداً، لماذا؟
لأنه لم يتلقن العقيدة الصحيحة من كل الجوانب التي تعرَّض لبيانها كتابُ ربِنا وحديثُ نبِينا.
حينما يقول المعتزلي المعاصر: الله عز وجل يقول: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} (الملك:16)، وأنتم تقولون إن الله في السماء، وهذا معناه أنكم جعلتم معبودكم في ظرف هو السماء المخلوقة، ما أريد أن أخوض طويلاً في هذه القضية؛ لأن المقصود هو التذكير فقط، وإلا فالبحث في هذه الجزئية يحتاج إلى جلسة خاصة، أريد من هذا المثال أن عقيدة التوحيد بكل لوازمها ومتطلباتها ليست واضحة في أذهان الذين آمنوا بالعقيدة السلفية، لا أعني الآخرين الذين اتبعوا الجهمية أو المعتزلة أو الماتريدية أو الأشاعرة في مثل هذه المسألة، فأنا أرمي بهذا المثال إلى أن المسألة ليست باليسر الذي يصوره اليوم بعض إخواننا
الدعاة الذين يلتقون معنا في الدعوة إلى الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، أن الأمر ليس بهذه السهولة التي يدعيها بعضهم، والسبب في هذا ما سبق بيانه مني من الفرق بين جاهلية المشركين الأولين حينما يدعون أن يقولوا: لا إله إلا الله فيأبون؛ لأنهم يفهمون معنى هذه الكلمة الطيبة، وبين المسلمين المعاصرين اليوم حينما يقول هذه الكلمة لكنهم يأبون معناها الصحيح، هذا الفرق الجوهري هو الآن متحقق في مثل هذه العقيدة، عقيدة علو الله عز وجل على مخلوقاته كلها، فهذا يحتاج إلى بيان، ولا يكفي أن يعتقد المسلم فقط معنى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، ومعنى:«ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» ، دون أن يعرف أن في هنا «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» في هذه الظرفية في هذا الحديث هي كـ "في" في قوله تعالى:{أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} (الملك:16) أي: من على السماء، حتى إذا جاء ذلك المعتزلي أو الأشعري ووسوس إليه وقال له: أنتم تجعلون ربكم في ظرف في السماء، فيكون الجواب عنده: لا لا منافاة بين قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، وبين قوله:{أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} (الملك:16)؛ لأن «في» هنا بمعنى «على» هناك، والدليل كثير وكثير جداً، من هذا الحديث المتداول على ألسنة الناس، وهو بمجموع طرقه والحمد لله حديث صحيح:«ارحموا من في الأرض» لا يعني الحشرات والديدان التي هي في الأرض، وإنما من على الأرض من الإنسان والحيوان، «يرحمكم من في السماء» أي من على السماء، فمثل هذا التفصيل لا بد أن يكون المستجيبون لدعوة الحق على بينة من الأمر.
ويُقرِّب لكم هذا أن تتذكروا حديث الجارية وهي راعية غنم كما تعلمون، حينما سألها الرسول عليه السلام، وأنتم إن شاء الله ذاكرون الحديث، وإنما أذكر
بالشاهد منه قال لها: «أين الله؟» قالت: في السماء. لو سألت اليوم كبار شيوخ الأزهر لقالوا لك: في كل مكان، بينما الجارية تحسن الجواب، وهي جارية راعية غنم، ما هو السبب؟ لأنها كانت تعيش في جو بتعبيرنا العصري جو سلفي، أي جو سني بالتعبير العام؛ لأنها تخرجت كما يقولون أيضاً اليوم من مدرسة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، هذه المدرسة لم تكن خاصة في بعض الرجال ولا في بعض النساء، وإنما كانت تنتقل من ناس إلى ناس فتعم السكان جميعهم من رجال ونساء؛ ولذلك عرفت الجارية وهي راعية غنم العقيدة الصحيحة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الكتاب وفي السنة.
اليوم لم يوجد شيء من هذا، من هذا البيان وهذا الوضوح، بحيث أنه لو سألت - ما أقول راعية غنم- بل لو سألت راعي أمة وجماعة قد يحار في الجواب، كما يحار الكثيرون اليوم.
فإذاً قضية الدعوة إلى التوحيد وتثبيتها في قلوب الناس، ما يكفي أن نمرِّر آيات كما كان الأمر في العهد الأول؛ لأنهم أولاً كانوا يفهمون العبارات العربية بيسر، وثانياً لم يكن هناك زيغ وانحراف في العقيدة نبع من الفلسفة ومن علم الكلام، فقام يعارض العقيدة السليمة، فنحن أوضاعنا اليوم تختلف تماماً، فلا يجوز أن نتوهم بأن الدعوة إلى العقيدة الصحيحة هي اليوم من اليسر، كما كان الأمر في ذلك اليوم من اليسر، وأقرب لكم هذا بمثل لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان إن شاء الله، من اليسر المعروف يومئذٍ أن الصحابي يسمع الحديث من رسول الله مباشرةً ثم التابعي يسمع الحديث من الصحابي مباشرة وهكذا نقف عند القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية هل كان هناك شيء اسمه: علم الحديث، لم يكن هناك شيء اسمه علم الحديث، علم الجرح والتعديل لم
يكن شيء منه هناك، أما الآن فهذا أمر لا بد منه، وهو فرض من فروض الكفاية، العالم اليوم لكي يتمكن من معرفة هذا حديث صحيح أو ضعيف، ليس هذا ميسراً له كما كان الأمر بالنسبة للصحابي؛ لأنه يتلقى الحديث من فم النبي صلى الله عليه وآله وسلم غضاً طرياً، ثم التابعي يتلقاه من الصحابة الذين زكوا بشهادة الله عز وجل لهم إلى آخره، فما كان ميسوراً يومئذٍ ليس ميسوراً اليوم، لهذا ينبغي ملاحظة هذا الأمر، والاهتمام كما ينبغي مما يتناسب مع المشاكل المحيطة بنا اليوم بصفتنا مسلمين، ما لم يكن المسلمون الأولون قد أحاط بهم مما أحاط بنا من الإشكالات والشبهات وعلم الكلام، من أجل ذلك، أو يحسن بنا أن نذكر من أجل ذلك في بعض الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما ذكر الغرباء في بعضها، قال:«للواحد منهم خمسون من الأجر» ، قالوا: منا يا رسول الله أم منهم، قال:«منهم» ، ثم عللَّ ذلك بقوله عليه السلام:«إنكم تجدون على الحق أنصاراً، ولا يجدون على الحق أنصاراً» ، هذا من مقتضى الغربة الشديدة القائمة اليوم، التي لم تكن في الزمن الأول، لا شك أنه الزمن الأول الغربة كانت بين شرك وتوحيد، بين كفر وإيمان، أما الآن المشكلة بين المسلمين أنفسهم، فهذه قضية ينبغي الانتباه لها أولاً، ثانياً: لا ينبغي أن يقول ناس من الناس ولنقل نحن مثلاً معشر السلفيين المحصورين في بلد ما، نحن الآن ينبغي أن ننتقل إلى مرحلة أخرى غير مرحلة الدعوة إلى التوحيد، وأعني بهذه المرحلة الأخرى هو العمل السياسي، لا ينبغي أن نقول هذا؛ لأن الإسلام دعوته دعوة حق أولاً، وعامة ثانياً، نحن ما ندري من أين ستنبغ الحركة التي يبدأ منها تحقيق الحكم بالإسلام في أرض الله الواسعة، ولذلك فيجب أن تكون دعوتنا عامة، إن كانت مثلاً دعوتنا في بلد عربي كمثل بلدنا هذا مثلاً، فما ينبغي أن نقول: نحن عرب والقرآن نزل بلغتنا العرب، مع أننا نذكر بأن العرب اليوم كبعض الأعاجم الذين استعربوا، فالعرب اليوم استعجموا؛ بسبب
بعدهم عن لغتهم، وهذا مما أبعدهم عن فهم كتاب ربهم وسنة نبيهم، فهب أننا نحن العرب هنا فهمنا الإسلام فهماً صحيحاً، فلا نقنع بأننا نكفي نحن أن نعمل عملاً سياسياً، ونحرك الناس ونشغلهم بالسياسة عما يجب عليهم من الاشتغال بفهم الإسلام كما
قلنا آنفاً، ليس محصوراً بالعقيدة بل بالعبادة، وفي المعاملات وفي السلوك، أنا لا أعتقد أن هناك في الأرض الإسلامية العامة شعباً يعد الملايين يمكن أن يعتمد عليهم بأنهم فهموا الإسلام بهذه الأمور الثلاثة التي سبق ذكرها: عقيدةً، وعبادةً، وسلوكاً، ورُبوا على هذه التربية، لا أعتقد هذا موجود؛ ولذلك نحن ندندن دائماً وأبداً حول ونركز حول نقطتين أساسيتين، وكثير من إخواننا الحاضرين يعلمون ذلك حينما نقول: التربية، فإنما نعني من هذه التربية التربية القائمة على التصفية، فلا بد من الأمرين معاً، التصفية والتربية، فإن كان هناك نوع من التصفية فهو في العقيدة، وليس بصورة عامة، وفي شعب قد يعد الملايين، وإنما ذلك في أفراد منهم ضاعوا في هذا المجتمع الواسع، وليس لهم كلمة وليس لهم ما يجمعهم حتى يكونوا كتلة واحدة، بحيث يمكنهم أن يؤثروا في ذلك المجتمع الذي هو جزء من المجتمع الإسلامي الكبير، أعني شعباً من الشعوب، فقد يكون هناك أفراد فهموا الإسلام فهماً صحيحاً من كل الجوانب نفترض هذا وهذا بعيد جداً؛ لأني أعتقد أن فرداً بل ولا خمسة ولا عشرة ولا عشرين يستطيعون أن يقوموا بواجب التصفية، تصفية الإسلام مما دخل فيه في كل جوانب الإسلام من عقيدة من عبادة من سلوك من معاملة ما شابه ذلك، لا يستطيع أن ينهض بهذا الواجب أفراد قليلون خاصة في هذا المجتمع الذي يعد الملايين لا بد ما يكون هناك المئات من الدعاة الذين فهموا الإسلام فهماً صحيحاً، ثم قاموا بواجب تربية من حولهم، التربية هذه الآن مفقودة ولذلك سيكون للتحرك السياسي الآن آثار سيئة قبل تحقيق هاتين القضيتين الهامتين التصفية والتربية، هل
نعني بتحقيق بكلمة التحقيق تحقيق ذلك في المجتمع الإسلامي كله، هذا مما لا نفكر فيه ولا مناماً؛ لأن هذا أمر مستحيل؛ لأن الله عز وجل يقول في القرآن الكريم:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} (هود:118، 119)، هؤلاء المرحومون لا يتحقق فيهم أنهم مرحومون فعلاً من ربنا تبارك وتعالى إلا إذا فهموا الإسلام فهماً صحيحاً، وربوا أنفسهم أيضاً على هذا الإسلام الصحيح، فالاشتغال الآن بما يسمى بالعمل السياسي، ونحن لا ننكر العمل السياسي، لكننا نعتقد بالتسلسل المنطقي الشرعي في آن واحد، أن نبدأ بالعقيدة ونثني بالعبادة وبالسلوك تصحيحاً لكل هذه الأمور، ثم لا بد أن يأتي يوم لا بد من العمل السياسي فيه؛ لأن السياسة معناها: إدارة شؤون الأمة، من الذين يدير شؤون الأمة، ليس زيد وبكر وعمر الذي هو يتريس على جماعة أو يوجه جماعة هذا أمر الأمير الإمام الأول، يعني الذي يبايع من قبل المسلمين فهذا هو الذي يجب أن يكون على معرفة بسياسة الواقع، أما أن نشغل أنفسنا بأمور نحن لو عرفناها حق المعرفة لا نتمكن من إدارتها؛ لنضرب مثلاً واضحاً جداً اليوم مع الأسف الشديد، هذه الحروب القائمة ضد المسلمين اليوم في كثير من بلاد الإسلام، هل يفيد تحريك وإثارة حماس المسلمين في كل بلاد الدنيا ونحن لا نملك الجهاد الواجب إدارتها من إمام مسؤول، لا فائدة من هذا العمل، لا نقول: هذا ليس بواجب، هو واجب،
ولكنه أمر سابق لأوانه، ولذلك فعلينا أن نشغل أنفسنا وأن نشغل غيرنا ممن ندعوهم إلى دعوتنا أن نفهمهم الإسلام الصحيح، وأن نربيهم تربية صحيحة، وإشغالهم بأمور حماسية فذلك مما سيصرفهم عن التمكن في الدعوة التي هي تجب أن يقوم بها أو أن تقوم في ذهن كل مكلف من المسلمين كتصحيح العقيدة وتصحيح العبادة وتصحيح السلوك، هذه من الفروض العينية التي لا يعذر مُقَصِّر فيها، أما الأمور الأخرى فهي بعضها يكون من